*بقلم - فهد بن أحمد الصالح:
- كان الهلال بالأمس حلماً وردياً لا يعود..!!
- كان الهلال بالأمس مزنة عطاء وجود..!!
- كان الهلال بالأمس وردة فل بيضاء.. وزهرة نرجس حمراء..
تراها فتبدو لك ناعمة الملمس.. هادئة المنبت.. عبقة النفحات.. يانعة الثمرات.. تكره الانغلاق وتبغض الاندثار..!!
- كان الهلال بالأمس معادلة تعقيد.. وحلول تخمين.. ورموز تاريخ..!!
- لقد كان الهلال فرحة يتيم.. وقصة عظيم.. وتنهيدة سقيم..!!
- كل ذلك كان بالأمس.. والأمس حلم جميل لا يعود..
- أقسم أن الأمس حلم جميل لا يعود..
(2)
- أما اليوم فقد ذهب الهلال إلى أرض بعيدة..
خالية.. مقفرة.. بائدة.. أظنها تدعى بلاد الانكسار والنسيان..!؟
- وفي بلاد الانكسار والنسيان تبقى المدرجات خاوية على عروشها.. حتى يتقن (هلال الحقيقة) وعده المذبوح من الوريد إلى الوريد..!!
- كأني أرى آثار أقدامه ظاهرة على البلور الأزرق..!!
- كأني أحس بذهب انتصاراته ناضحة على الفانوس الأشقر..!!
- كأني أسمع صدى صوته مدويّا في أركان منزلي.. وزوايا حديقتي..!!
- إنه لا يغادر أبداً تقاسيم تلك الوجوه المتعبة.. ولا ينزوي لحظة عن هذه العيون الشاحبة..!!
- ويا للألم.. الهلال الذي آثرناه على أنفسنا قد رحل إلى مكان قصي.. مكان ابي.. مكان يدعى وادي الهجران والسلوان...!!
- أما آثاره الجميلة فقد بقيت حتى مساء الأمس.. وعندما فتحت النوافذ هذا الصباح تسللت أمواج من الهواء الحارق فجرفت بتياراتها كل ما تركه لنا ذلك الساحر الأزرق..!!
- جرفته بعيداً إلى ظلمة العدم.. هناك.. هناك..حيث تقطن السكين الخرساء.. ويتعالى صوت الرقص على الخنجر..!؟
(3)
- قد قرأ الهلال رسائلنا في الوقت الذي قرر فيه مقاطعة الرسائل.. كان حائراً.. مندهشاً.. فقد مر وقت طويل وهو بين هجر وتمزيق لكل ورقة تمس يديه..!!
- ثم إننا (معشر الهلاليين) بحثنا في المكتبة الزرقاء ولم نجد إلا كتاباً رثاً.. مغبراً.. ممزق الصفحات فارغ الألفاظ خاوي العبارات طلائعه باهتة وأوراقه هشة.. لا يقطنه إلا الحزن ولا يسكنه إلا البكاء..!!
- تجد ألوانه ممعنة في الاختفاء.. وحروفه موغلة في الالتواء.. ثم إنه لا يمكث طويلاً ليتوارى خلف المزيد من الكتب الحديثة.. وليته لم يفعل.. ليته مزق وجعل للنار طعاماً لعشاء المساء.. قبل أن يفعل ذلك..!!
(4)
- لم يعد في الهلال وداعة الحمامة.. ولا هفهفة اليمامة.. ولا حتى جمال الوزة البيضاء الحالمة..!!
- لم يعد في الهلال شراسة الذئب.. ولا بسالة المحارب الكفء..!!
- لم يعد في الهلال إلا غطرسة الطاووس الواثب.. ومراوغة الثعلب الماكر.. وقفزات الظبي الهارب..!!
- لم يعد في الهلال إلا تقلبات الأفعى (الرقطاء).. وهول الليلة (السوداء).. وقبضة النار (الرمداء)..!!
- لم يبقَ في الهلال إلا غرفة من زبد بحر هائج.. متلاطم الأمواج.. يوقن أن الماضي لن يعود إلى حيثما كان.. أبداً لن يعود فالأحلام لا تعيد الأمجاد..!!
(5)
- لقد عرفنا الهلال أيام الطفولة فكنا نركض وراءه في المدرجات.. وننادي طلعته في الممرات.
- وعرفناه أيام الصبا فكنا نرى خيال ملامحه في الكتب والأسفار.. ونشاهد خطوط قامته في الواحات والأشجار.. ونسمع صوته يتصاعد في القلوب والأفكار.
- وعرفناه أيام الرجولة فكنا نجالسه محدثين.. ونسأله مستفتين ونقترب منه شاكين وما في قلوبنا من العتاب والأوجاع باسطين.. وما في أرواحنا من الأسرار والكتمان مبدين..
- كل ذلك كان في الماضي..
وما هو آتٍ.. لا يعيد ما قد فات.. أقسم إنه لا يعيد ما قد فات..!!
- فقد أصبح الهلال يستحم بدموع عشاقه..
ويتقطر بدماء قتلاه..!!
- لقد بات الهلال مرتدياً (للأيام البيضاء) متبطنا (بالليالي السوداء).. وما أصبره على عتمة الليل الطويل..!
(6)
إنها العلة الفالجية الزرقاء..!!
- أصدقونا القول أيها الهلاليين.. هل تمكن (الفالج) من الجسد الأزرق..؟
- قد دنا الأجل أيها الزعيم فهل أنت مستعد للموت واقفاً..؟!
- إننا نراك (تتجهم) لأنك لا تملك إلا تقطب الحاجبين.. وتحشف الشفتين..!!
- فلندعك تمت يا (هلال) فقد طال نزاعك أمام أعين الشامتين والأقزام..!!
- ولنتركك تهلك وشعاع الأمجاد بين عينيك فذاك خير من أن تعش ومرارة الأوداع بين شفتيك..!!
- تفرقوا عنه واتركوه يقضي تعاسته فأنتم لا تستطيعون إسعاده.. ابتعدوا عنه فعلته تهزأ بعقاقيركم.. ويأسه يحتقر دموعكم.. وأنينه يسخر من تنهيداتكم..!!
- إنها العلة الفالجية..!!
- أجل قد تمكن الفالج من الجسد الأزرق.. قد دنا الأجل أيها الهلاليون.. فدعوه يقضي حتفه فهو أمام علة الموت أكثر هيبة من كل ما حدث وما سيحدث..!!
- دعوه يموت بسلام فأنتم لا تستطيعون انتشاله من بين الأقدام والحجارة لأن الخوف قد أمات أرواحكم والتردد أوهى سواعدكم والجبن قد كسر سيوفكم ورماحكم..!!
- تفرقوا عنه بهدوء فالعويل لا يعيد الأموات والصراخ لا يحيي الأرواح.. فقط قفوا صاغرين صامتين فإنه الطوفان لا يوقفه صراخ الصبية ولا عبث المتصابين والمتذاكين..!!
- ها هي طيور السماء تمزق جلده فلا تبقي منه إلا هيكلاً من عظام مطروح على حفنة رماد بالٍ..!!؟
- لقد فتك الوشاة بأبنائه وهدموا بروجه وصروحه.. وأفنوا حقوله ونخيله.. لقد فتكوا بكل شيء ولم يبقوا له إلا مضجعاً من تراب ومخدة من هشيم..!!
- لقد اختلس اللصوص خزائنه واقتسموا كؤوسه وأساوره.. لقد سرق الرعاع أعلامه وأثوابه.. ولم يبقَ على جسده الهزيل إلا إكليل من دم قانٍ وقلادة من دمع حارق..!!؟
(7)
- أيها العاشق لهلالك.. العاشق لحبك الكبير.. المملوء بالجراح والانكسار.. امضِ وحيداً منفرداً شامخاً نحو القمة وما هذه الأصوات التي تسمعها على جنبات الطريق سوى أجساد جامدة وخرق بالية..
- سر مرفوع الرأس فقد فعلت ما يفعله الأبطال والأباطرة.. فعلت ما لم يفعله غيرك من الطحالب والأقزام حتى وأنت تواري جنازتك التراب..!!
(8)
- لقد مات الهلال فهلموا يا أبناء الزعيم نحمله على نعش من الحصير ونغطيه بأطواق الياسمين ونطوف به الأزقة والممرات.
- لقد مات زعيم الملاعب فلنقلده ذهب الزعامة ولنكفنه بأعلام الخطابة ولندفنه حيث يدفن الأبطال والمردة!؟
- قد مات الزعيم فأسرجوا في عتمة اليل الطويل خيولكم.. وزينوا بسلاسل الفضة سيفوكم..
- عليكم بمكانه.. تعالوا حيث يقطن ويسكن.. فما تركه لكم حري أن يكتسب ويسلب..!!
- إياكم والتردد في سرقة أنملة زرقاء فقد تركها لكم جميعاً ورحل.. بعيداً..
بعيداً.. إلى هناك.. حيث تتحدث الورقة المطوية وتسكن السكين الخرساء..!؟
(9)
فصيح:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميتٍ إيلام
(10)
عامي:
ما للرجى في بعض الأحيان قيمة
وما للعمى صبح ولو بات سهران |
|