اغرورقت عيناي بالدموع، واحتبست الحسرات في الصدر، وأنا أتطلع عبر التلفاز إلى أبناء وبنات الشهداء من ضحايا العمليات الإرهابية من العسكريين والمدنيين، بعد أن فقدوا هؤلاء الأطفال الأبرياء آباءهم دونما ذنب اقترفوه هم أو آباؤهم، إلا إذا كان أداء الواجب وحماية الأمن ذنباً، بعض هؤلاء الأطفال مازالوا في سنوات طفولتهم الأولى، ولم تدرك عقولهم بُعْدُ حجم ما أصابهم من مصيبة بفقد والدهم، ولا يعرف سبباً لدموع أمه التي لا تجف، فتراه يلعب ويمرح مأخوذاً مشدوهاً بتلك الإضاءة المنبعثة من عدسات وكاميرات وسائل الإعلام التي راحت تنقل بعضاً من المشاعر الحزينة التي تؤكد بشاعة هذه الأعمال الإجرامية.
أعترف أنني مثل أي إنسان عادي، وأب له أبناء يحبهم ويخاف عليهم، وشعر بمرارة اليتم وحرقته بفقد الوالدين في سن مبكرة، شعرت بقلق على مستقبل هؤلاء الأطفال بعد أن فقدوا عائلهم، وفقدوا معه الأمان والحب، تراءت أمام ناظري صور مخيفة لما يمكن أن يكون عليه هؤلاء الأطفال، وما ينتظرهم من أيام مازالت ملامحها غامضة.
وبدافع من الاعتراف بفضل الشهداء، آباء هؤلاء الأطفال ممن نالوا شرف الشهادة، وهم يؤدون واجبهم في حماية الأمن، أو يساهمون في بناء مستقبل أفضل لأبناء وطننا جميعاً، كل في نطاق عمله، بدأت أفكر، كيف أخفف بعضاً من آلام ومعاناة هؤلاء الأطفال، فلا شيء يعوض فقد الأب أو الأخ، أدركت وأنا أتمالك نفسي تدريجياً أن لهؤلاء الشهداء آباءً وأمهات بعضهم وصل سناً لا يستطيع فيها أن يعمل ويكسب معاشه، فتضاعفت آلامي، وزاد إحساسي بالسخط على المجرمين الذين لم يفكروا لحظة واحدة فيما جنته أيديهم الملوثة بالدماء من آلام وأحزان لأناسٍ لا ذنب لهم.
في خضم هذا الحزن والغضب، والخوف على مستقبل هؤلاء الأطفال الصغار، والشيوخ الكبار، جاءت بوادر الأمل تباعاً، فأصحاب السمو الملكي من ولاة الأمر الذين جاءوا لمواساة عائلات الشهداء والمصابين، ومسحوا بأيديهم على رؤوس الأطفال الذين أصبحوا يتامى، أضاءوا مشاعل الأمل من جديد، ليس بعبارات المواساة والتعزية فقط، بل بقرارات تؤمّن لأبناء الضحايا وذويهم ومن يعولونهم، وتكفل لهم كرامتهم، وتقيهم من تقلبات الأيام، ومنها القرارات التي أقرها مجلس الوزراء برئاسة سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، تضمن سكناً دائماً لأسر الشهداء والمصابين، بناءً على توصية بذلك من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وتتابعت القرارات المماثلة لتطبب جراحاً، وتبدد مخاوف أرّقت عوائل هؤلاء الشهداء في التفاتة كريمة تؤكد إحساس ولاة الأمر بآلام أبناء الوطن، فلم تشغلهم معركة مواجهة هؤلاء المجرمين الذين أهدروا الدماء المعصومة، عن أداء الواجب في التعزية والمواساة قولاً وعملاً، وتوج ذلك بتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بتسمية أحد الأحياء المهمة بمدينة الرياض باسم حي الشهداء، وتسمية أسماء شوارعه بأسماء الشهداء من العسكريين والمدنيين.
وهذه اللفتات الإنسانية الكريمة، لابد أن تكون دافعاً لكل أبناء المملكة الغالية لمواساة أسر الشهداء، ضحايا العمليات الإرهابية، فأبناؤهم أبناؤنا جميعاً، حمى الله بلادنا من كل شر.
|