الحمد لله.. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن سنّة الله في خلقه أن يبتليهم ليتميز المسلم من الكافر والمؤمن من المنافق. فتظهر خبايا النفوس وخفايا القلوب. ويتميز المؤمن الصابر الثابت. من ضعيف الإيمان الذي يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين. وإن ما حدث في هذه الأيام من أعمال التخريب على أيدي طغمة فاسدة غرر بها وغسلت أدمغتها وشحنت بالأفكار الخبيثة وزين لها أن هذه الأعمال جهاد في سبيل الله وأن من انتحر فيها أو قتل فهو شهيد وكيف تكون هذه الأعمال جهادا في سبيل الله وهي إفساد في الأرض وقتل للأنفس التي حرم الله قتلها بالإيمان أو بالأمان والعهد. وكيف يكون المنتحر فيها شهيدا وهو قد قتل نفسه. وقد قال النبي صلى الله عليه إن من قتل نفسه فهو في النار يعذب فيها بجنس ما قتل به نفسه - وهذا العمل إنما هو جهاد في سبيل الشيطان لأنه هو الذي زين لهم هذه الأعمال كما قال للكفار لما زين لهم أعمالهم في يوم بدر: ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم) لكن هذا العمل الشنيع وهذا الفقه المعوج إنما هو نتيجة التعالم والتلقي عن أهل الضلال والاعراض عن العلم الصحيح وأهله كما هو حال هؤلاء القطعان المتوحشة.
ولقد وقف الناس من هذه الأحداث المروعة مواقف مختلفة كل يفسرها على حسب مزاجه وهواه - فالكفار يحملونها الإسلام والمسلمين ويقولون إن الاسلام دين الوحشية والحقد على البشرية وهذه الأعمال التخريبية من آثاره ولذلك صاروا يحاربون الإسلام في كل مكان ويقولون إنه دين الإرهاب وصاروا يحاولون الوقوف في وجهه للصد عنه ومنع مده الكاسح {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (32) سورة التوبة. والمنافقون من المسلمين وأصحاب القلوب المريضة صاروا يروِّجون مقالة الكفار هذه باتهام الإسلام بهذه التهمة كما قال إخوانهم من قبل في غزوة الأحزاب: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (12) سورة الأحزاب. فصاروا يشككون في عقيدة المسلمين وفي كتبها ويحاولون تغييرها.
والخرافيون يقولون إنّ هذه الأحداث سببها الدعوة إلى التوحيد وإنكار الشرك والبدع واتهام الناس في عقائدهم وسوء الظن بهم إلى آخر ما يقولون وصاروا يطعنون في أئمة التوحيد وكتب التوحيد ويطالبون بإعادة النظر فيها لتوافق مزاجهم ويستروا ما عندهم من انحراف وضلال.
ولكن نقول للجميع: {مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (119) سورة آل عمران. والله قد تعهد بحفظ هذا القرآن وبقاء هذا الدين والمفلح من تمسَّك به وصبر على الأذى فيه والخاسر من أفلتت يده منه وانقلب على عقبيه. { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (41) سورة الحج. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
* عضو هيئة كبار العلماء |