* الجزيرة - خاص:
يتستّر أصحاب الأفكار المنحرفة والمتطرفة التي ظهرت في السنوات الأخيرة من المحسوبين على الإسلام ، خلف نصوص من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المطهرة ، أساءوا فهمها أو تأويلها ، وأنزلوها على غير مواضعها ، فأساءوا للإسلام والمسلمين ، وأشعلوا حرباً شعواء ضد العقيدة السمحة.. وإذا كان القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة الموثقة ، يكشف تلقائياً جهل أصحاب هذه الأفكار من المتطرفين والإرهابيين ، وسوء مقصدهم ، ويبقى السؤال حول دور علماء السُّنَّة والسيرة النبوية في مجابهة مثل هذه الأفكار ، وبيان مخالفتها لنصوص الهدي النبوي قولاً وفعلاً.
(الجزيرة) طرحت هذا السؤال على عددٍ من علماء السُّنَّة والسيرة في داخل المملكة وخارجها ، الذين شاركوا في الندوة الدولية التي عقدت في رحاب طيبة الطيبة بعنوان : (عناية المملكة العربية السعودية بالسُّنَّة والسيرة النبوية ) ، وكان هذا الاستطلاع.
ظاهرة التطرف والغلو
في البداية يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس المركز الدولي لدراسات السُّنَّة والسيرة النبوية عضو مجمع البحوث الإسلامية ، رئيس جامعة الأزهر في مصر سابقاً أن لعلماء السُّنَّة والسيرة النبوية المشرفة دوراً مهماً في مناهضة مثل هذا الانحراف الفكري ، وتصحيح المفاهيم التي حاول البعض أن يصوغ منها ، أو أن ينطلق منها إلى ظاهرة العنف ، التشدد ، التطرف ، الإرهاب ، ومن العجب أن تستخدم بعض الأحاديث للأسف في ترويج أو تبرير هذا الانحراف ، وبعضها هذا غالباً من الأحاديث الموضوعة ، أو المكذوبة ، أو الضعيفة وتوظف في تبرير بعض هذه الظواهر السيئة ، والبعض الآخر يحاول أن يفهم النص النبوي ، والحديث على غير ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأراده محاولاً أيضاً أن يبرر لنفسه ما يأتيه من سلوكيات الغلو ، أو التكفير ، أو التفسيق ، أو الحكم على الآخرين بالبدعة ، أو أن يبرر لنفسه العدوان ، والقتل ، الإرهاب ، التدمير ، التخريب ، وهذا كله باطل في باطل ، وواجب علماء السُّنَّة أن يبينوا الحقيقة فلا يؤخذ عن هؤلاء العلم ، ولا يصح لهم أن يأخذوه عن غير المتخصصين في علم الحديث ، حتى لا يضلوا ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين هذه الظاهرة حين وضح في حديثه الشريف إن العلم لا يقبض بقبض العلم ، ولكن يقبض بقبض العلماء حتى إذا لم يجد الناس عالماً اتخذوا رؤوساً جُهالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ونص الحديث (إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الصدور ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يجدوا عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
ويضيف د. عمر هاشم : إن الذين يفتون بغير علم يضلون ، ويُضلون ويبررون لأنفسهم مثل هذه الظواهر الإرهابية ويجب أن يتصدى لهم العلماء المتخصصون في السُّنَّة ، كما أن الأمر واجب أيضاً على علماء الإسلام في كل الأرض لمحاصرة ظاهرة التطرف والغلو والإرهاب ، تلك الظاهرة التي لو تركت أوردت الأمة موارد الهلاك ، فيجب على علماء الإسلام في كل العالم أن يتعاونوا ، وأن تتضافر قواهم ، وأفكارهم ، ولقاءاتهم لتصفية جيوب الإرهاب في كل مكان ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين ذلك ، وبين أن هذا الدين يسر ، وبين أن واجب العلماء أن ييسروا ، فقال في الحديث الشريف: (يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) ، ومن هنا كان واجب علماء الأمة الإسلامية أن يتعاونوا ، وحبذا لو كان هذا التعاون في صورة منظمة ، وعلى هيئة تجمع علماء الأمة جمعاء في مؤتمر يضمهم لشرح أبعاد هذه الظاهرة ، ومناهضتها ، ومقاومتها لأنها تورد الأمة موارد الهلاك ، هذا واجب علماء الإسلام في كل أنحاء العالم ، وإذا قلنا في كل أنحاء العالم فمن أول الدول ، والبلاد التي يجب أن يطهرها علماؤها من هذا الانحراف الفكري هي بلاد الحرمين الشريفين التي أكرمها الله سبحانه وتعالى فكانت منزل الوحي ومهبط الملائكة ، ووطن الكعبة المشرفة ، ومثوى رسول الله - صلى الله عليه وصلم - ، ومنها انطلقت أشعة النور إلى العالم كله ، وفيها عاش الصحابة ، والتابعون ، فلا يليق أبداً بوطن كهذا الوطن الحبيب الذي تهوى إليه الأفئدة ، الذي تتعلق به قلوب الموحدين في كل الأرض ، لا يليق أبداً أن يقع على أرضه مثل هذه الظاهرة ، ظاهرة الإرهاب التي لا تظهر إلا في البيئات العشوائية ، ولا عشوائية هنا حيث لا تنتشر البطالة ، ولا بطالة هاهنا إلا حيث لا تطبق تعاليم الإسلام وهنا تطبق الشريعة الإسلامية ، فما العذر وما الداعي لمثل هذه الظاهرة إلا أن يكون ذلك تسلطاً من هيئات معادية تريد الإفساد في الأرض ، { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }.
دين التسامح
من جانبه يقول الدكتور حسن عزوزي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة في جامعة القرويين بفاس في المغرب : لا شك أن علماء السُّنَّة يتعاظم دورهم اليوم أكثر من أي وقت مضى فنحن عندما نتحدث عن حالات العنف ، والتطرف التي تحدث هنا ، أو هناك في البلاد العربية أو الإسلامية ، أو غيرها نجد أن دور العلماء عموماً ، وعلماء السُّنَّة خصوصاً يبدوا أكثر إلحاحاً اليوم نظراً لكون السُّنَّة النبوية الشريفة تزخر بكثير من التوجيهات والإرشادات النبوية السامية التي تدل على التسامح والوسطية ، ونبذ العنف والتطرف والغلو، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أكد في كثير من المناسبات على أن الإسلام دين التسامح ، وعلى أن الإسلام لا يسمح بأي شيء من حالات العنف ، والتطرف فيقول - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لم يبعثني معنفا) ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حذر صحابته بقوله (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين) ، وهو أيضاً - صلى الله عليه وسلم - القائل: (بشّروا ولا تنفّروا) ، (يسروا و لا تعسروا) ، فهذه الأحاديث كلها وغيرها تدل على أن علماء السُّنَّة المهتمين بالسُّنَّة النبوية الشريفة والسيرة هم أولى من يبين هذه التوجيهات ، وأولى من يبين هذه الإرشادات ، نظراً لكون السُّنَّة النبوية وسيرة رسول - صلى الله عليه وسلم - تشرح بصورة لا لبس فيها ، كيف أن رسول الله تسامح مع أهل الكتاب فما بالكم بتسامحه مع صحابته ومع المسلمين بصفة عامة.
ويضيف د. عزوزي : وبالنسبة لموقف علماء الأمة مما يحدث من حالات العنف والتطرف ، لاشك أن دور هؤلاء العلماء مهم جداً للبيان ، والتوضيح والإرشاد ، ويمكن لهم أن يحققوا الشيء الكثير ، فمن المعلوم أن بعض شبابنا المسلم يغلب عليه أحياناً الاندفاع ، الانفعال ، والحماس وكثير ما يضلل من طرف بعض التيارات المنحرفة ذات الفكر الضال ، وبالتالي فإن دور علماء الأمة هو أن يوضحوا لهؤلاء الشباب كيف أن الإسلام بعيد كل البعد عما يعتقدونه ، وعما يفهمونه عن موقف الإسلام من تلك الأحداث ، وعلماء الأمة أيضاً لهم دور كبير في أن يكرسوا و يعززوا مفهوم الوسطية التي وصف بها القرآن أمة الإسلام ، والله سبحانه وتعالى يقول:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } (143) سورة البقرة .. هذه الوسطية التي أوصى القرآن الكريم ، والتي مارسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحوجنا اليوم لكي نبينها لشبابنا المتحمس الذي قد يضل الطريق إذا ما تأثر بالأفكار الهدامة والمنحرفة والضالة التي يتبناها للأسف الشديد بعض المحسوبين على الأمة ، وبالتالي فدور علماء الأمة هو أن نحاول ما أمكن أن نرسخ مبدأ الوسطية في كل شيء ، الوسطية في الأحكام ، الوسطية في تعاملنا مع غيرنا ، ولاشك أن الوسطية التي هي نبذ للتطرف يميناً ، أو يساراً ستحقق - بإذن الله - الشيء الكثير لأبناء هذه الأمة.
الأفكار المنحرفة
أما الدكتور محمد بن محمد العواجي عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين وكيل عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فيقول : في الحقيقة الإسلام يتعرض منذ بزوغ فجر التاريخ لهجمات شرسة ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - منذ أن أرسله الله - عز وجل - اُتهم بالجنون ، واُتهم بالسحر ، اُتهم بأشياء كثيرة في المرحلة المكية ، من رجالات قريش الذين كذبوه ، ولكن الله - عز وجل - عصمه { وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (67) سورة المائدة ، ولما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجد من يهود بنو قينقاع وقريظة ، وبني النضير ما هو أشد ، لكن الله - عز وجل - أيضاً نجاه ممن أرادوا طمس نور الإسلام والله - عز وجل - متم نوره ، ولو كره الكافرون ، ولو كره المشركون . لكن مما يندى له الجبين ، ويحترق له القلب أنه ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأفكار المنحرفة تلقفها شباب يتكلمون بألسنتنا ، وهذه الأفكار المنحرفة لم يتلقوها عن علماء ربانيين ، وإنما تلقوها عن علماء لا خلاق لهم ، ولا حظ لهم في العلم ، وعندنا ولله الحمد والمنة في هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية علماء أجلاء في هيئة كبار العلماء وهم أهل الحل ، الذين كان يجب الرجوع إليهم ليأخذوا الفتاوى منهم ، وليس هذه الفتاوى التي تلقفوها ، والتي يقتلون بها الأبرياء ، والتي يستبيحون بموجبها دماء المسلمين ، فهذه فتوى لا يجيزها ولا يقرها الشرع ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما هو معلوم نهى عن قتل الصبيان ، وقتل النساء ، وقتل الشيوخ في حروبه ، وغزواته ، وفي سراياه ، فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينهي عن قتل الكفار من النساء والصبيان والأطفال والشيوخ وهم كفار فكيف بهؤلاء يستحلون دم الإنسان المسلم المعصوم ؟؟ ، فالإنسان يكون نائماً في بيته وفجأة يقتل ابنه أو أخاه ، وهذه من الأمور التي لا يقرها الإسلام ، فالإسلام دين الوسطية والعدالة والحرية ، ليس فيه تطرف ، ليس فيه رهبانية ، والله -عز وجل - يقول:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } (143) سورة البقرة ، فهؤلاء الذين لا خلاق لهم أوقعوا أنفسهم في نار جهنم من حيث لا يشعرون ، لأن النفس المسلمة المعصومة سواء كان مسلما أو مستأمنا لا يجوز قتلها بأي حال من الأحوال ، والنصوص في هذا كثيرة جداً.
ويضيف د. العواجي : أن على علماء السُّنَّة والسيرة في العالم الإسلامي دور كبير ، في إيضاح كثير من الحقائق ، وأيضاً يجب على جميع العلماء أن يربوا الأجيال على آداب وأخلاق الدين الإسلامي الصحيح ، هذا الدين الذي بلغ ، وسيبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وأن ملكي - أي النبوة - سيصل حيثما زوي لي) ، وهذا الدين الإسلامي الذي سيصل إلى مشارق الأرض ومغاربها لابد أن يُعلم الناشئة القادمة محاسن هذا الدين الإسلامي، وأنه دين الوسطية وأنه دين العدل ، وليس دين التطرف ، فالإسلام أفضل الديانات ، والدين الإسلامي ناسخ لتلك الشرائع ، وفيه كل ما يتعلق بكرامة الإنسان والمحافظة على دمه ، وعلى عرضه ، وعلى نفسه ، وعلى كل شيء حتى الحيوان ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان ينهي عن قتل الحيوان ، وقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها ، فكيف بمن يقتل الإنسان المعصوم الدم ، الإنسان الذي كرمه الله - عز وجل - { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } فإذا كان الإنسان المكرم المعزز يستباح دمه بهذه الطريقة البشعة التي نراها متمثلاً في أفكار هذه الشرذمة الباغية الطاغية فهذا شيء عجيب لا تقره جميع الديانات ، وعلى رأسها الدين الإسلامي.
الاهتمام بالسُّنَّة
من جانبه يقول الدكتور تقي الدين الندوي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمارات العربية المتحدة سابقاً : إن السُّنَّة ، وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة ميزان عادل توزن به أعمال هذه الأمة إذا كان المجتمع الإسلامي متمسكاً بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويحفظ مكانتها ، ويحفظها من الانحرافات ، والبدع ، والانحراف الفكري ، فهذا الانحراف يؤدي إلى التطرف والإرهاب في البلدان التي لم تهتم بالسُنة ، ولهذا يجب على علماء المسلمين الاهتمام بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ونشرها بالكتابة ، وكذلك في الندوات والمحاضرات لسلامة الأمة الإسلامية ، والمجتمع الإسلامي والمجتمع البشري من هذه الانحرافات ، وهذه دعوة لكل علماء المسلمين للاهتمام بنشر سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن شاء الله ينتفع بها العباد والبلاد.
تكريم العلماء أولاً
ويقول الدكتور محمد بن كيران عضو هيئة التدريس بجامعة ابن طفيل شعبة الدراسات الإسلامية بمدينة القنيطرة بالمغرب : قبل الحديث عن مسؤولية علماء السُّنَّة والسيرة في مواجهة الأفكار المنحرفة والمتطرفة ، ينبغي التطرق إلى قضية أساسية فيما يتعلق بوضع العلماء أولاً ، فالعالم وضعه الله - عز وجل - في مرتبة عليا ، ومكانه سامية فقال تعالى:{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } ، وقال تعالى:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } ، وقال تعالى:{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ } ، فرفع الله - عز وجل مكانة العلماء ، وهذا ما يجب التعامل به مع العلماء ، يجب أن ترتفع مكانتهم أولاً إلى وضعهم الذي وضعهم فيه الله - عز وجل - ليكونوا فعلاً مصدر تلقٍ ، ومصدر معرفة ، ويحوزوا من الإجلال ، والاحترام ما تكون به كلمتهم نافدة ، وكلامهم مسموع ، وتوجيهاتهم يستجاب لها ، بعدها يأتي الحديث حول مسؤولية العلماء في مواجهة هذا الانحراف ، وممارسة هذا الدور تتطلب الاتصال المباشر ، والتفاعل الحي ، والدائم مع واقع الأمة ومع متطلباتها ، وتتطلب كذلك الإشراف المستمر على الفرد في المجتمع المسلم ، بمعنى أن العالم من طبيعته ، ومن دأبه أن يكون له إشراف مستمر واتصال مستمر بالفرد ، بموجبه يشرف على تربيته ، وعلى تعديل طبيعته ، وعلى تعديل سلوكه وهكذا.
ويضيف الدكتور محمد كيران : وعلى هذا الأساس يكون دور العلماء دائماً هو التصحيح والتعديل ، والتصويب ، والإشراف على فكر الأمة ، فيعدل من هذا الفكر ، ويعدل من السلوك ، ويعدل من الأخلاق ، ومن ثم فإذا ظهرت مثل هذه الظواهر التي بدأنا نسمع بها ، وبدأت فعلاً تطعن في جسم الأمة التي عانت ، ومازلت تعاني وتزداد معاناتها يوماً بعد يوم ، فلا يبقى إلا دور العلماء بالدرجة الأولى لأجل تصحيح هذا الوضع ، ومن يكون قبلهم ؟ ومن يساويهم في التأثير في ضمير الأمة ، في عقول أبناء الأمة ؟ في الأفكار والسلوك تصحيحاً ، وتقويماً ، وتعديلاً ، أما بالنسبة لدور علماء السُّنَّة والسيرة على وجه الخصوص ، فاننا حينما نتكلم عن السُّنَّة النبوية فإننا نتكلم عن الإسلام ككل كذلك ، فما هي السيرة ؟ هي حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام من أول ميلاده عليه الصلاة والسلام - إلى يوم وفاته ، والسُّنَّة والسيرة هما كل شيء في الإسلام ، السُّنَّة هي تلك المرآة المجلية لمفاهيم الإسلام ، ولتعاليم القرآن ، وإذا أردت أن تبحث عن شيء في القرآن صعب عليك فهمه ، فإنك لن تجده إلا في السُّنَّة النبوية ، واضحاً مبيناً مجلياً إلى غير ذلك من الأمور ، وعلماء السُّنَّة هم علماء الإسلام ، والمفروض في علماء السُّنَّة أن يكونوا هم الأدرى ، والأعلم ، والأفهم لكل تعاليم الإسلام ، وإذا أنظرنا إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام - ومنهجه في الحياة فإننا نجد أنه - عليه الصلاة والسلام - كان المعلم الهادي يهدي للتي هي أقوم ، كما قال القرآن الكريم عن منهج القرآن الكريم وعن طبيعة النص القرآني الكريم فخاطب العقل ، الفكر ، والقلب.
ويستطرد د. كيران -: ويبقى محور الإسلام ، وقطبه هو تلك الكلمة الهادئة التي تتجه إلى الفكر ، وتتجه إلى العقل فتخاطبه وتريد منه الاستجابة فإن لم يستجب هذا العقل ، وإن لم يستجب هذا الفكر ، إن لم يمل القلب إلى ما تدعوه إليه فلن يكون هناك إيمان ، وإن تحقق هذا الإيمان فهو ليس بالدرجة المطلوبة ، ودور علماء السُّنَّة النبوية أن يسيروا على هدي رسول الله - عليه والصلاة والسلام - في انفاذ الكلمة الهادية ، وحينما نقول الكلمة الهادية في نفس الوقت هادية وهادئة وحين ما نقول هادية وهادئة فلا يبقى أي مجال للعنف ، لا يبقى أي مجال للإكراه ، ولا يبقى أي مجال للإرهاب أبداً إذ كل ذلك يتنافى مع طبيعة الإسلام وحقيقة الإسلام ، أيضاً شيء آخر يأباه الإسلام هو مفارقة الجماعة ، فمن أعظم مقاصد الإسلام ، ومن أول مقاصد الإسلام تكتيل الجماعة ، وتحصيل ذلك الطابع الجماعي ، والعبادات في الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج كلها تصب في مصب واحد هو تحقيق طابع الجماعة ، وتحقيق روح الجماعة ، وأي شيء يناقض هذا المبدأ وهذا المقصد فإنما يطعن في حقيقة الإسلام ، ويضاد مقاصد الإسلام.
|