Saturday 22nd May,200411559العددالسبت 3 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

حالتان متشابهتان - مختلفتان في التعامل مع الأزمات حالتان متشابهتان - مختلفتان في التعامل مع الأزمات
المؤسسة العسكرية الأمريكية وكيف تعاملت مع فضيحة أبو غريب
د. علي بن شويل القرني ( * )

نسأل سؤالا مهما في زحمة فضيحة سجن أبو غريب.. لماذا لا نلقي اللوم على المؤسسات الأمريكية فهي التي تقف خلف هذه الممارسات اللاأخلاقية والأعمال المشينة التي ارتكبها جنود أمريكيون مؤتمنون على حياة وسلامة المحتجزين العراقيين..؟ ولماذا وفي مواقف مشابهة لامت الإدارة الأمريكية والمؤسسات الاجتماعية ووسائل الإعلام هناك السعوديين، ولم تكتف بلوم الأشخاص الذين شاركوا في التفجيرات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية..؟ ولو قسنا الحادثتين لوجدنا تشابها كبيرا بينهما، ففي كلتا الحالتين توجد انحرافات وتطرف في التعامل والسلوكيات مع الآخرين من قبل المنظمات الإرهابية التي اعتدت على الرموز السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية، ومن ناحية أخرى توجد تعديات من جنود أمريكيين حاولوا أن ينالوا من كرامة وأعراض الشعب.. ودعونا نحلل الموقفين بشكل موضوعي لنتبين ملامح الاختلاف والاتفاق بين هذين الموقفين..
1- الجميع يتفق على أن السلوكيات التي تجسدت في العمل التفجيري على الأراضي الأمريكية والعمل الانحرافي في سلوكيات الجنود الأمريكيين كلها سلوكيات منحرفة تشذ من قاعدة المنطق والعقل والصحيح والسلوكيات السوية..
2- الجميع يتفق على أن هذه الانحرافات لا تمثل المؤسسات والمجتمعات والعقائد التي انطلقت منها.. بل تمثل الأفراد أو المجموعة التي تؤمن بمثل هذه السلوكيات وتتبنى مواقف انحرافية شاذة.. ولكن المهم أن الجماعات الإرهابية التي تنتمي إلى منظمات إسلامية لا تمثل المملكة ولا المجتمع السعودي بأي شكل من الأشكال بل أنها تستعدي المملكة وتحاول أن تؤثر على سياستها وبرامجها التنموية.. وفي المقابل، فإن الأفراد من الجنود الأمريكيين هم جزء من المؤسسة العسكرية وينتسبون إليها وهم يمثلونها ويؤمنون بعقيدتها.. ولهذا فإن درجة مشاركة المؤسسة العسكرية الأمريكية في النشاط الانحرافي لجنودها تأتي في مسؤولية متقدمة جداً.. فهؤلاء الجنود هم جنود أمريكيون رسميون يمثلونها ويعبرون عن عقيدتها وفكرها ونهجها.. بينما في الطرف الآخر، لا ترتبط المملكة بأي منظمة إرهابية أو أفراد انخرطوا في التفجيرات ضد الولايات المتحدة.
3- الضحايا الذين وقعوا تحت تأثير التفجيرات في الأراضي الأمريكية ليس للمملكة دخل أو تأثير على مجريات أمورهم، ولم يكن للمملكة معرفة أو قدرة على منع الأحداث، بينما ضحايا سجن أبو غريب كانوا تحت حماية الجنود الأمريكيين، وهذا يضاعف من مسؤوليات وتورط المؤسسية العسكرية الأمريكية في مثل هذه الانحرافات والتوجهات اللاأخلاقية..
4- مما يضاعف من تورط ومسؤولية المؤسسة العسكرية الأمريكية هو كونها جاءت إلى العراق- حسب ادعاءات الحرب وما بعد الحرب- لتنقذ الشعب العراقي من ويلات النظام العراقي السابق، وتحاول أن تؤسس فيه نظاما ديموقراطيا أخلاقيا.. ولكنها في المقابل ترتكب اعتداءات لا أخلاقية وتنتهك أعرافاً إنسانية.. أي أنها -من خلال هذه الأعمال- تهزم المبادئ التي جاءت من أجلها.. أما الحالة السعودية فلم تكن كذلك..
ونسأل سؤالا مهما.. مع تقارب الحالتين الأمريكية والسعودية.. لماذا وجهت أمريكا حملتها ضد المملكة مدعية بمجموعة عوامل وظروف تحاول أن تقحم فيها المملكة ومجتمعها ومؤسساتها في الأحداث التفجيرية التي وقعت في الولايات المتحدة، بينما المملكة غير مرتبطة من قريب أو بعيد بهذه الأحداث.. واستطاعت الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر أن تستثمر هذه الظروف في خدمة هدف واحد ذي بعد استراتيجي هو إضعاف دور المملكة ومحاولة ابتزازها.. والتشويش على صورتها الخارجية.. وكذلك التدخل في شؤونها الداخلية، ومحاولة فرض أجندة اجتماعية سياسية دينية تعليمية.. وإثارة البلبلة وزرع عدم الاستقرار في مجتمعها ومؤسساتها بحجة أن المملكة بشكل مباشر أو غير مباشر متورطة في مثل هذه الأحداث.. وفي المقابل، نسأل سؤالا مهما آخر.. لماذا بنفس المقياس، لا نكيل بنفس المكيال للأحداث التي تورطت فيها مباشرة المؤسسة العسكرية الأمريكية، ونقول بأن هذه الأحداث هي إفرازات لما تحمله هذه المؤسسة من عنصرية وقواعد غير أخلاقية ضد العرب والمسلمين..؟
ما شاهدناه بالكلمة والصورة في بغداد ونيويورك وواشنطن هو أحداث متشابهة، حاولت الولايات المتحدة أن تتعامل معها بطريقة مختلفة.. فقد حاولت أن تستثمر الأحداث على أراضيها لتشن بسببها حملة ضد الإرهاب وتجند العالم كل العالم ليكون في صفها.. وفعلت الكثير من أجل توريط مؤسسات ودول وأفراد في هذه الحرب والمملكة هي إحدى ضحايا هذه الحملة الشرسة عليها وعلى مقدساتها، ومؤسساتها، ومناهج تعليمها، وقيم مجتمعها، وسلوكيات أفرادها... أما أحداث أو فضيحة أبو غريب فهي مرت وربما تمر بدون أثر بالغ على صورة الولايات المتحدة في الخارج، رغم وجود أثر ورغم تأثر صورة الأمريكيين..
ولكن المهم أن الولايات المتحدة تعمل حالياً على التعامل مع هذه القضية على الطريقة الأمريكية.. في حين أننا العرب والمسلمين تعاملنا في قضيتنا بطريقة ومنهج عمل يهيئنا لمزيد من التورط، وكثير من الإخفاقات.. ولندرس جيداً الطريقة الأمريكية في التعامل مع فضيحة أبو غريب:
1- تحاول الولايات المتحدة أن تتعامل مع القضية على أنها قضية فردية وليست قضية جماعية أو مؤسسية.. ولهذا تقلصت القضية اللاأخلاقية في المؤسسة العسكرية الأمريكية إلى قضايا فردية لعدد من الأشخاص.. وربما اثنين أو ثلاثة أو ستة.. أو ربما عشرة..
2- توجد في النظام الأمريكي آلية معالجة وتعامل مع الأزمات والأحداث والصراعات، وهي أنها تبني داخل مؤسساتها أنظمة حماية وآليات مقاومة من الصراعات والأزمات.. وهذا ما نسميه بالصراع المؤسسي institutionalization of conflict.. أي أن المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحمل داخلها آليات تعامل مع الصراعات والأزمات.. وهذا ما يحدث حالياً.. فقد انبرى الكونجرس في تشكيل لجان لدراسة ومناقشة القضية.. وها هي الأجهزة العسكرية تشكل هيئات تحقيق لمتابعة هذا الموضوع.. وها هي الإدارة الأمريكية تصرح وتشجب وتستنكر هذه الأعمال، وتقول أنها غريبة عن القيم الأمريكية والعقيدة العسكرية..
3- وستنتهي هذه التحقيقات بتقارير تدين الأشخاص، وتبرئ المؤسسات.. وهكذا هي التحقيقات الأمريكية.. وحتى لو انتسب هؤلاء الأشخاص إلى مؤسسات، فلن تضر التحقيقات هذه المؤسسات، بل أنها ستنتهي بتقوية المؤسسات وتعزيز حضورها في المجتمع الأمريكي وخارج هذا المجتمع..
ولهذا فنحن في المملكة، وفي العالم العربي والإسلامي، نحتاج إلى أن تعامل مع أزماتنا وصراعاتنا ومشاكلنا في الداخل والخارج بنفس الطريقة الأمريكية التي تحتضن الصدمة، وتفجرها من الداخل، وتنفس عنها إلى الخارج.. طريقة تبني آليات ديناميكية للتعامل مع المواقف والأزمات والصراعات عبر المؤسسات الاجتماعية.. بدل أن نتعامل معها بطريقة اجتهادية، ثم نندب حظ العالم الإسلامي والعربي في كوننا ضحيا ومضطهدين.. الوضع يحتاج إلى وقفة تأمل ومكاشفة مؤسسية.

( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود - الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved