لا أعتقد أن الدكتور غازي عندما تسلم حقيبة وزارة العمل الجديدة سيكون قادراً على حال كل مشاكل العمل والبطالة، فليست الأمور من السهولة مما يجعل القضاء عليها يرتبط بإصدار مجموعة من القرارات الإدارية السريعة والصارمة!!
فالعمالة الوافدة أضحت هاجساً ملحا لكل من يحاول معالجة قضايا العمالة أو يفكر في السعودة.
القصيبي وحده سيظل عاجزا في الحد من تدفق هذا الكم الهائل من العمالة سنويا، إذا كان استخراج السجل التجاري في وزارة التجارة يعطى دون أي تدقيق أو معرفة جوانب النشاط بكل دقة.
والقصيبي سيظل عاجزاً عن كبح تدفق العمالة إذا كانت رخصة البلدية لافتتاح محل لا تتابع، ولا يعرف أين تذهب العمالة التي تستقدم من خلال استئجار محل لا يزيد سعر إيجاره سنويا عن ثلاثة آلاف ريال.
الآلاف من العمالة الوافدة (سباكون، وبناؤون، وكهربائيون، ونجارون يعملون غيرهم بعقود مختومة مسبقاً من قبل الكفيل المجهول!
إن الأخطار التي تحدثها هذه العمالة كثيرة وخطيرة، فقد سمعنا وشاهدنا عن السرقات التي يرتكبها هؤلاء، وقد قرأنا في الصحف المحلية، كيف أن الأغذية الفاسدة وتغيير تاريخ الصلاحية في المنتجات لا يتم إلا من خلال هذه العمالة الوافدة التي استخدمت إلى المملكة دون هدف تجاري محدد!!
لقد كشف مراقبو وزارة التجارة أكثر من مرة بيوتا تستخدمها هذه العمالة لإعداد اللحوم الفاسدة وبيعها، وقد كشفوا أيضاً كميات كبيرة من المكسرات وضعتها عمالة وافدة في أكياس أسمدة كيماوية!!
ووضع على الأكياس سم الفار لحمايتها من الفئران، مما شكل هذا خطراً صحياً فيما لو تم توزيع تلك المكسرات في السوق المحلية لتلوثها بسم الفار والأسمدة الكيماوية!!
إن أمام الدكتور غازي تحديات كبيرة، أبرزها حل مشكلة البطالة، فلو ألقينا نظرة على أوضاع العمالة في مختلف دول العالم، لوجدنا أن وضعهم في النمسا وبلجيكا والدنمارك، وفنلندا وسويسرا أفضل بكثير من دول العالم الأخرى.
وتحتل كل من أستراليا، وكندا، وأيرلندا، وأمريكا، ونيوزلندا وبريطانيا المرتبة الثانية من حيث الاهتمام بمشكلات العاطلين عن العمل، أما بقية دول العالم فلا زال وضع العمالة يواجه الكثير من المصاعب.
إن من أبرز المشاكل التي تواجهها السعودة في القطاع الخاص تدني الأجور التي تعطى للمواطن، مقابل ما يحصل عليه نظيره الذي يعمل في القطاع العام بحجة أن المواطن لا يحمل التخصص المطلوب في سوق العمل في القطاع الخاص، فهل حصلنا على حاجة القطاع الخاص من تخصصات وهيأنا المواطنين لها!
لقد قامت العديد من دول العالم بتجارب ناجحة في الاستفادة من الكوادر الفنية لسد احتياج السوق المحلية من بعض الصناعات الصغيرة.
ففي تركيا مثلاً يتم افتتاح ورش صغيرة في المدن الصناعية لخريجي المعاهد الفنية تسلم لهم لصناعة وخراطة المواد البسيطة كالمسامير مثلاً وبعض المستلزمات، ولا يتكرر إعطاء أكثر من نشاط لأكثر من شخص لضمان تسويق منتجات تلك الورش.
المدينة الصناعية في منطقة سدير التي جار التأسيس لها الآن ستكون باباً لاستيعاب الكثير من العمالة الفنية، فيما لو تم التخطيط لذلك التخطيط السليم من خلال استثمار خريجي الكليات التقنية في المملكة، وفي منطقة سدير على الخصوص، فيما لو تم التعرف على حاجة تلك المصانع التي بدأت فعلاً الحصول على الأراضي في هذه المدينة الصناعية.
أعرف بعض أبناء قرى منطقة سدير ممن لم يكملوا تعليمهم والتحقوا بمراكز التدريب المهني، تخرجوا من تلك المراكز والمعاهد، ووضعوا شهاداتهم في الأدراج، لعدم توفر وظائف فنية في الأجهزة الحكومية، ما عدا البلديات التي لا يوجد فيها إلا وظائف قليلة.
عندما نتحدث عن قضية العمالة الوافدة، فإنه يتحتم النظر في منح التراخيص لافتتاح المحلات التجارية، وخاصة البقالات والحلاقين، ومحلات السباكة وغيرها حيث تجد عشر بقالات أو أكثر في شارع واحد لا يفصل البقالة عن الأخرى سوى أمتار قليلة جداً، وهذا أيضا ينطبق على الأنشطة الأخرى!!
كما أن تفعيل دور العمد في الأحياء سيساهم كثيراً في القضاء على ظاهرة التخلف، فلا يجب أن ينحصر دور العمدة فقط في التعريف بل يتعدى ذلك إلى أن يقوم بوضع أرشيف كامل لديه يتضمن أسماء قاطني الحي، وكذا العمالة الموجودة في الحي، وأن تكون لديه أيضاً صورة عن عقود الإيجار حتى يساهم ذلك في القضاء على ظاهرة التخلف، ومعرفة الكثير من الجوانب التي قد تفيد في حاجة طلبها.
لقد قرأت أكثر من لقاء مع الدكتور غازي منذ أن تولى مسؤولية وزارة العمل وكانت حوارات صريحة يحمل فيها هموم السعودة والقضاء على البطالة أعانه الله، ونتمنى ألا تكون صرامة القصيبي في إصدار القرارات تلو القرارات على مؤسسات القطاع الخاص دافعاً إلى إحداث الضرر لبعض تلك المؤسسات بل يجب أن تكون تلك القرارات مبنية على دراسات علمية ودقيقة بعيدة عن العواطف ليحقق فيها التوازن بين مصلحة الشركات الوطنية والعمالة الوطنية في آن واحد.
|