* الرياض - حوار : فهد العيسى:
نشأ الطفلان سوياً في دار الحضانة الاجتماعية بالرياض وارتبطت علاقتهما منذ الصغر بعلاقة أخوة ومحبة.
ويعد بلوغهما سن السابعة شاءت الأقدار أن يفترقا ويذهب كل واحد منهما في جهة ، أحدهما ذهب لدار التربية بالرياض والآخر لدار التربية بشقراء.
والتقيا مجدداً بعد مضي عدة سنوات بمؤسسة التربية النموذجية للأيتام بالرياض ومن هنا تبدأ القصة.
فقد أحس عمر ماجد عبدالعزيز ماجد (المتبرع) بتغير على ملامح زميله يوسف عبدالرزاق تركي بلال (المتبرع له) وبادره بالسؤال عن صحته وكانت المفاجأة بأن كليتي يوسف لا تعملان وأنه دائم الغسيل لهما. وان التقارير أثبتت فشلهما كلياً.
ومنذ ذلك الوقت أصبح يوسف يعيش بمعزل عن زملاءه لا يشاركهم الأنشطة ولا البرامج التي تعدها الدار وكل تفكيره منصب على هذه المعاناة. إلا أن قدر الله شاء أن ينقذه مما فيه من معاناة وهذا الشخص ليس غريباً عليه ولا بعيداً عنه فهو زميل وصديق الطفولة عمر، والذي أحس بمعاناته عن قرب ولنترك له المجال ليحدثنا عن موضوع (التبرع):
* في البداية كيف بدأت فعلياً تفكر في التبرع بالكلى ومن كان وراء دعم الفكرة وتشجيعها؟
- بعد التقائي بزميلي يوسف في مؤسسة التربية النموذجية بعد فراق عدة أعوام وجدته متغير الهيئة والشكل وبسؤالي له عن أحواله وصحته شرح لي المعاناة التي يعيشها. عندها فكرت فعلياً بالتبرع له وكنت احتاج لمن يدعم هذه الفكرة. وتوجهت بعد الله لصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن محمد بن سعود بن عبدالعزيز وشرحت له الموضوع فما كان منه إلا أن بارك هذه المبادرة وكل ذلك تم بسرية تامة دون علم أحد حتى المتبرع له لم يعلم بذلك.
* بصفتك أحد الأيتام، لماذا لم تشعر أو تخبر الوزارة بذلك من أجل مساعدتك على اتمام الموضوع؟
-لم أحب أن أخبر أحداً بذلك حتى يتم كل شيء ويثبت التقرير الطبي صلاحيتي للتبرع. وبعد صدور التقرير الطبي تم اخبار الادارة المعنية في الوزارة وصدرت موافقة المسؤولين بالتبرع.
إلا أن مركز زراعة الأعضاء لم يوافق على ذلك نظراً لخوفه من التلاعب في الأمر كبيع وشراء الأعضاء. ولكن بعد مقابلتي مع مدير المركز الدكتور فيصل الشاهين وشُرح له الموضوع كاملا ، وان المتبرع والمتبرع له من الأيتام ويتبعان جهة واحدة ترعاهما تمت الموافقة بعد رفعها لمعالي وزير الصحة الدكتور حمد المانع.
* هل أدركت مدى خطورة ما تقوم به من عمل خاصة وان هناك عملية وقد يحصل لا سمح الله مضاعفات؟
- بعد الانتهاء من الاجراءات والترتيبات الخاصة بالعملية التقى بي طبيبي الخاص وأخذ يؤكد لي أن القرار بيدي ويمكنه التراجع إذا ما رغب ذلك وان 1% نسبة الوفاة المتوقعة والحقيقة إنني لم أكترث بهذا الكلام لأنني عزمت فعلاً على هذا التبرع دون النظر لأي اعتبارات أخرى. وان الأجل محتوم سواء كان في هذه العملية أو في أي وقت آخر.
* ماذا كان وضعك الصحي بعد اجراء العملية؟
- بعد العملية تعبت تعباً شديداً ودخلت في غيبوبة كاملة لمدة ثلاثة أيام. وأصبت بنزيف حاد في الرئة. بعدها ولله الحمد تحسنت حالتي.
ومما خفف من معاناتي وتعبي عندما افقت وجدت عددا من المسؤولين في الوزارة موجودين لزيارتي.
* وما هي حالة المتبرع له الأخ يوسف عبدالرزاق؟
- حالته الصحية ممتازة وأفاق بعد العملية مباشرة. والغريب في الأمر أن الكلية التي زرعها عملت مباشرة بعد العملية لأن الأمر المعتاد ألا تعمل إلا بعد مضي عدة أيام على زراعتها وإذا لم تعمل خلال اسبوعين من زراعتها اعتبرت فاشلة. هذا ما أكده مدير مركز زراعة الأعضاء الدكتور فيصل شاهين.
ولكن في حالة يوسف عملت الكلية مباشرة وهذه من الحالات النادرة.
* من قام بزيارتكما بعد العملية؟
- بعد الافاقة من الغيبوبة لم أكن أتوقع هذا الحضور الكبير فقد زارني أنا وزميلي يوسف عدد من المسؤولين في الوزارة يتقدمهم معالي وزير الشؤون الاجتماعية الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة وسعادة الأستاذ عوض بن بنية الردادي وكيل الوزارة للشؤون الاجتماعية وأمين عام المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام الأستاذ منصور العمري وسعادة مدير عام دار الأيتام الأستاذ عوض الجميلي وسعادة مدير عام الرعاية اللاحقة الأستاذ يحيى الزهراني ومدير مؤسسة التربية النموذجية الأستاذ سليمان القريع وعدد كبير من زملائي الأيتام وموظفي الدار.
وفي الجانب الآخر سألنا المتبرع له الأخ يوسف عبدالرزاق تركي:
* كيف تلقيت نبأ تبرع الأخ عمر لك بالكلية وفتح المجال للعودة للحياة بعد إرادة الله سبحانه؟
- لم يخطر ببالي أبداً أن يقوم أحد بالتبرع لي وذلك نظراً لأن مشكلتي كبيرة وقديمة، ولكن الله سبحانه تكفل بي وسخر لي زميلي للتبرع ولم أصدق الخبر إلا عندما بدأت فعلياً في اجراءات الكشف الطبي وبدون شك فالفرحة كانت كبيرة وعظيمة.
* بعد نجاح العملية وبعد أن منَّ الله عليك بالصحة والعافية ماذا تقول؟
- أشكر الله سبحانه وتعالى على ذلك وخروجي للحياة مرة أخرى وأشكر بهذه المناسبة جميع من وقف بجانبي في هذه المرحلة الحرجة من المسؤولين وأخص بالشكر والتقدير والمحبة زميلي وأخي المتبرع عمر ماجد.
* بعد خروجك من المستشفى ماذا هيأت لك الوزارة وهل أعدت لك برنامجا تأهيليا؟
- بتوجيهات كريمة من المسؤولين في الوزارة تم حجز جناح خاص بي في أحد أفخم الفنادق بمدينة الرياض ولأكثر من عشرة أيام وذلك لأخذ الراحة الكاملة ومتابعة العلاج اللازم كما خصص سائق لخدمتي في مراجعة المستشفى.
* كلمة أخيرة؟
- نشكر جميع من وقف معنا في هذا الموضوع ونخص بالذكر صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن محمد بن سعود بن عبدالعزيز على دعمه ومساندته لنا وتشجيعنا كما نشكر جميع المسؤولين في الوزارة وعلى رأسهم معالي الوزير ووكيل الوزارة للشؤون الاجتماعية ولمدير مؤسسة التربية النموذجية الأستاذ سليمان القريع ولجميع زملائنا الأيتام.
كما تحدث سعادة وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية الأستاذ عوض بن بنيه الردادي عن هذه المناسبة فقال:
الله سبحانه وتعالى جعل الرحمة والتعاطف سمة من سمات أهل الخير وفئة الأيتام التي ترعاهم الوزارة يضربون أمثلة رائعة في الألفة والمحبة ويعيشون كأخوة فيما بينهم ، وما قيام الابن عمر بالتبرع بكليته لزميله يوسف إلا دلالة واضحة على ذلك وكما نعلم ان هذا العمل لا يقوم به انسان إلا بعد جهد كبير ومشاورات عديدة وتردد. ثم بعد ذلك يقدم على هذا الأمر بل ان البعض لا يقدم على ذلك إلا بمقابل مادي فما بالك بطالب في مقتبل العمر يتبرع بكليته لزميله دون تردد ودون مقابل بل وبصمت وأريحية. ولعل من المفارقات ان المسؤولين في الوزارة لم يعلموا بهذا الأمر إلا عندما أدخلا المستشفى لاجراء العملية.
والحقيقة نحن لا نملك بهذه المناسبة بعد شكر الله سبحانه إلا أن نشكر الابن عمر على هذه البادرة الطيبة ونتمنى له دوام الصحة والعافية وحياة سعيدة وموفقة ومهما تحدثنا فلن نفيه حقه.
أما الابن يوسف المتبرع له فإننا ندعو الله بأن تكون حياته مستقرة بعد العملية وألا ينسى ان هناك شخصا تبرع له بجزء من جسده وان يذكر ذلك الجميل ولا ينساه. وبالتالي توقفه عن غسيل الكلى وعودته مجدداً للحياة مثله مثل أي شاب في عمره.
وفي الختام أسأل الله لهما التوفيق وان تستمر علاقة الود والمحبة بينهما وبين جميع الأيتام وهذه البادرة ليست غريبة على أبنائنا الأيتام.
|