كأني بها تبكي بصمت.. تلملم الذكريات ، ودموع الحزن تحرق الفؤاد ، وسؤال حائر بين ثناياه ، أمثل هذا يُبكى بصمت؟!...
تجيبها سلمى : الصمت أبلغ من صياحي.. ولكننا سيان في المُصاب.. آه يا أجا من يومٍ يفقد فيه العزيز ، فلم يكن ابناً فحسب ، ولم يكن سحابة عابرة في ذاكرة أيامنا ، هو حلمٌ تحقق ، صوتٌ جلجل بإعجاب وصفق... نعم لمثله تدمع العين ، ولفراقه يتوشح بالسواد كل حجر وطين..
فقد جند قلمه سنين طوالا في حب حائل ، ولم تغب عنه حتى في أحلك الفترات ، ويكفيها معناً للوفاء ، أن آخر أمنياته أن يُدفن في أرضها ، وأجزم ان الأرض كانت أشد شوقاً وحباً إليه.
كما كنت أتمنى أن ألتقي به ، ودائماً ما أحدث نفسي بساعة اللقاء ، ولكن الله تعالى قضى أمره.. لكني أعزي نفسي بصورته التي رسمتها في مخيلتي لرجل طريقه الإبداع والتميز ، فحبه تميز ، وقوله تميز ، وكل ما يبدر منه يصيبني بنوبة من الإعجاب.
اتفق الناس على حبه ، وتواترت الأخبار عن دماثة خلقه ، ولم يكن أبناء حائل هم المُغرمون بحب هذا الرجل فحسب ، بل كل من التقيت بهم خارج حائل، ولهم صلة به كانوا يروون أحلى المواقف لهم معه.
وقد كان رمزاً من رموز حائل في عالم الصحافة والإبداع ، حتى ضُرب به المثل ، وأتذكر اليوم الذي قررت فيه أن أطرق باب الصحافة ، فحين ذهبت أحمل أوراقي التي كتبتها بقلم الرصاص لأول مقالة (لم يتجاوز سني وقتها الحادية عشرة من العمر) ، وطرقت باب مكتب أحد الصحف في حائل ، ردني ذلك البيروقراطي وهو يقول بلهجة مألوفة (عاوز تنشر مقال ، روّح يا بني راقع دروسك أحسن لك) ، وفي لحظتها تشتت ذهني ولملمت أفكاري كما لملمت أوراقي التي بعثرها ذلك المتعاقد مع الصحيفة ، وقررت التحدي ، وكلما تحدثت مع أحد من أقاربي عن قصتي مع ذلك المتعاقد قال لي بالعامية الحائلية (والله لو أنك فهد العريفي) ، ومن حينها وأنا أطمح أن أقابل هذا الرجل لكي أروي له قصتي ، وأبدي له إعجابي به ، ولكن ها أنتم سمعتم قصتي ، ولم يسمعها.
رحمه الله ، وأسكنه فسيح جناته،،،،
المعيد في قسم التاريخ والحضارة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - والمحرر في جريدة الجزيرة سابقاً |