أصبحت أفتح التلفاز كثيراً لكني لا أطيق مشاهدته، فلم يعد فيه من الأخبار أو المناظر ما يسر، أصبح القتال ديدن هذا العالم، ولا سيما هذا الجزء منه، وأضحت الجثث والأشلاء تتناثر على قارعة الطريق وكأنها جزء من بقايا المباني، أو مخلفات الموائد، حتى تلك المخلفات فهناك من يجمعها ويحفظها لحرقها والتخلص منها، أما الأشلاء فتبقى ساعات دون أن يتقدَّم إليها من يقوم بدفنها، خوفاً من قنابل أخرى أو اتهام بالمشاركة.
كنت أبحث عن مدينة أفلاطون الفاضلة، فلم أجدها، وأبحث عن عصر عمر بن عبد العزيز فلم أر له أثراً، أبحث عن المبادئ والأخلاق في التعامل الدولي فلم أعثر لهما على مكان لدى البعض، فهل يا ترى ذهبت أحلام أفلاطون، وأنموذج عمر؟ ومن يا ترى ألغاه أو أخفاه؟ الإنسان ذاته أم مخلوق من كوكب آخر.
ذكر أحد الفلاسفة أن السعادة تتمثَّل في الوصول إلى السلطة ثم الاستمتاع بتنفيذ الغاية من خلالها، لم أدرك مقصوده من الغاية !!! فهل يا ترى تلك الغاية التي تكون على حساب الآخرين في أموالهم وأعراضهم وحتى أرواحهم؟ إن كان كذلك فتلك سعادة غير السوي وهذا مدرك بالحس والواقع في بعض الأحيان، ومن تلك الأحيان وقتنا الحاضر. هذه الفلسفة في تفسير السعادة لا تتمشى مع تلك التي رآها الإمام الشافعي حيث قال:
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
فقد ربط الشافعي السعادة بالتقوى، أي بالأخلاق الفاضلة والتي أسسها مخافة الله. والنظر إلى الأمور بمنظار إنساني بحت، ولهذا فلا يمكن لمثل من يتمنى سعادة الشافعي إلا أن يكون متمسكاً بحقوق الإنسان، والقيم والمثل العالية الرفيعة، التي تحفظ للإنسان قيمه وأخلاقه في الدول التي بها سلطة القانون والعدل، تكون هناك روادع، ومحاكم وقوانين، وعلى الجميع الالتزام بها، والقانون داخل الدولة يساوي بين الأفراد ويحق الحقوق فيسود الأمن وتعم الطمأنينة. أما في العلاقات الدولية فهناك قانون دولي، يتم تطبيقه طبقاً لرأي الأقوى وبرغبته لماذا؟ لأن القانون الدولي مختزل في مجلس الأمن الذي يحق لأحد أعضائه الدائمين إبطال حكمه حتى ولو أجمع العالم عليه، والشواهد على ذلك كثيرة، فكلنا يعلم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت قرارات تتعلَّق بالقضية الفلسطينية مثل موضوع الجدار العازل، وبأغلبية ساحقة، مما يدل على أن العالم أجمع قد أعطى حكمه في موضوع بذاته، ومع هذا فالقرار غير قابل للتنفيذ لأنه لم يصدر من مجلس الأمن، ومجلس الأمن قد أبطل حقه في اتخاذ القرار من خلال استخدام أحد أعضائه حق النقض (الفيتو).
هناك دول لم توقِّع على بعض الاتفاقيات المتعلِّقة بالعلاقات الدولية، مثل محاكمة مجرمي الحرب، أو إنتاج أسلحة الدمار الشامل ولهذا فيحق لها ما لا يحق لغيرها، وعلى غيرها أن توقِّع على هذه الاتفاقات وإلا نالت غضب العالم. وضع كهذا لا يحقق العدل. وبالتالي فإنه يخلق عالماً متفجراً قابلاً للاشتعال في غياب التوازن.
في غياب التوازن يمكن للعالم غير الأخلاقي أن يلجأ إلى وسائل شتى لبلوغ الغاية دون حياء أو خجل، وأوردت جريدة الشرق الأوسط نقلاً عن نيويورك تايمز فضيحة في مقدونيا تقول إن الحكومة اليمينية السابقة أرادت أن تصحح صورتها خارجياً فجلبت (7) مهاجرين وقتلتهم بدعوى أنهم أصوليون يخططون لتفجير سفارات، وقد افتضحت هذه المؤامرة الدنيئة بعد وصول يسار الوسط إلى السلطة، إن صحت الرواية وأتمنى أن تكون غير صحيحة فهذا مؤشر واضح على الانحطاط الخلقي على المستوى العالمي، فكيف لدولة وبصفة رسمية أن تقدم على جريمة مثل هذه، وماذا ستضيف إلى موقعها عالمياً بعمل غير أخلاقي مثل هذا، إنني أستبعد حدوث ذلك، لأن أخلاقي ومنطقي لا يمكن أن يتصوّر إقدام دولة على مثل ذلك، وأعتقد أنه لم يتم.
إننا في عالم غريب بعيد عن الأخلاق فمتى نعود إلى إنسانيتنا؟ لست أدري.
|