احتاج الأمر إلى مجزرتين بشعتين حتى أمكن تمرير قرار يدين إسرائيل, فالمطلوب دماء عربية كثيرة لكي يطلب العالم, مجرد طلب, من المجرم الصهيوني كف أيديه عن سحل النساء والأطفال في الأراضي الفلسطينية, لكن كان يتعين أيضاً دماء أخرى من أنحاء العالم العربي لإقناع الولايات المتحدة عدم تبرير الجرائم الصهيونية من خلال عدم استخدام الفيتو ضد قرار دولي يدين إسرائيل.
وتزامنت مع مجازر رفح مجزرة أخرى في الجوار, هناك في القائم العراقية على الحدود مع سوريا عندما تحول حفل عرس إلى مأتم بفعل القصف الأمريكي, وأعاد الحادث إلى الأذهان كيف تبرع الطائرات الأمريكية في تحويل الأفراح إلى أحزان, فقد حدث مثل ذلك في أفغانستان وابتلع أو ازدرد العالم التبريرات الأمريكية إذ لم يكن بإمكانه فعل أكثر من ذلك فلا سبيل لادانة جرائم القوة العظمى التي طالما تباهت بتقنيتها المتطورة التي يمكنها تحديد عدد ركاب سيارة من على طائرة تبعد عشرات الكيلومترات في السماء.
ومع ذلك فهم يرون ضرورة ألا يتخلى الآخرون عن حسن النية حتى في قصف حفل عرس يحضره النساء والأطفال, كما يصرون على ضرورة أن يتفهم الناس التبريرات الأمريكية وإلا فعليهم الانكفاء على أنفسهم واجترار أحزانهم.. تتزامن هذه المجازر في فلسطين والعراق مع توافق الجناة في الموقعين واتفاقهم وسعيهم كل من جانبه لتبرير جريمة الآخر, وهو ينذر بما هو أفدح, فهناك ضغوط قوية على أهل المنطقة بهذه الحملات الدموية التي لا تتوقف صباح مساء, وهناك توجه واضح لارتكاب المزيد من هذه الفظائع طالما أنه ليس هناك تصد يتفق وحجم هذه الهجمة الشرسة المزدوجة.
المجازر في فلسطين والعراق تأتي عشية القمة العربية, وهي تلقي على الزعماء والقادة العرب مسؤولية جد كبيرة, تؤكد أهمية التحرك السريع والحاسم ازاء هذه التحديات, وفي الذهن دائماً ضرورة لملمة الأطراف واستجماع المتاح من قوة لمواجهة هذا التحدي واثبات ان هناك من يهمه حقاً أمن هذه الشعوب التي تحصدها آلات الحرب في فلسطين والعراق.
لن نقول إن التحدي كبير لأنه من أوجب الواجبات أن يهب الناس لدرء العدوان, والمطلوب فقط تنظيم التصدي وإيجاد الاليات اللازمة للعمل المشترك, وفي المعطيات التي ينبغي البناء عليها أن الولايات المتحدة لم تلجأ إلى الفيتو هذه المرة للحؤول دون إدانة إسرائيل, ما يعني, ان إسرائيل تبالغ فعلاً في القمع والتنكيل بالآخرين إلى درجة لا يمكن معها مناصرتها أو حمايتها, وذلك يعني أيضا أن هناك في واشنطن من يستمع على الأقل الى ما يعبر عنه أهل المنطقة وأنه يتجاوب, وان ببطء, مع حالة الغضب.
وفي هذا السياق ظهرت مواقف متعارضة في البيت الأبيض تجاه تدمير المنازل, وبينما أدان البعض ما تقوم به إسرائيل بهذا الصدد فإن آخرين أشاروا إلى تفهمهم للمسلك الإسرائيلي, ويعكس ذلك مواقف متباينة تستوجب تحركاً فاعلاً من قِبل العرب لتعزيز المواقف التي يمكن أن تتجاوب مع الحق الفلسطيني.ولن نستغرق في التفاؤل فيما يتصل بالموقف الأمريكي من إسرائيل, فهناك سطوة اللوبي اليهودي, لكن هناك أيضاً مواقف لا تحتمل تأييد المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل خصوصاً المبالغة في استخدام القوة والإمعان في الاذلال.
|