في مثل هذا اليوم 30 ربيع الأول من عام 450 هـ، توفي الفقيه الشافعي علي بن محمد البصري الماوردي (المشهور بالماوردي)، صاحب كتاب (أدب الدنيا) وكتاب (الدين والأحكام) وكتاب (الأحكام السلطانية) ومؤلفات وأدبيات كثيرة.
وقد عاصر الماوردي تدهور أحوال الخلافة العباسية في أخريات أيامها بعدما ضعف الخلفاء واستبد بهم المماليك والوزراء، ولم يجد حكام الأقاليم غضاضة في أن يستقلوا عن هذا الخليفة كليا، أو أن يبقوا على رابطة الاسم فقط بينهم وبين تلك الخلافة الضعيفة.
وعاصر خليفتين من أطول الخلفاء بقاء في الحكم: الخليفة العباسي القادر بالله، ومن بعده ابنه القائم بأمر الله الذي وصل الضعف به مبلغه حتى إنه قد خُطب في عهده للخليفة الفاطمي على منابر بغداد.
المولد والنشأة:
ولد علي بن محمد البصري الماوردي في البصرة عام 364 هجرية، لأب يعمل ببيع ماء الورد فنسب إليه فقيل (الماوردي).
ارتحل به أبوه إلى بغداد، وبها سمع الحديث، ثم لازم واستمع إلى أبي حامد الإسفراييني.
ولما تشرب وتضلّع من العلم تصدّى للتدريس، مرة ببغداد وأخرى بالبصرة.. ثم استقر به المقام ببغداد، فدرّس الحديث وتفسير القرآن، وألف بها كتبه.
وفي سنة 429هـ تلقب بأقضى القضاة، وكانت مرتبته أدنى من قاضي القضاة، ثم بعد ذلك تولى منصب قاضي القضاة.
كان الماوردي ديّنا، وله علاقة طيبة مع الخليفة العباسي ورجال الدولة في زمانه.. وكان الخليفة يثق به، ويجعله سفيراً ووسيطاً بينه وبين بني بويه، وبينه وبين حكام دولة السلاجقة.
ولقد كان لقربه واتصاله برجال السلطة - فضلاً عن ثقافته العالية - أكبر الأثر في اتجاهه للكتابة فيما يسمى الآن (الفقه السياسي).
ومن كتبه في هذا المجال: أدب الدنيا والدين، الأحكام السلطانية، قانون الوزارة.. ومن كتبه الأخرى: سياسة أعلام النبوة، الحاوي في الفقه، تفسير القرآن (النكت والعيون)، كتاب الأمثال، معرفة الفضائل وغيرها.
نهجه في التفسير:
يعد تفسير الماوردي (النكت والعيون) من أوجز التفاسير التي عنيت باللغة والأدب، ونقل فيه الآراء التفسيرية السابقة له، ولم يقتصر على نقلها بل نقدها.
والتفسير يندرج تحت مدرسة التفسير بالرأي، حيث أعمل الماوردي جهده ورأيه في شرح وتفسير الآيات، نافياً أن يكون فعله مما يعدّ تفسيرا بالهوى والرأي المنهي عنه.
وقد نال تفسيره هذا عناية المفسرين المتأخرين عنه ونقلوا عنه، كابن الجوزي في (زاد المسير)، والقرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن).
ملامح كتبه (السياسية):
كتاب (أدب الدنيا والدين) من أهم كتب الماوردي كتاب (أدب الدنيا والدين) الذي تناول فيه موضوعات أخلاقية ووعظية وإرشادية وفضائل دينية تناولا عملياً لا نظرياً.
والكتاب يشتمل على ملاحظات قيمة وأفكار وخطط وبرامج إصلاحية خلقياً واجتماعياً وسياسياً وتعليمياً، سواء كان ذلك للفرد أم المجتمع.
الأحكام السلطانية:
جمع الماوردي ما سبقه من إشارات وتلميحات في مسائل الفقه السياسي في هذا الكتاب.. والكتاب ليس مجرد تتبع لهذه الإشارات والتلميحات، بل إن صاحبه ينطلق من هذه الإشارات مؤسساً لنفسه إطارا فكرياً سياسياً، مستنداً في ذلك إلى المقارنة بين حجج وأدلة سابقيه، محاولاً أن يكون عملياً في كتابه لتسير عليه السلطة التنفيذية.
قوانين الوزارة:
ومن كتب الماوردي السياسية أيضاً كتاب (قوانين الوزارة)، وفيه تناول كل ما يخص الوزارة، ابتداء من تعريفها وأنواعها، إلى مؤهلات الوزراء وعلاقتهم ببعضهم وبمن يرأسهم.
وأشار في هذا الكتاب إلى أن أهم أهداف الوزراء هي تحقيق الأمن العام، والنماء والخصب الدائم، وسيادة العدل.. لقد عاش الماوردي حياة ملؤها العلم والتعليم.
عاش منظراً للساسة ومرشداً للتلاميذ في حلقات العلم، وحاول جاهداً أن تكون علاقته بالساسة نابعة مما دعا إليه في كتبه، ولذلك أجلّه الساسة وأكرموه، حتى وافته منيته ببغداد عن عمر يناهز 86 عاماً.
|