لكل أمة ناهضة مشروعها الحضاري.. الذي ينبع من روحها.. ويصاغ برحيقها.. ويخطط بعقلها.. وينفذ بعرقها.. ويدافع بدمها عن قيامه وتحقيقه أخيراً.
مشروعنا الحضاري (كان) أن نكون خير أمة أخرجت للناس.. وهذا لا يكون بالتدمير والتهديد والوعيد والعداء.. بل بالبناء والنمو والنهوض.
فالمشروع الحضاري ليس فكرة طوباوية حالمة.. يقول بها قائد فيفرضها على أمة.. بل هدف ينجز بشمولية العمل والتنمية.. وتحفيز المفاهيم والقيم الدافعة نحو ذلك.
المشروع الحضاري ليس مشروعاً نظرياً.. ربما يتم اختطافه فيصير متحيزاً.. وربما تحت وطأة الأنانية يتم توجيهه الوجهة الخطأ فيدمر الأمة.. ويساعد على تخلفها.
المشروع الحضاري لا يمكن استيراده.. لكن يمكن استيراد بعض مكوناته المساندة المتفاعلة المتجاوبة مع العقل والمنطق والمصلحة والأخلاق.
المشروع الحضاري لا بد من بنائه برؤية وطنية فاعلة، لا قاعدة متهاونة.. قدرتها فقط في خلق المبررات وإيجاد الحدود والحواجز المحبطة.
المشروع الحضاري لا يمكن أن يبنيه إلا مجتمع قادر على البناء.. لا يتوقف عن الحركة والتساؤل والبحث عن الإجابات.. حتى يستطيع أن يبلور الفكرة.. ويحدد الأهداف.. ويجهز الآليات والوسائل للوصول إليها وتحقيقها.
إن مصالح الأمة الكبرى لا تتحقق إلا وفق تحقق المشروع الحضاري، ونجاحنا في إنجازه وقيامه.. وأن تكون قدراتنا وإمكاناتنا مناسبة لحجم المشروع والمصالح التي نرغب في تحقيقها.
المشروع الحضاري لا بد أن ينبعث من الداخل.. بكل ما يحمله من تجديد ورغبة في التطوير.. وبكل ما يعنيه من نفض للفكر السائد المعتاد.. المصاب بعقدة النقص حتى جافى العالمين وحذر من الاختلاط بهم.
ان إزالة ركام التخلف والمرض من عقولنا سوف يقودنا إلى بناء مشروعنا الحضاري في بيئة عمل غير مهدرة أو مختطفة.. أو مخدوعة.
المشروع الحضاري لا يمكن أن يقوم على فكر يرى أنه ضعيف خاو مستهدف.. فهو إن كان ضعيفاً، فنحن لا نريده، وإن كان قوياً يليق بنا كأمة فهو قادر على بعث مشروع حضاري.. يعيد الزاهر من تاريخنا.. إذا لماذا تحجرون عليه؟ وتحتجزونه في غرفة مظلمة؟.. أين الخطأ هنا.
المشروع الحضاري لا يقوم إلا على تفاعل كل الأطراف والمحاور والتيارات المكونة للمجتمع.. وشراكتها فيما بينها.. وتحديد خطابها.. فالخطاب القائم أثبت بعد ألف سنة من تسيده أنه خطاب بال منته.. والاستمرار فيه هو استمرار في الخطأ.
المشروع الحضاري يحتاج إلى خطوات.. قد تكون داخلية.. وقد تكون خارجية.. ومهما يكن المصدر المحفز فمرحباً به.. ويجب أن نتعامل معه بترحاب وفرح.. مجتهدين ألا يهز المجتمع سلبياً ويفقده توازنه.. بل يدفعه وفق مسيرته الطبيعية لكن بعجلة تسارعية أكبر.
المشروع الحضاري غايته الاستقرار للأمة.. والاستقرار يسمح بتراكم المعرفة وتطورها، ويستفيد من التجارب الإنسانية المكتسبة من ذلك المشروع الحضاري.
|