لوح لي أهل البحر الشرقي، بمنبر الحكاية، وأعطوني أمسية لنتداول بها الحكايات والقصص، فانحدرت من هضاب نجد.. أحاول أن أتهجى أبجدية المحار وقناديل البحر.
وكنت ليلة الأمسية القصصية أتراوح بين مزاجين مزاج الصحراء الغامض ومزاج البحر المبتهج دوماً، وبينهما فضاء مشغول بلؤلؤ الكلمات.
فعندما وجهت لي جمعية الثقافة والفنون الدعوة إلى هناك أشفقت على قصصي من هيبة المنبر، والمنبر المثقل بهيبة التاريخ ووصاياه، المزركش بإرث ثقيل من الصرامة والعبوس، المنبر الذي كان يهدر بالخطب التي تسير الجيوش ويسن القوانين، ويشرع البوابات.. ويرسم خرائط الدولة الأولى.
المادة التي نسجت منها قصصي وحكاياتي تنكمش من قسوة المنبر وهيبته، فحاولت مراراً أن أتراجع واستبدلها ببعض المقالات النقدية أو التحليلات الواقعية التي قد تتواءم مع شروط المنبر.. لكن الأخوات في الساحل الشرقي أحاطنني بطوق من علامات الاستفام؟؟
(أمسية قصصية، تعني أن هناك قصة بداية ونهاية وحبكة مثقلة بالشجن والصبابات، وخيوط سرد تلتقط انتباهنا وتطوحنا بين الأبطال والأحداث) وفي اجتماع طارئ للغاية صففت قصصي أمامي وسألتهن من منكن لها القدرة على مكابدة كيد المنبر، ومنازلة شروطه؟؟ الغالبية توارت خجلاً خلف السياق والسرد والبقية التي كان لها قلب جسور صحبتها وإياي باتجاه البحر الشرقي محاولين أن ننسج بين مزاج الصحراء وفضاء البحر نسيجاً مشغولاً بلؤلؤ الكلمات.
فكانت أمسية عجيبة لها خصائص البحر وهواجسه، وكانت هناك شريفة الشملان (امرأة الماء والغيم) تشرف على كل صغيرة وكبيرة وتشعل قناديل الأمسية الواحد إثر الآخر، كانت هناك مؤسسة اليوم الصحفية التي أفسحت لنا مكاناً رائعاً نتداول به الحكايات، وكان هناك الحضور الكبير الرائع لأهل الساحل الشرقي، الذين دثروني بأردية البحر ونجومه وقناديله في ليلة بحرية.. نادرة.
|