* بريدة - مكتب الجزيرة:
اعتبر فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالعزيز بن إبراهيم المنصور عميد كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم سابقاً أن ما حدث بالقصيم أمس الأول من الإرهابيين وما حدث مؤخراً في مدينة الرياض من تفجيرات آثمة إنما هي إهلاك للأنفس البريئة المسالمة وأن من قام بهذا العمل قد خرج على ولي الأمر الذي أمر الله بطاعته وأنهم محاربون لله ولرسوله وظلمة في البلد الحرام.
جاء ذلك في حديث فضيلته ل(الجزيرة) الذي جاء فيه: إن ما يقوم به هؤلاء المفسدون الذين يعيثون في الأرض فساداً ويهلكون الحرث والنسل لَمن أعظم الكبائر الموبقة، فإنهم قد جمعوا أموراً عظيمة كل واحدة منها كبيرة عظيمة مهلكة، كم أهلكوا من نفس بريئة مسالمة آمنة مطمئنة ترغد بنعمة الأمن طوال حياتها لا يكدر صفو حياتها ما يكدر غيرها، وكم أيتموا من أطفال أبرياء، وكم رملوا من نساء وأعاقوا سليماً، وكم أضاعوا من مال، وحقوق، وكم أخافوا وقطعوا من سبيل آمنة، وكم اعتدوا، وكم ظلموا، وجاروا وبغوا، أيعتقدون أن الإسلام يدعوهم إلى هذا العمل الإجرامي؟! بئس ما ظنوا وبئس هذا التفكير الجائر الممسوخ البعيد كل البعد عن تصور العقل السليم والفطرة السوية السمحة. إن هذ العمل الإجرامي تحاربه جميع الشرائع السماوية ولا سيما شريعة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه. ذلك:
أولاً: أنهم خرجوا على وليِّ الأمر الذي أمر الله بطاعته بالمعروف في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }، ومن السنّة ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني) - وروى مسلم عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال: (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف)، وعند البخاري (ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة )، وروى مسلم عن ابن عباس قال: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية).
ثانياً: أنهم محاربون لله ورسوله شهروا السلاح في وجوه المسلمين، وأهل الذمة وقد توعد الله المحاربين بعقوبة شديدة في الدنيا والآخرة تتناسب مع جريمتهم الشنيعة، قال الله تعالى في حكم هؤلاء: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (33) سورة المائدة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا).
ثالثاً: أنهم ظلموا في بلد الله الحرام وقد توعد الله من أراد فيه الظلم، مجرد إرادة دون الفعل، توعده بقوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج، فكيف إذن يكون عذاب من أراد ونفذ هذا الظلم والاعتداء؟.
رابعاً: أنهم قتلوا النفس المعصومة، وقتْل النفس من أكبر الكبائر، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}.
وقال في ذلك متوعداً: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} (93) سورة النساء.
أكد هذا العذاب بعدة تأكيدات زجراً عن هذه الجريمة لأن جريمة القتل من أعظم الجرائم، وأقبحها وأعظمها إزهاق نفس معصومة وحرمانها من الحياة بغير حق.
الزجر الأول: الوعيد بإدخاله النار ولم يقل فله النار بل قال جزاؤه فلا جزاء يقابل هذه الجريمة إلا النار فهي جزاؤه.
الزاجر الثاني في الآية: أن الله توعده بالخلود في النار، ولا يخلد في النار إلا المشركون الذين حرم الله عليهم الجنة قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} (72) سورة المائدة.
الزاجر الثالث: أن الله غضب عليه، ومن غضب الله عليه فهو شقي.
الزاجر الرابع: أن الله لعنه، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، ومن طرده الله وأبعده من رحمته كيف يكون مصيره؟
الزاجر الخامس: أن الله أعد له في نار جهنم عذاباً ليس كالعذاب، بل هو عذاب عظيم روى الإمام أحمد عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً) ولعظم هذه الجريمة فإنه أول ما يقضى بين الناس في مظالم بعضهم بعضاً في الدماء روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).
وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن معتقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (لو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار)، وروى الإمام أحمد والنسائي عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً).
وحين قتل أسامة بن زيد رجلاً فتك بالمسلمين فتكاً ذريعاً في أحد المعارك لا يترك شاذة ولا فاذة إلا تقدم وأجهز عليه فأدركه أسامة بن زيد فلما تمكن منه قال الرجل: لا إله إلا الله، فقتله أسامة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنكر عليه وغضب عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟) فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً من القتل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشققت عن قلبه، ماذا تقول بلا إله إلا الله يوم القيامة؟) فما زال يكررها صلى الله عليه وسلم على وجه الإنكار حتى قال أسامة: فتمنيت إني لم أكن أسلمت قبل ذلك. فماذا يصنع هؤلاء المفسدون الذين قتلوا الأنفس المؤمنة الآمنة ب(لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة؟
خامساً: من الكبائر التي وقعوا فيها أنهم فتحوا على المسلمين أبواب فتنة وشر يريدون أن يشعلوها ناراً ملتهبة تأكل الأخضر واليابس، فصاروا أداة حرب ومعول هدم يوجههم أعداء الإسلام إلى الديار المقدسة ومنبع الرسالة، ومنطلق دعوة الإسلام إلى أوطانهم وأهليهم وقومهم، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي أعداء الإسلام والمسلمين، وإن هذا التصرف الأحمق الغشوم الظالم أظهرهم على حقيقتهم وكشف لنا عن نواياهم الخبيثة الحاقدة.
سادساً: ومن الكبائر التي وقعوا فيها أنهم قتلوا أنفسهم وهذا العمل من أكبر الكبائر التي توعد الله عليها بالخلود بالنار، قال الله تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (29) سورة النساء، وقال تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (195) سورة البقرة.
وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه عن أبي قلابة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة).
وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا فيها أبدا).
سابعاً: ومن ذلك أنهم سلكوا منهج الخوارج الذين أخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً لنا عن منهجهم ومبيناً لنا خطرهم على الإسلام والمسلمين وبين لنا كيف يكون موقف المسلمين وولاتهم منهم، فلقد تضافرت الأدلة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء من ذلك: ما رواه البخاري وسلم والإمام أحمد عن أبي سعيد قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم قال: يا رسول الله اعدل، فقال: ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: دعه فإن له أصحاباً يحضر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).
وإني أدعو هؤلاء الجهّال والمغرَّر بهم أو المتجاهلين أن يثوبوا إلى رشدهم ويعدلوا عن غيهم ويتوبوا إلى الله توبة نصوحاً لعل الله أن يتوب عليهم ولا يحملنهم خوفهم من العذاب في الدنيا على التمادي في الغي والضلال، فعذاب الدنيا لا يساوي شيئاً بالنسبة لعذاب الله الذي ينتظرهم، وهو الخلود في النار وما قبله من عذاب القبر ويوم الحساب، وأهوال يوم القيامة، عذاب عظيم أليم، ووالله لو لم يكن من عذاب الله إلا ضمة القبر وعذابه لكان كافياً وزاجراً عن التمادي في الباطل، والصبر على عذاب الدنيا وبلائها، فكيف بما ما عملت أيديكم من أعمال إجرامية وفساد في الأرض، وتسليط الأعداء، والمغرضين على الإسلام والمسلمين؟؟
أما أنتم يا رجال الأمن فقد شرفتم المسلمين عامة ومجتمعكم خاصة على مواقفكم البطولية في حفظ الأمن وملاقاتكم المفسدين وصمودكم أمامهم فلكم منا ومن كل مسلم غيور على دينه وحرمات المسلمين الدعاء بالثبات والتوفيق، والعفو والمغفرة، وأن يثيبكم ثواب المجاهدين في سبيل الله ومن قتل منكم يجعله من الشهداء وكلنا رجل أمن أيدينا في أيديكم رعاة ورعية مسؤوليتنا واحدة فعلينا جميعاً أن نتعاون على البر والتقوى كما يجب علينا أن نكون عيوناً ساهرة حذرين نراقب ما نرتاب في شأنه، ولا يجوز لنا أن نسكت عن ما نراه مخلاً في أمننا، بل يجب علينا أن نبلغ المسؤولين ولو كان ذلك أقرب قريب لنا فمن كان حرباً على المسلمين يجب أن نتبرأ منه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} فمن سكت عنهم أو سترهم أو تستر عليهم فهو شريك لهم في أي جريمة تحصل منهم بعد علمه بهم، ولا تبرأ ذمتُه إلا بالإبلاغ عنهم.
هذا واللهَ أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهدي ضالنا ويثبت مهتدينا ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ويجنبنا وبلادنا خاصة وبلاد المسلمين عامة الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله أن يهدي ولاة أمور المسلمين عامة ويرزقهم البطانة الصالحة ويجمع كلمتهم على الحق ويوفق ولاة أمورنا خاصة ويصلح بطانتهم، وينصر بهم الإسلام والمسلمين ويرد بهم كيد الكائدين والمفسدين إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله علينا نبينا محمد وسلم.
|