متى لاحظ الوالدون ان ابنهم غير مواظب على الدراسة مواظبة سائر رفاقه أسرعوا إلى هذا القول الشائع: ابننا كسول بليد، ولو أراد لكان يتفوق عليهم لكنه لايريد!
فإن الإرادة هي المسؤولة حسب هذا الاعتقاد وبديهي غني عن البيان ان (ابننا يستحيل ان يكون قليل الذكاء أو الذاكرة فهو شعلة ذكاء.. ولكن مع الأسف لا هم له سوى اللعب والطيش. ظلت هذه العقيدة شائعة مدة قرون حتى لدى خبراء التربية.
ولما حاول جان جاك روسو ان يثبت خطأها لم يلتفت إلى نظرياته ألا القليل من الناس.
والحال ان علم النفس الحديث نقض هذه العقيدة اثر الاكتشافات الطبية، وكف عن تصنيف الأولاد في فئتين: فئة المجتهدين وفئة البليدين فإنهم بحسب هذا التصنيف كانوا يزعمون انه لا فرق في تركيب الدماغ بين ولد وآخر.
وموطن الضعف في تلك النظرية أصبح معروفا على ضوء الطب.
فإن الإرادة نفسها مرهونة بصيغة الدماغ وبالتوازن الهرموني في البدن بل حتى بالدورة الدموية وصحة جهاز الهضم!
وكذلك لم يكونوا فيما مضى يعرفون اثر الوراثة معرفة علمية، مع ان اثرها بات ثابتا في الطب العصري.
والثابت اليوم ان الولد المواظب والنجيب، كما نقول، ليس حتما أذكى من رفيقه الكسول والبليد.
فإنما الكسل من الوجه العلمي ليس سوى عدم انتباه، فهو عجز الولد عن تركيز انتباهه على شيء معين مدة طويلة وقد يكون النبيه خاليا من ذكاء حاد، وقد يكون الخامل الكسول أذكى من النار!
كيف يمكن مثلا ان يواظب تلميذ صغير على الوظائف المدرسية إذا كان في جوفه على غير علم من أحد، مجرد دودة شريطية أو دودة وحيدة؟...
ولابد للأهل ان يعرفوا ان مجرد إمساك في أمعاء طفلهم إنما يصرفه عن الانتباه للدراسة إلى الانتهاء بشيء آخر ينسيه انزعاجه الداخلي.
قالت إحدى المعلمات ذات يوم لإحدى الأمهات:
- ان بنتك (البالغة من العمر عشرة أعوام) جنية الصف! وهي سبب الشغب والاضطراب في المدرسة.
ولكنه اتفق ان عاينها الطبيب بمناسبة الفحص النظامي في منتصف السنة المدرسية. فأثبت سريعا بواسطة تحليل الدم ان جهازها الهرموني مختل تمام الاختلال فإن بعض غددها الصماء كانت متضخمة تفرز من الهرمونات أكثر من العصارات العادية النظامية فعالجها مدة ثلاثة أسابيع ولما رجعت الطفلة إلى المدرسة ظلت منفردة بالمرتبة الأولى حتى صف البكالوريا.
ومثل هذا كثير في المدارس بحيث ان المعلمين في فرنسا أصبحوا يخضعون التلاميذ من حين إلى آخر لهذا الامتحان العملي ابتغاء معرفة حقيقة أطباعهم: يطلبون من عدة تلامذة أن يمحوا حرفا معينا من حروف نص معين فيطلبون منهم مثلا ان يضعوا إشارة على كل حرف (باء) في النص المعروض عليهم ويدوم الامتحان خمس دقائق ويجري الامتحان بحضور المعلم في المرحلة الاولى. ثم في مرحلة ثانية مماثلة للأولى يطلبون من التلامذة ان يضعوا إشارة على حرف آخر كحرف الجيم ويتغيبون عمدا في هذا الامتحان الثاني.
وبعد انتهاء خمس دقائق يقارنون بين الامتحانين لكي يتبينوا الفرق بين الامتحان (المراقب) والامتحان (الحر).
ولايجزمون بالكسل إلا إذا كان الفرق شاسعا بين المرحلتين أما إذا لم يكن بينهما فرق يذكر، وكانت الأخطاء متساوية لدى أحد التلامذة، فيستنتجون أنه ليس بالولد الكسول ولكنه ولد عاجز عن تركيز انتباهه نظرا لسبب خفي.
ولاريب انه يتسنى إكثار مثل هذه الامتحانات لمعرفة حقيقة أحوال الطفل البدنية والنفسية وإنما تدل الخبرة اننا نرشق الطفل بالكسل في أحيان كثيرة بينما كان ينبغي ان نحيله إلى الطبيب.
من كلمات الأطفال العجيبة
- كانت الأسرة كلها مهتمة بسمير بمناسبة ذكرى ميلاده السادسة.
فسأل أمه: ماذا أفعل لكي أكون رجلا صالحا؟ فأجابته أمه انه ينبغي له ان يأتي اعمالا حسنة كثيرة فقال الطفل: سأسوق إلى السجن كل اللصوص. فأجابه أخوه البالغ من العمر خمسة أعوام: ولكنك لن تكون يومئذ رجلا صالحا.. بل تكون رجلا من رجال الشرطة!
- النهار قصير في فصل الشتاء ويجب على طوني (خمسة أعوام) ان يذهب إلى الفراش.
ولم يكد يضطجع على سريره حتى أخذ يبكي.. فسألته أمه عن السبب فقال: إني لا أحب (لون الليل)..
|