حتى لو سلمنا جدلا بواقعية ما صرح به السيد ماكلوسكي الناطق بلسان الخارجية الأمريكية من أن فرص الوصول إلى حل جزئي لفتح قناة السويس لم تستنفد بعد، ومع ما يعنيه هذا التصريح من موقف أمريكي متهافت بعد التحدي الذي أطلقته غولدا مايير في وجه سيسكو - اللهم إلا إذا كانت واشنطن قد (اقتنعت) أخيرا بأن لا مناص لكسر الصلف الإسرائيلي وقهر تحدي مايير إلا بضغط أمريكي فعال؟! - فإنه من غير المتوقع أن تعرض فرصة جديدة تقترن بنتائج إيجابية حول موضوع لفتح القناة قبل نهاية شهر آب الجاري.
ذلك أنه مع دخول شهر أيلول، وفي اليوم الأول منه، سيجري استفتاء شعوب مصر وسورية وليبيا على قيام اتحاد الجمهوريات العربية الذي يضم البلدان الثلاثة، وعلى إقرار الأحكام الأساسية للاتحاد التي أذيعت في 17 نيسان الماضي. ولدى إعلان نتائج هذا الاستفتاء مساء اليوم نفسه - وهي نتائج معروف مقدما بأنها ستكون إيجابية - يصبح الاتحاد قائما بشكل شرعي، وتدخل أحكامه الأساسية حيز التنفيذ بمعنى أن مسائل السلم والحرب وتقرير أسس السياسة الخارجية لدول الاتحاد تصبح من اختصاص الاتحاد بموجب المادة السابعة من أحكامه الأساسية، فلا تنفرد دولة من دوله الثلاث باتخاذ موقف معين من هذه المسائل الخطيرة إلا بموافقة الدولتين الأخريين، فهل يترتب على ذلك أن تتوقف القاهرة عن مواصلة السعي إلى الحل السلمي - شاملا كان أم جزئيا - باعتبار أن الموقف المعلن لكل من شريكتيها في الاتحاد هو رفض قرار مجلس الأمن رقم 242 المتعلق بحل أزمة الشرق الأوسط بالطريق السلمي؟؟
بالإضافة إلى ذلك فإن وثيقة (إعلان قيام اتحاد الجمهوريات العربية) الذي نصت المادة 14 من الأحكام الأساسية على اعتبارها جزءا لا يتجزأ من هذه الأحكام، تنص على أنه (لا صلح مع إسرائيل ولا مفاوضات ولا تنازل عن شبر واحد من الأراضي العربية ولا مساومة على القضية الفلسطينية).
وكانت القاهرة قد ردت في شهر شباط الماضي على مذكرة الوسيط الدولي يارينغ بمذكرة جوابية أعلنت فيها قبولها الدخول في اتفاقية سلام مع إسرائيل وفق الأسس والقواعد المبينة في قرار مجلس الأمن رقم 242، فهل يصبح هذا التعهد المصري ملغى بعد قيام اتحاد الجمهوريات العربية في أول أيلول؟
إن موقفا جديدا سينشأ بعد قيام الاتحاد يجعل المضي في التحري عن حل لأزمة الصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية أكثر صعوبة وتعقيدا، إن لم يكن متعذرا، اللهم ألا اذا تحقق أحد افتراضين أو معجزتين.
الأول: أن يتم التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن إعادة فتح قناة السويس في بحر الأيام الباقية من شهر آب الجاري وقبل قيام الاتحاد بصورة فعلية. وليس في الجو الراهن ما يوحي بامكان تحقيق مثل هذا الافتراض..أو المعجزة إلا إذا تأسى نيكسون برئيسه السابق الجنرال أيزنهاور فيما فعله عام 1957م.
الثاني: أن يتوصل الرئيس السادات إلى إقناع زميليه في الاتحاد رئيسي سوريا وليبيا بضرورة الاستمرار في بذل المساعي السلمية ما دام قد حدد آخر هذا العام 1971م موعدا فاصلا بين السلم والحرب.
وهذا الافتراض أقرب إلى التحقق بحسب المعلومات المتوفرة لدى المحافل الواقفة على بواطن الأمور!!
على كل فإن قيام الاتحاد سيعزز موقف الرئيس السادات من الصراع العربي الإسرائيلي على الصعيدين السياسي والعسكري ولكن ما يعززه ويدعمه بشكل يكفل النصر العربي هو السير في تحقيق الاتفاق الذي تم بينه وبين الملك فيصل على توحيد الصف العربي وحشد سائر القوى والطاقات العربية لمجابهة العدو وتحدياته فهو الطريق الوحيد الموصل إلى تحرير الأرض واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما تقول وتؤمن به جميع الشعوب العربية ولكن من المؤسف أن قادتها عجزوا عن تحقيقه حتى الآن.
الحياة |