أقف في إحدى زوايا هذه الحياة.. ممسكاً بكتاب لتناقضاتها.. أتأمل في هذه التناقضات المتنوعة.. أقلِّب صفحاتها بين متناقض وآخر..
توقفت عند صفحة تحوي صورتين..
أمعنت النظر في الصورة الأولى:
رأيت.. رجلاً في الـ(65) من عمره.. يجلس في مكتب منزله.. مجموعة من الأوراق والملفات المفتوحة متناثرة حوله.. ينظر إليها باهتمام.. يتأمل محتواها بجدية.. يقلب صفحاتها بشغف.. تغلب عليه الصرامة والاندماج في الأداء.. يضع نفسه في سباق مع الزمن يملؤه الدقة والإصرار في إنهاء المهمة كما يجب.. وكأنه وضع حياته رهنا لهذا المكتب وهذه الأعمال.. مظهره يوحي بسعادة داخلية ورضاء عن النفس انتجت ابتسامة دائمة معلقة على شفتيه..
كتب تحت هذه الصورة:
رجل في الـ 65أحيل إلى التقاعد.. وواصل مسيرته في الأعمال الحرة المتنوعة دون أن يقف أو يتعثر.. رافضاً دواخل الإحساس في التشكيك في قدراته.
انتقلت عيني إلى الصورة الثانية:
شاب في الـ 30 من عمره.. يجلس مسترخياً على مقعد في صالة شقته.. ممسكاً بجهاز تحكم التلفاز (الريموت كنترول) يتجول بين القنوات الفضائية بحثا عن ما يضيع وقته الممل.. ومن حوله تظهر بعض أعقاب السجائر وبقايا طعام يبدو على وشك التحلل.. مظهره يوحي بغموض ويأس داخلي.. السواد يجتاح أسفل عينيه.. التي أمعنت النظر في هذه القنوات وتركت ابتسامة خبث تتعلق بين شفتيه.
كتب تحت هذه الصورة:
شاب في الـ30 من عمره.. يتكرر غيابه عن عمله بلا عذر..!!
سألت نفسي :
هل عمر الرجل هو المعيار الأساسي للعطاء في العمل؟
أم أن العطاء يتحدد بمسؤولية الشخص واهتمامه وجديته بغض النظر عن عمره؟
يظن البعض أن عمر الرجل كلما تقدم كلما قل عطاؤه الفكري والبدني بل وأن إحالته للتقاعد تكون هي أفضل الخيارات المواجهة لهذا التقدم في السن.
ولكن.. لماذا لا ننظر للأمور بهدوء وعقلانية ومنطق واضح. نحن نرى رجالاً تخطو سن الـ 60 واعلنوا عدم قدرتهم على إكمال مسيرة العمل.. ولكننا أيضا نجد رجالاً تخطو سن الـ 60 ولا يزالون يقدمون ما في وسعهم من جهد وعطاء وأداء متميز. أيضاً.. كما نرى شباباً قادرين على العطاء والإنتاج وحسن الأداء نجد أيضاً شباباً في السن الـ30 ومادون.. وقد اتضح ضعفهم الإنتاجي في العمل.. إذاً وكما يبدو في هذه المقارنة.. أن العمر ليس هو المعيار الاساسي للعطاء والإنتاج.. وفرضية نقص الجهد مع تقدم العمر.. أو (تناسب العطاء والإنتاج عكسياً مع عمر الرجل). ما هي إلا فرضية معينة.. قابلة للصواب والخطأ.. باختلاف الشخصيات وإدراكها.. فالمسألة ليست قطعية ولكنها أمر وارد ونظرة العمر ما هي إلا نظرة معنوية (تقديرية).. فرضت لقربها للواقع ولا يعني ذلك قطيعة حجتها وصوابها الدائم.
- قد تكون المسؤولية والجدية والاهتمام والخبرة أحياناً هم ما يجعل من ادراك الرجل لعمله واداؤه هو الفيصل في مثل هذه الأمور.. والأدلة كثيرة.. لاسيما ونحن نرى الكثير من دول العالم تبحث عن الأكبر سناً ليكون على قمة هرم العمل والإدارة..
عموماً.. العمر محيط من الفرضيات.. ونحن لا زلنا في إحدى شواطئه.
رأي خاص.. والله العالم.
|