دعينا إلى حفلة عرس ووصلت مع أحد أقربائي إلى القاعة متأخرين قليلا وصادف وصولنا وقوف سيارة العشاء التي تتبع لأحد الفنادق الشهيرة مما زاد في حرارة سلامنا على الداعين ! ، ولم يتمالك صاحبي أن وشوش في اذني قائلا: هذا لنا؟ قلت: لمن إذن؟ ولكننا فوجئنا أننا لم نجد ذلك العشاء الموعود ، نظر إليّ صاحبي نظرة فيها تساؤل فلعل سائق الشاحنة كان قد أخطأ العنوان. تعشينا على صحون الارز ولحم الجمال؟ وبعد خروجنا تأكدنا ان السائق لم يخطئ في العنوان وإنما كان يحمل عشاء النساء!.
قال صاحبي: ما الذي قلب المعادلة بهذه السرعة (وهو مدرس رياضيات)، قبل سنوات قصيرة كان أفضل الطعام يقدم للرجال ، والآن يقدم للنساء ماذا عملنا حتى نعاقب؟
قلت له: ليس في الأمر عقاب وكلها نعمة عسى الله ألا يغيرها ، ولكن ربما تكون قسوتنا نحن الرجال في الماضي في هذا الموضوع جعل المعادلة تتغير الآن ، قال: لكننا كنا نأكل من نفس الطعام ، فقلت: لعل الصلاحيات الإدارية للمرأة داخل البيت قد تحسنت ، عارضني: بل زادت وتمادت ، ثم ألا تريد المسكينة ان ترتاح من عناء البيت بالراحة حتى في المناسبات ، نظر إلي ولم يجب وكأنه يقول: (وخير من إجابته السكوت) ولن أذكر الشطر الأول.
التفت ثانية وقال: أما تدري أنه تقدم لهن أنواع الأطعمة والحلويات على طاولات مزينة بالورد والهدايا والشموع ، وتجد اسمي العروسين مطرزة كل قوارير الماء والمناديل المعطرة وغيرها، وحتى السكاكين والشوك والفناجين قد كتبت عليها تلك الأسماء ، فهل صنعوها خصيصا لهن ؟ أما نحن المساكين فلنا صنف أو صنفان فقط. قلت له: ألم تر ان هناك صنفا جديداً قد أدخل على صالتنا وهو العصير؟ قال: بصراحة ظننته قد دخل بالخطأ، وأشرت إليهم ان هذه صالة الرجال لا صالة النساء.
حقيقة لم أملك نفسي من الضحك على حماسه ، وتذكرت ذلك القول أن اقرب وسيلة لإرضاء الرجل معدته ، فقلت: لعل المثل تغير بسبب حوادث الزمان فكان للنساء.
اقترحت عليه ان نذهب لإنجاز بعض الأعمال ما دمنا في هذا المكان ولدينا وقت كاف، قال: لن أتحرك من هنا فالمطلوب مني أن أعيد زوجتي وزوجة أخي فهو أحضرهما ، ضحكت مرة أخرى ، قلت له: أتدري متى ينتهين؟ قال: لا، قلت: الساعة الثانية قبل الفجر ، فتح فاه متعجباً ، قلت له: ابتسم فأنت في الرياض.
أوقفت سيارتي عند أحد المحلات التجارية وإذا بشخص قد شارف على الستين يحاول تشغيل سيارته الأجرة قد انهكتها عوامل الزمن ولكن بدون جدوى ولا أدري كيف يمكنها أن تسير في الشارع بجوار السيارات العادية. حاولنا مساعدته لكنه قطع علينا ذلك الأمل بقوله: لن تشتغل يا ولدي. تركها وانصرف ماشيا على قدميه فيبدو أن منزله قريب ، وبعد أن أنهينا ما جئنا من اجله ، وفي طريق الرجوع لا زلت أستمع لانتقاد صاحبي لبعض الرجال على ضعفهم أمام زوجاتهم ولا أملك ان أقاطعه لحماسه الشديد ، فإذا بصاحب تلك السيارة لا زال يمشي على قدميه بعد أن قطع أكثر من 7 كم ، أوقفت السيارة وطلبنا أن نوصله لبيته وبعد تردد ركب معنا ونحن نحس بالحسرة على عدم عرضنا لتوصيله لمنزله منذ البداية ظنا منا ان منزله قريب ، وبعد قليل دخلنا في شوارع فرعية ضيقة وانتهى بنا المطاف عند بيت شعبي كل ما حوله مظلم ، دعانا للدخول، واعتذر صاحبي، وبعد إلحاحه قبلنا الدعوة ، في المجلس مصباح واحد ضعيف ومساند قديمة ، أحسست ببرودة في أطرافي وعاد بي ذهني إلى سنوات عدة إلى الوراء ، كان يحدثنا لكنني حقيقة لم أكن أفهم شيئا فقد كنت في عالم آخر أتنقل فيه بين وضع هذا الرجل المسكين وبين صورة تلك الحلويات الفرنسية المشكلة المرصوصة على تلك الطاولات ذات الشموع ، وتلك المناديل المزخرفة التي كتب عليها اسما العروسين ، ثم تذكرت تلك النعم التي لم نقدرها، والتفتُّ إلى صاحبي وكأني أريد أن أقول له: هل ما زلت غاضباً على انقلاب تلك المعادلة ، أم أن معادلات جديدة تتشكل في ذهنك ؟ أول عبارة قالها صاحبي:
إذا كنت ذا نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم |
بعد أن خرجنا. . اختفت لغة الكلام. . وبدت لغة الشعور والأحاسيس التي فقدناها مع اننا نحتاجها كثيراً
(*) استشاري التغذية الاكلينيكية
فاكس 4355010 تحويلة 386 |