كان قد نشأ منذ بضعة أعوام فرع جديد للطب، عندما تعاظمت حركة السفر بالطائرات.
ولما تعاظم شأن الأسفار إلى الفضاء والفلك على متن مركبات فضائية تزداد كل يوم اتقانا، اتسع هذا الفرع الطبي وأصبح لا سبيل للطب أن يتجاهل ما سموه بالطب الفلكي.فمما لا شك فيه على ضوء الاختبار، أن الأجهزة البدنية الإنسانية إنما تتأثر وتتحسس بمظاهر لم تكن معروفة فيما مضى.
وأكثر هذه الأجهزة البدنية تحسسا إنما هو جهاز التنفس الذي سجلت الآلات الإلكترونية مختلف انطباعاته إبان تجول الآدميين في الفضاء.
ثم يليه القلب والجهاز العصبي والأوعية الدموية والعينان والأذنان. فإن جميع هذه الأجهزة تتعرض لتبدلات ينبغي للطب العصري أن يضبطها ويفهم أسبابها لكي يجد أساليب الوقاية من أضرارها.
دوار الفضاء
وبديهي أن كل إنسان إنما يتحسس بهذه العوامل حسب درجة إحساسه الشخصية، وأن عوامل الاضطراب قد تكون خاصة عوامل كيميائية، ومنها مثلا تفاوت نسبة الأوكسيجين في مختلف المناطق التي يجتازها راكب السفينة الفلكية.. ثم قد تكون عوامل فيزيائية كتفاوت درجة الضغط الجوي ونسبة درجة الحرارة بين منطقة وأخرى.
وفضلا عن هذه العوامل، فهناك الضجة والاهتزازات التي يتأثر بها كل واحد تأثرا نوعيا له علاقة بوضعه الصحي العام، فإننا نلاحظ مثل ذلك لدى ركاب الطائرات، وكم بالحري يلاحظ علماء الطب عوامل أخطر لدى ركاب السفن والمركبات الفلكية.
وكم من واحد كان يتهكم مبتسما، على الذين يصابون بدوار الطائرة! ثم كف عن التهكم حينما شعر هو نفسه بهذا الدوار عندما سافر بطائرة نفاثة واختبر على نفسه نتائج تقلب الطائرة في جيوب الجو وقت العواصف.
وخير ما شبهوا به دوار الجو أنما هو دوار البحر، وتتعرض له النساء أكثر من الرجال بنسبة خمسة أضعاف ولم يكتشف الطب حتى الآن أسباب هذه الظاهرة..
وما دامت هذه الاضطرابات لا تصيب إلا المسافرين، فليس الأمر خطيرا.. أما إذا تعرض لها الملاحون في الجو فربما نزلت بالناس كارثة، لا سيما أن الطائرات لم تزل تتضخم و(تتعملق) وأصبح كل حادث من الحوادث يفتك بمئات المسافرين.
ولذلك لا يقبض الملاح زمام الطائرة إلا بعد مرحلة تدريبية طويلة وامتحانات طبية متعددة والمقصود منها خاصة فحص الشرايين الإكليلية المتفرعة من القلب.والظاهرة الجديدة في هذا الفرع الطبي الجديد أنه قد أصبحت تنعقد مؤتمرات عالمية لتبادل المعارف الطبية بين دولة وأخرى.
وتباحث المؤتمر الأخير المنعقد بباريس في اسباب موت الملاحين السوفييت الثلاثة الذين هلكوا بيما كانوا راجعين من رحلتهم الفلكية إلى الأرض.
ويقال اليوم في الأوساط الطبية إن هذه الكارثة قد تقدمت بالطب الفلكي خطوة شاسعة.. ولا ريب أنه مؤسف جدا ومحزن أن يكون التقدم مرهونا بحوادث مفجعة مثل هذه وغيرها، ولكن أما قالوا منذ القديم (إن العلم لا ينهض إلى على جثث الرجال؟).
|