أمامي رتلٌ من الأوراق، وعددٌ غير قليلٍ من الكتبِ، وأجهزة بعضها يفتح فاهاً متلهِّفاً للأخذِ، وشيءٌ يمنح ممَّا خُزِّن فيه، وأقلامي تراقبني بحنو، وصوت صريرها يعتلج في وجداني وليس في أذنيّ، وأوراقي ترسل لي نظرات خفيّة تستلهمني أن أحبِّرها...، وتتطاير الأفكار من حولي، تداعبني بأجنحتها، تغريني أن أتصيّدها، فأيُّ واحدةٍ اعتقلت منها فُزْت بها...
علاقة حميمة وصامتة وقويّة ومؤثِّرة بين الكاتب وأفكاره وورقه وأقلامه...
لكنَّ السَّاعة أيضاً تنتصبُ أمامي، يلاحقني الزمن الرَّاكض به عقرباها هناك مسؤوليات علمية، نحن في الأسبوع قبل الأخير لبدء اختبارات الجامعة النهائيّة، بحوث الطالبات تنفرد أمامي كي أنجز الاستمتاع بنتائج تحصيلهن، ما أروع أن تقرأ بحثاً مبدئياً لطالبة دراسات عليا تتخيّل أنَّّك لم تقرأ في مستواه الجيد الجميل في عشراتٍ من الكتبِ التي تعجّ بها المكتبات، وتتذكّر مناقشاتهن عنها قبل تدوينها بمنطق واعٍ وذهنيّة نيِّرة كما لم تستمع لمثل هذا المنطق ولم تقف على مثل هذه القدرة في الحوار لدى عشراتٍ ممّن يتقلّدون الدرجات العلميّة ويوشّون بها رؤوسهم!!
وعبدالإله بمكتب رئيس التحرير ينتظرُ هذه السطور تأتيه في موعدها
ماتعة لحظاتٌ مثل هذه بكلِّ ما فيها من الازدحام، والتَّكاتف على تمزيق الطَّاقة، وتنويع الرَّغبة، وتحريض القدرة على ترتيب الأولويات ماتعة تجعلك تشعر بقيمة للوقت، وللجهد، ولمعنى للدّور ولبعد لكلّ مفاهيم الاندماج الكلّي بذاتك في ذوات خارجة عنك، سواء كانت ذوات بشرية تتماثل معك في البشريةِ وتختلف معك في الخصوصيةِ، أو كانت ذوات خارجة عنك ومختلفة لكنّها تشاطرك التَّبادلية، كانت كتابك، أو قلمك، أو ورقتك، أو جهاز نقل أو تخزين أو إعادة بثٍ، مطبوع، أو مصور، أو مسموع، سواء كان في حدودك الأقرب بيتك، مكتبك، أو في حدود أوسع مجالاً حيث تحملك قدماك لعملك أو للقاء مريديك، أو لمشاركة رفقائك!!
لحظات جميلة، رغم فرط تعدّديّة ما فيها
لكنّها تحلو مع أبخرة القهوة...
وأطياف الأفكار
ومداعبة حنين القلم والورقة.
|