في أعداد كثيرة من جريدتنا الغراء كُتب عن اليتيم من خلال تقارير ومقالات متفرقة، والحق يقال إن اليتيم في بلدنا - أدامها الله في ظل تقواه - يجد عناية فائقة، فهذه الدور في أكثر من مدينة لإيواء هؤلاء الأيتام وهذه الجمعيات تعمل بجد ومثابرة ، تسعى من أجل تقديم كل المساعدات لهذه الفئة الغالية على قلوبنا ؛ اتباعا ًلامر الله القاضي بمراعاة اليتيم {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي وعد كافل اليتيم بمرافقته في الجنة - نسأل الله من فضله -:( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما) متفق عليه.
لكن البعض من القائمين على رعاية اليتيم قد قصر فهمه لمعنى الرعاية فظنها هي رعاية الأكل والشرب وتلبية الحاجات الدنيوية فحسب مستبعداً من برامجه كل ما يضيق به اليتيم ذرعاً لسبب أو لغير سبب فيظن أن اليتيم لا يجبر على شيء ولا يلزم عليه حتى وإن كان هذا الأمر يربيه ويبني فيه الثقة بالنفس والاعتماد عليها ، بل الأعجب من ذلك أن يترك للأيتام الحرية التامة في كل ما يأتون وما يذرون.
يقول الدكتور عبدالله السدحان في كتابه .. كفالة الأيتام : ( يلزم ولي الأمر القائم على أمر الطفل واليتيم أن يتعاهده بالحفظ والصيانة والتعليم والتربية والتأديب والإرشاد).
فإن قيل له: يا أخي إن هذه الألعاب التي يمارسها الأيتام فيها خطورة على دينهم وتخالف شرع الله قال لك: يا أخي لا تتشدد هؤلاء أيتام دعهم يرفهون عن أنفسهم ويقول هذا الكلام بكل برود وكأنه واثق من صحة كلامه وكأن هؤلاء الأيتام لا يجري عليهم التكليف ولا يلزم تربيتهم . والبعض من رعاة الأيتام جعلوا البرامج كلها ترفيه فلا مكان للبرامج الجادة بل وللأسف حتى الصلاة قد أهملت مكانتها وشأنها في نفوس هؤلاء الفتية الذين هم أمانة في أعناقنا .. ويكثر هذا التصرف أيضا في البيوت التي فيها يتيم فتجده يعامل معاملة أخرى في التربية والتوجيه ، والمصيبة أننا نسيء إليه ونحن نظن أننا نحسن إليه ونذله ونحط من قدره ونحن نظن أننا نرفعه ونكرمه.
قرأت في صفحة زمان الجزيرة خبر مفاده أن أحد رجال الأعمال لدينا تكفل برحلة لإحدى البلاد الأوروبية لمجموعة من الأيتام ليطلعوا فيها على معالم تلك البلاد.
عجباً على إنفاق هذه الأموال في غير محلها، ماذا لو استفيد من تكاليف هذه الرحلة في فتح معهد مهني لهم او منجرة او ورشة.
إن إكرام اليتيم ورعايته الحقيقية هي بتربيته وتعليمه ما يجب عليه وما يحرم عليه ولا يعني ذلك أننا نقصر في مأكله أو مشربه بل نريد الاعتدال في ذلك ولا بأس من ترفيهه والإبداع في ذلك ولكن لا يكون ذلك هو كل وقته وجميع أيامه.
فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً
فليقس أحيانا على من يرحم
ولقد جرت هذه المعاملة الناقصة في حق الأيتام إلى أمور لا أظن أن وزارة العمل والمؤسسات الخيرية تريدها وتخطط لها، فالمتأمل لحياة بعض الأيتام منذ دخوله لدار الأيتام لا يرى تقدماً في التربية ولا في شخصية اليتيم بل حتى ثقافته الحياتية الاجتماعية رديئة، فاليتيم يكبر جسمه وبطنه ولكن فهمه لبعض الأمور يبقى قاصراً، فلو قلت لبعضهم: خذ فاتورة واذهب للبنك لتسديدها لقال لك: لا أعرف ماذا أفعل وكيف، وهكذا.. ولو أوقفته يوماً لاختبار طريقته في معاملة الناس واستقبالهم لوجدته راسباً في هذا الامتحان للأسف كأن من يرعى اليتيم لدينا سيبقى يطعمه ويسقيه حتى مماته، لم نعلمه الاعتماد على نفسه، لم نعلمه الثقة بها، لم نكن جادين فعلاً في تربيته، هل هو عيب أن نحزم مع اليتيم، هل يخالف الرعاية أن نوكل له أمرا لينجزه أو نعلمه صنعة أو مهنة وندربه على البيع والشراء في سوق الخضار ونجعله ميكانيكياً في ورشة أو كهربائياً أو نحوه، والله إن هذا ما سيشكره لنا هذا اليتيم إذا كبر ووجد له مصدراً من مصادر الرزق يأخذه بعون الله ثم بعرق جبينه.
ولست بهذا الكلام أنكر الجهود المبذولة والمساعي الحثيثة في النهوض باليتيم لكل خير، ولكننا نريد الأفضل والأكمل، نريد حفظ تلك الأموال التي تنفق والإمكانات التي تبذل لنرى نتائج تسر كل مسلم، ولا أنكر ان وزارة العمل والشئون الاجتماعية بدءاً بوزيرها - سدده الله - ووكيله للشئون الاجتماعية - وفقه الله - يبذلون غاية وسعهم لتحقيق نتائج مرضية ويقومون بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية والأهلية بتوظيف بعض الأيتام وتزويج الآخرين، ولكن لايزال الأمر يحتاج مزيد دراسة ومتابعة، صحيح أن نفسية اليتيم ليست كغيره من الناس ولكن لماذا لا أجلب متخصصين يدرسون أحوال الأيتام ونفسياتهم حتى نجمع بين الأمرين، نقدم لهم كل ما يلزم ولا نجعلهم ينفرون من الدار .. ولكي لا يكون حديثي مبتوراً فأحب أن أكمل هذا الموضع باقتراحات آمل أن ترى النور، كتبتها خدمة لديني ثم لهؤلاء الأيتام الذين آمل أن نراهم لبنة صالحة تخدم الدين والأمة.
1- الحرص على انتقاء المشرفين المؤهلين لخدمة هذه الفئة ديناً وخلقاً وعملاً.
2- متابعتهم أكثر في مدارسهم، فهذا الجانب فيه قصور وأقترح أن تلزم وزارة التربية والتعليم المدارس الأهلية باستقبال عدد منهم وتقوم بتوصيلهم ووضع مشرف مدرسي متابع لهم، فلو أن كل مدرسة أهلية استقبلت عشرة طلاب واحتوتهم وأشرفت عليهم لتحققت نتائج طبية في هذا المجال.
3- وضع مسابقات في القرآن والسنة خاصة بهم وتكون على مستوى المملكة ويمكن دراسة الموضوع ورفعه إلى أحد رجال الأعمال لكي يتبنى هذه المسابقة.
4- جميل جداً ما نراه من وزير العمل من قيامه بمعايدة الأيتام أو الإفطار معهم في رمضان أو تسهيل أمور حجهم ولكن نأمل تفعيل هذا الأمر في فروع المملكة.
5- أناشد رجال الأعمال وأصحاب الأموال لإنشاء مركز مهني للأيتام وليكن المركز المهني المصاحب لرعاية الأيتام.
6- هل تتدخل مؤسسة النقد السعودي لاستثمار أموال الأيتام الذين في الدور والجمعيات التي تدخل في حساباتهم وتصرف عليهم بدل أن تذهب سدى.
متعب محمد الرشود
الرياض - متوسطة حي السلام
MM-98QHOTMAIL.COM
|