*الرياض-محمد المناع:
أسئلة كثيرة دخلت مع هبوب ريح الإرهاب إلى العالم، وتكثفت ذات الأسئلة مع تغلغل السلوك الإرهابي لتصطلي المجتمعات المسلمة - شأن المجتمعات في كل العالم - ببعض لهيبه.
كانت علامات الاستفهام تدور تحديداً حول: هل التطرف هو نتاج عقيدة محددة أو عرق معين أو أي ظروف اجتماعية أو جغرافية أو غيرها.. أم هو سلوك تلعب فيه التركيبة النفسية والعقلية الدور الأول ليصبح النتاج تلك الآلام التي تعود على الشعوب والمجتمعات الآمنة دون ذنب اقترفته؟
ثم.. هل يكون العقل حاضراً أم غائباً لدى أولئك الذين يقومون بالسلوك الإرهابي، وهل الإقدام على مثل هذه الأعمال الدموية هو عمل عقلاني - رغم آلامه - أم هو من الطيش وتدني الوعي العقلي الذي يؤدي إلى ضبابية الرؤية لدى المتطرف؟ ثم هل تؤدي المناهج الدراسية إلى تفريخ فكر إرهابي يؤدي فيما بعد إلى ظهور السلوك العدواني المتطرف كما زعمت بعض الآراء أم أن هذه المناهج بريئة مما يصمها به معارضوها والمطالبون سراً أو جهراً بتغييرها.
ضمن هذه الأسطر سنسلِّط الضوء على بعض الرؤى التي تنافش الأسئلة السابقة، حيث نستجلي ما رأته بعض الأقلام حول هذه الظاهرة التي لا تقود إلا إلى هلاك السائرين في دروبها مهما طال بهم الزمن ومهما تخفوا وهربوا من أيدي العدالة.
في البدء يرى عائض بن سعد الدوسري أن التطرف ليس حكراً على دين بعينه ولا على فكرة أو مذهب، فالتطرف والغلو موجود في كل مجتمع ودين، فهناك التطرف اليهودي، والمسيحي، والتطرف الشيوعي، والتطرف العلماني، والتطرف القومي.. وهكذا في كل أمة تطرف.
ويواصل الدوسري: نود أن نبيِّن أن الدين الإسلامي نفسه لا يتحمل مسؤولية التطرف أو المتطرفين، لأن التطرف ليس نابعاً من ذات الدين وتعاليمه، بل هو نابع من خلل عند المتطرف، وحقيقة التطرف معاكسة لحقيقة الدين الإسلامي، إذ الشخص المتطرف لا يقبل الوسطية ولا الاعتدال، فهو دائماً يشط ويحيف نحو الأطراف سواء كانت لليمين أو لليسار، فالتحيز نحو الطرف القصي طبيعة مركوزة في نفسيته وعقليته، وأهم خصيصة للتدين الصحيح هي الوسطية.
إن من يتأمل شخصية ذلك المتطرف يجد خللاً واضحاً عنده في طريقة التفكير وطريقة التحليل وطريق العمل والأداء، وكل ذلك راجع إلى خلل نفسي أو عقلي نتيجة ترسبات اجتماعية أو اقتصادية أو شخصية، والتطرف ليس نتاج قراءات دينية أو اجتهادات فكرية تمخضت في النهاية عن أطروحة الغلو والتطرف! كلا.. بل هو في المقام الأول نتاج أزمة نفسية اجتماعية عقلية، حرفت الشخص عن طريق التوسط والاعتدال إلى طريق الغلو والتطرف والتشدد والتعنت. فالمتطرف لا يرضى بالوسطية، ولا يحس بالأنس وعدم الوحشة إلا في الزوايا المتطرفة الضيقة، وهذا يدل على أن المتطرف يعاني من خلل نفسي وعقلي يمس شخصيته الذاتية! ويستنتج الدوسري أن الشخص المتطرف شخصية مريضة قد ساهم في مرضها أسباب كثيرة، وإذا كان التطرف الديني ينشأ في كثير من الأحيان عن اختلال في المزاج العقلي واختلاط في النفس، فإن هذا التطرف يقود بدوره إلى ممارسة العنف والإرهاب، إذ ذلك هو الثمرة المرة من التطرف. وللكاتب الصحفي عبد الله بن سالم الحميد رؤية أخرى يقول فيها: كاد الخبراء والمحلِّلون والمنظِّرون والعقلاء أن يجمعوا على أن أولئك الإرهابيين الذين ينشرون الذعر والقلق، والتفجير والغدر، والعنف، وسفك الدماء، وتخريب العمران، وهتك حرمة الإنسان وإهدار كرامته.. إنما يرتكبون تلك الأعمال الإرهابية دون تفكير إلا في التخريب.. ودون عقل يحكم تصرفاتهم!! وإنني أتساءل بعد ذلك الاعتقاد: لماذا؟ وما هي المكاسب والنتائج؟ وكيف؟! ويتساءل معي الكثيرون.. وهم يطرحون أشتاتاً من المبررات التي ينطلق منها أولئك (المفسدون في الأرض) بأنهم - على الرغم من اختلاف توجهاتهم - إلى تحقيق (الديموقراطية) ونشر العدالة والمساواة حسب مزاعهم.. والزعم - كما هو معلوم - مطية الكذب!! إنهم يحاولون القضاء على جذور (البيروقراطية) لتيسير رغباهم وطموحاتهم وتلك الطموحات والآمال في حاجة إلى ألوان من التضحية والفداء كما يعتقدون!! ثم ما هي النتيجة التي خلفها العنف بصوره الإرهابية؟! لا بد أن تتخذ إجراءات أمنية - واحتياطات مسكونة باليقظة والحذر.. تتداخل معها وخلالها اعتبارات الدقة والحزم التي قد تصل في تراكمها إلى حالات التعقيد وتراكمات البيروقراطية التي يزعم (المخربون) أن من أهدافهم التخلص منها بأساليبهم الإجرامية الفجة!! إن من الأساليب الحضارية الراقية: الجدل والحوار وطرح الآراء والقناعات.. فلماذا لا يجنح (الإرهابيون) إلى تمثل هذه الأساليب بدلاً من توجههم إلى العمليات الانتحارية التي تفتك بالأبرياء.. ويذهبون - هم ضحية التهور والعنف والفساد؟! وبعد تحقيق أغراضهم الإفسادية التخريبية.. يتساءل العقلاء: ماذا استفاد هؤلاء الحمقى من زعزعة الأمن وغرس الذعر والخوف في النفوس الآمنة المطمئنة؟! وماذا يستفيدون مستقبلاً سوى السلبية واللعنة والسقوط؟! وبعد وصول أولئك (المفسدين) إلى نجاح عملياتهم الإرهابية التي تدل على التخطيط والإصرار والترصد المنبثقة من النية السيئة وتراكم الحقد والإجرام المتمكنين من نفوسهم.. وتعمد التنفيذ للجريمة المنظمة.. نتساءل كيف تنطلق هذه الأعمال من عقول مدبرة لهذه الجريمة التدميرية الخطيرة؟! وبالمقابل يستغرب العقلاء اندفاع أولئك الحمقى إلى قتل نفوسهم لتحقيق رغبة زعمائهم الإرهابيين وإرضاء معتقدهم الخاطئ المسكون بالغباء!!.
أما الشيخ عبد الله الصالح العثيمين فيرد على من يحاولون إلصاق أسباب الإرهاب بالمناهج الدراسية، ويقول في هذا الصدد إن تحميل كتب المناهج مسؤولية الوقوع في الفكر المنحرف يستوجب مراعاة أمور منها:
1 - أن من يقرأ كتب هذه المناهج قراءة واعية، ويتدبَّر ما فيها تدبُّراًَ متأنياً سيجد أن ما اتهمها به البعض ليس مبنياً على أسس صحيحة في مجملها.
2 - إن من مظاهر الفكر المتحدَّث عنه قيام أصحابه بأعمال موجهة ضد وليِّ الأمر بشكل واضح لأنها تتعارض مع رغبته وأوامره. وما ورد في كتب المناهج الوطنية يوجب لزوم السمع والطاعة لوليِّ الأمر ما لم يأمر بمعصية.
3 - أن خريجي مدارس وطننا الذين تعلموا وفق الكتب المقررة منذ عقود هم الذين تعتمد عليهم - بعد الله - مسيرة التنمية بمختلف وجوهها. ولو كان ما في هذه الكتب هو المسؤول عن الوقوع في الفكر المتحدَّث عنه لكان أكثرهم ممن وقعوا فيه.
4 - أن كتب مناهج التعليم في كل بلاد العالم ليست وحدها المؤثِّرة في صياغة الفكر، وبخاصة ذو الصبغة السياسية، وإلا لما تعدّدت الأحزاب في الأقطار التي تجيز تعددها مع أن كل النشء يدرسون منهجاً واحداً.
5 - أن الفكر المتحدَّث عنه ليس مما لا يوجد له مثيل أو شبيه في بلدان إسلامية وغير إسلامية. والواقعون في مثل ذلك الفكر أو شبهه، مسلمين أو غير مسلمين، لم يدرسوا الكتب المقررة في وطننا العزيز.
6 - أن مرحلة المراهقة من أكثر مراحل العمر تأثراً بالأفكار، وقبل عقود كان من المراهقين في وطننا من يبذلون كل ما يستطيعون ليحصلوا على كتب غير الكتب المقررة لقراءتها. ومن المرجح جداً أن تأثرهم بها كان لا يقل عن تأثرهم بالكتب المقررة إن لم يزد عليه، وفي هذه الأيام وصلت وسائل الاتصال إلى ما وصلت إليه من تقدم، وأصبح تأثر المراهقين بما تهيئه هذه الوسائل من آراء وأفكار أكثر إمكانية من ذي قبل.
|