نُشر في هذه الجريدة يوم الأربعاء الماضي شيء لم أفهمه، وأريد أن أعرضه على العالم ليشاركني دهشتي. يقولون في علم الدراما أنت غير ملزم بإعطاء المبررات كلها حتى يصدقك الناس.. عليك فقط أن تضع الصدف في المقدمة ثم تبني عليها منطقك.. ذلك ما ينطبق بالكامل على هذا الخبر.. تكتنفه الدراما من كل الجهات، كما تلمس فيه شيئاً من التشوش والغمغمة كأنه صِيغ في وكالة الأنباء السعودية (واس).. مفكك ومنتف من جميع الجهات.. مفرغ من أحشائه إلى درجة أنه نُزع منه أهم سمة فيه وهي الجانب الأمني.
يقول الخبر إن هناك جثثاً وجماجم وبقايا موتى وُجدت في مكان ما قرب عقلة الصقور بالقصيم، وتم تشكيل لجنة لجمع الجثث ودفنها حسب الوجه الشرعي.. ورد في الخبر (قامت اللجنة بالذهاب إلى تلك المواقع الأربعة، وبعد المرور على المواقع الأربعة تم إخراج عدد من الجثث حسب التالي):
من الموقع الأول تم إخراج جثة قديمة جداً كما تم إخراج جثتين كاملتين من غار واحد كما وُجد في الموقع الثالث جمجمة واحدة مع بقايا عظام بشرية أما في الموقع الرابع فقد وُجدت جمجمتان، وبذلك يصبح ما جمعه الفريق خمس جماجم بشرية مع عظام لجثتين كاملتين وبقايا بسيطة من ثلاث جثث أخرى، وقامت اللجنة بدفن هذه الجماجم والعظام في إحدى المقابر للحفاظ على حرمتها ولكي لا تصبح مكاناً يرتاده الناس، ويقول الخبر أيضا إن البلدية أحضرت المعدات اللازمة والعمالة الكافية للقيام بعملية الجمع والحفر والدفن وأشرف على ذلك رئيس البلدية الأستاذ عبدالله بن مهدي العنزي.
هذا تقريباً مجمل الخبر.. عجزت أن أفهم فحواه أو دلالاته وإلى أي التخصصات ينتسب؟ هل القضية أمنية أم صحية أم دينية أم تتعلق بالآثار والحفريات؟ هناك مجموعة من الجثث لا أحد يعرف لمن؟ ومتى حدثت الوفاة؟ وما هي أسبابها؟ ولماذا لم تُدفن مع المسلمين في المقابر أصلاً؟
عملية معالجة القضية لم تحاول أن تجيب على الأسئلة المنطقية التي سوف تتبادر إلى ذهن أي إنسان يقرأ الخبر.. هل تعود هذه الجثث إلى ما قبل التاريخ؟ أو إلى ما قبل الإسلام؟ أو إلى ما قبل الدولة السعودية؟
بمعنى آخر متى مات هؤلاء؟ هل ماتوا قبل النظام والقانون أم بعده؟
لماذا لم يأخذ أحدٌ شيئاً من الجثث لتحليلها ومعرفة عمر الوفاة وسببها.. لماذا أصلاً لم تشارك الجهات الأمنية ذات الاختصاص في الموضوع؟ لماذا لم يتم التحفظ على الجثث حتى تتأكد جهات الاختصاص منها لكي لا يكون هناك جريمة جماعية حدثت؟
ما جرى ليس عملاً درامياً يُمكن الاكتفاء بجانب الإثارة فيه وينتهي العرض.. هناك أسئلة يُفترض الإجابة عليها بوضوح.. الناس لازم تعرف طبيعة هذه الجثث وإلى أي عصر تعود؟ من هم أصحابها وما هو هذا المكان الذي وُجدت فيه ومن بلّغ عنها؟ هناك كمية كبيرة من الغموض لابد ان تجلى.. لا يمكن الاكتفاء بمجرد دفن الجثث لتنتهي القضية.
على كل حال الشيء المهم في الموضوع كله أن البلدية هي التي أمّنت مشكورة العمالة والمعدات والأدوات التي تم بها نقل الجثث ودفنها مع انه معروف عالمياً ان من يقوم بهذا الواجب هو وزارة الخارجية أو وزارة التعليم العالي.. ولله في خلقه شؤون.
فاكس: 4702164
|