* إعداد - يوسف بن ناصر البواردي:
حذر الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن محمد السدحان الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من خطورة التفريط في مسئولية المسلم عن نفسه وأهل بيته ومن يعول، وقال: إن أمر المسئولية عظيم والتفريط فيها نذير شر وفتنة، فكم انقلبت سعادة إلى شقاء، وكم تفرقت من بيوت، وكم تقطعت من أواصر بسبب التفريط في شن المسئولية.
لكل شيء سبب:
وأضاف في محاضرته التي ألقاها تحت مسمى (أسباب انحراف النساء) لقد كثرت النصوص المنوهة بشأن المسئولية، فعن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته).
وبين أن من أعظم المسؤوليات العناية بشأن الأولاد عامة والبنات خاصة ذلكم أن صلاحهن وفسادهن مربوط في الغالب بصلاح الأبوين من عدمه، ويزداد أمر المسؤولية بهن في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمنكرات وتفنن شياطين الإنس والجن في إغوائهن بشتى الوسائل والطرق.
تغيب الولي:
وأشار الشيخ السدحان إلى أنه من لوازم المسؤولية أن يعرف الولي أسباب هذا الفساد ليزداد اجتناباً لها إن كان معافى منها، وليقلع عنها ويحذرها، ويحذر منها إن كان واقعاً فيها، وإن من أعظم أسباب انحراف النساء كثرة تغيب الولي عن البيت، وبخاصة السهر خارج البيت إلى وقت متأخر بصورة معتادة، وهذا أمر قد بلي به بعض الأولياء، يخرج أحدهم من بيته عند آخر النهار، ثم لا يعرف البيت إلا آخر الليل، وتساءل فضيلته فإذا كان هذا الولي يقضي نهاره في أداء وظيفته وليله خارج الدار، فكم يبقى لبيته من الوقت؟ وماذا عن حال أهله وأولاده؟ موجهاً هذا النداء بقوله: فيا من بلي بهذا اتق الله تعالى في نفسك، اتق الله تعالى في أهل بيتك وبناتك، اتق الله تعالى في وقتك، اتق الله تعالى في صلاة الفجر.
ألم تعلم أنك بفعلك هذا تجرىء شياطين الإنس والجن على إفساد بيتك وعرضك؟ قل لي بربك: ماذا يقرأ أولادك؟ وماذا يشاهدون؟ وماذا يسمعون؟ ومع من يذهبون؟ وإلى أين يذهبون؟ كيف تعرف ذلك، وأنت بعيد عنهم ببدنك ومتابعتك؟ فاحذر من التفريط، واستشعر ما حملك الله من المسؤولية.
ومن أسباب انحراف النساء أيضاً أشار فضيلته إلى عدم اهتمام بعض النساء بأداء الصلاة في وقتها، كما وأعان الشيطان عليها عدم المتابعة والسؤال من والدها، حتى وصل الحال ببعض النساء أنها لا تصلي الفجر إلا قبيل الذهاب إلى مدرستها أو جامعتها، وبعضهن تجمع الظهر مع العصر، ولا يخفى أن التهاون في أداء الصلاة يجر صاحبه إلى أبواب الشر، فإذا ضعُف الوازع، قلت الغيرة، وأصبحت الفتاة أسيرة لشهواتها وشبهاتها.
دينه وخلقه:
ويواصل الشيخ عرض الأسباب فيقول: ومن أسباب انحراف النساء تفريط بعض الأولياء وتعجله في الموافقة على من تقدم لخطبة ابنته، دون حرص على السؤال عنه، وعن خلقه وأمانته، فكم سمع الكثير عن أسر تم عقد الزواج والترابط بينهما، ثم لا تلبث الأيام اليسيرة أو الأشهر حتى ينحل ذلك العقد، وينقلب الترابط إلى تفرق، فترجع الفتاة إلى بيت أبيها كسيرة حزينة.
مؤكداً فضيلته على نقطة مهمة، وهي أن بعض الآباء إذا تقدم الخطاب إلى ابنته أصم أذنيه، وأغمض عينيه عن كل أحد إلا عن قريب له، كائناً ما كان، صالحا أو طالحاً، تقياً أو شقياً، لا يهمه ذلك كله، وإنما همه الأول والأخير أن يكون المتقدم لابنته قريباً في النسب.
وهذا والله من الظلم والتفريط! فكيف يجعل ابنته وقفاً على قريب له، بغض النظر عن صلاحه وحسن سيرته؟ فيا أيها الولي: اتق الله تعالى في نفسك، اتق الله تعالى في ابنتك، فكم من شر وبلاء حصل بين الزوج وزوجته، وكان من أسباب ذلك جناية الوالد على ابنته في كونه اختار لها زوجاً لم يرع فيه صفات الصلاح من غيرها.
مذكراً فضيلته الآباء والأولياء، بأن يجعلوا نصب أعينهم قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
ومن أسباب انحراف النساء كذلك يذكر فضيلته عدم اهتمام بعض الآباء بالسؤال عن أمر بناته، إلا فيما يخص صحتهن ودراستهن فقط، وكأن مسؤوليته انتهت عند هذا الحد! منبهاً فضيلته بقوله: يا من كان هذا شأنه اتق الله تعالى في نفسك، واعلم أن حرصك على صحتهن ونجاحهن جزء من المسؤولية، لكن حرصك على استقامتهن وحمايتهن من أسباب الشر هو المسئولية الحقة والأمانة الكبرى في عنقك، فبادر وتفطن إلى مواضيع التقصير، وعاجل بالتخلص منها ترى من بناتك ما يشرح صدرك، وتقر به عينك فضلاً من الله ونعمة.
النساء والأسواق:
ويواصل الشيخ السدحان ليضيف سبباً مهماً من أسباب انحراف النساء وهو تساهل بعض الآباء والأولياء في ذهاب بناتهم ونسائهم إلى حفلات تتضمن أموراً تنافي الفضيلة، وتخل بالديانة، ولذا ترى بعض الأولياء لا يتردد مطلقاً عندما تطلب نساؤه من بنات وزوجات الذهاب بهن إلى أي دعوة توجه إليهن، ولم يكلف ذلك الولي نفسه بالسؤال عن طبيعة تلك الدعوة، وما سيحصل فيها.
ومن الأسباب كذلك كثرة تردد النساء على الأسواق، حتى إن بعض النساء أصبح الذهاب إلى السوق عندها أمراً ضرورياً لا تستطيع الصبر عنه، ولا الفكاك منه، حتى وصل الأمر ببعض النساء أنها تصر على الذهاب إلى السوق لأتفه الأسباب، وكان الأولى بك أيها الولي، أن تحاول جاهداً أن تخفف من ذهابهن إلى الأسواق، ما استطعت، وذلك بعدم لين الجانب دائماً، أو السماح لهن مطلقاً كلما أردن الذهاب إلى الأسواق، وكذلك قيامك بإحضار ما تستطيع مما يحتجنه من السلع التي يمكن الإتيان بها، دون الحاجة إلى ذهابهن بأنفسهن، مضيفاً بأن كثرة تردد المرأة على الأسواق يفتح عليها أبوابا من الشر، فاحذر من التفريط في ذلك، وكن أهلاً للمسؤولية، وقبل ذلك ومعه وبعده: سل ربك التوفيق والرشاد واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن بعد العسر يسرا.
المجلات الهابطة :
ومن أسباب انحراف النساء أيضا يتابع ليذكر ما يقوم به بعض الآباء والأولياء من جلب المجلات الهابطة التي تتضمن صوراً تخدش الحياء، وتظهر الفحش في صورة متنوعة، ناهيك عما تحويه من المقالات التي تفوح منها رائحة الفحش والرذيلة، مؤكداً فضيلته أن بعض الأولياء يبتلى بمطالعة تلك المجلات الهابطة، ولا يكتفي بذلك فحسب، بل يجلبها إلى بيته، ثم لا يبالي بها بعد إشباع نهمته من مطالعتها فيلقيها في ركن المنزل، فيتلقفها أبناؤه وبناته، يقلبون النظر فيها، وقد يحتفظون بها في غرفهم الخاصة، ويعيدون النظر فيها مرات وكرات، حتى يندموا على متابعة أعدادها، والتشوف إلى موعد صدورها بشغف وشوق، وحتى وصل الحال عند بعض النساء أنها تشتريها بنفسها أو توصي والدها بشرائها في حالة عدم إحضار الوالد لها من تلقاء نفسه.
محاربة الفضيلة:
ويستطرد الشيخ السدحان في ذكر أبرز أسباب انحراف النساء ليذكر سبباً مهماً، ألا وهو إدخال بث القنوات الفضائية للمنزل، وهذا الأمر من أعظم الشرور، حيث تشكك بعض القنوات في العقيدة وتنشر الرذيلة، وتحارب الفضيلة، توالي التبرج والسفور، وتعادي الحشمة والحياء، تتفنن في إظهار الفحش صوتاً وصورة، وتعجب فضيلته بقوله يا عجباً منك أيها الوالد! أبلغ منك أمر المسؤولية إلى هذا الحد؟ أين الحشمة والوقار؟ بل أين الحياء؟ أما تتقي الله تعالى في نفسك؟ ألم تعلم أن سهام الرذيلة والفحشاء تسلط على نفسك وذريتك صباح مساء؟ كيف ترضى لنفسك أن تترك زوجتك وبناتك يقلبون النظر في مشاهد بذيئة؟ مسكين أنت! بل مخدوع أنت! أين غيرتك؟أين مسؤوليتك؟ أما تخشى أن ترى عقوبة الله فيك أو في بناتك اللاتي أعنْت الشيطان على إغوائهن بإدخال تلك القنوات الفاسدة؟ ألم تعلم أن من نتائج عملك: عقوقاً من الأولاد وضياعاً للأوقات، وما لا تحمد عقباه من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء؟ فيا هداك الله، ويا رعاك الله، تفطن لهذا وبادر إلى توبة نصوح، وتخلص من ذلك، وسترى من ربك ما يسرك، ومن ذريتك ما تقر به عينك.
رقابة الهاتف:
ومن أسباب انحراف النساء عدم الرقابة على الهاتف، وبخاصة إذا كان الهاتف مشغولاً لفترات طويلة، وليس هذا من باب الاتهام، فالأصل البراءة، لكن مقام الحذر لابد منه، فقد تبتلى بعض النساء ببعض السفهاء الذين يفتنون بنات المسلمين عن طريق المكالمات الهاتفية، وقد تقع المسكينة ضحية لأولئك السفهاء الذين يفتنون في التحيّل في طريقة الكلام لإيقاع النساء في شراكهم وكم أسقطت تلك المكالمات في شراكها من بنات المسلمين؟ وكم تم الاتفاق ثم اللقاء، ثم الركوب معه أحياناً بسبب تلك المكالمات المشبوهة، وعلى ذلك فينبغي عدم الغفلة عن هذا الأمر، لأن الحرص على التفقد يحصن الفتاة ويدفع عنها الشر بإذن الله تعالى.
ويختم محاضرته بذكر أحد أسباب انحراف النساء والمتمثل في ارتداء الملابس المخلة بالحياء المبدية لبعض مفاتن المرأة، أو لأكثر جسدها، ويزيد الأمر سوءاً وشراً عدم مبالاة الولي من ذلك، وهنا يعظم الخطب، فكلما رأت الفتاة سكوت وليها عن ذلك، وعدم مبالاته بلباسها زاد تشبثاً بذلك، حتى يكون ذلك عادة لها يصعب عليها أن تنفك عنه، أو تتخلص منه، فلنحرص جميعاً ولنحذر معاشر الآباء والأزواج، فالمسؤولية جسيمة، وإذا استعان العبد بربه وبذل جهده أعانه الله وسدد أمره.
|