* تبوك - ماجد العنزي:
في الصالة الثقافية بمركز الأمير فهد بن سلطان الاجتماعي أقام نادي تبوك الأدبي مؤخراً محاضرة تحت عنوان العقلانية في الفكر الإسلامي ألقاها الدكتور موسى مصطفى العبيدان تطرق فيها إلى مفهوم العقلانية في الفكر الإسلامي وأن هذا المفهوم عند جمهور المفكرين الإسلاميين هو العلوم الضرورية أو المبادئ القبلية العقلية المنظمة للمعرفة، وتمتاز هذه العلوم بكونها فطرية موجودة وجوداً قبلياً لدى الإنسان وملازمة له وصادقة ومستقلة عن الحسِّ ومقدمات يقينية للعلوم النظرية.
كما تناول المحاضر ظهور العقلانية في الفكر الإسلامي كمنهج علمي تقرر به حقائق الأشياء الذي يعود في الأساس إلى مفهوم المفكرين الإسلاميين عن العقل متتبعاً تاريخ الظهور منذ نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري على يد العلماء المتكلمين الذين أدخلوا الاستدلال العقلي في أمور العقيدة.
وأضاف أنه إذا كانت النزعة العقلانية نشأت وتطورت في بيئة المتكلمين والفلاسفة الإسلاميين فإن هناك بيئة ثالثة خصيبة ترعرعت فيها النزعة العقلانية ألا وهي بيئة الأصوليين، فقد ظهرت فيها النزعة العقلانية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصر صحابته، فظهرت فكرة قياس المثل مستشهداً في ذلك بقول ابن خلدون وكذلك ظهر إلى جانب فكرة القياس فكرة العموم والخصوص وهذه المحاولات ومثيلاتها نجدها قد نضجت على يد الإمام الشافعي؛ فهو أول من صنَّف في أصول الفقه وما زال التأليف في مجال علم الأصول يواصل مسيرته حتى بلغ مرحلة متطورة جداً على أيدي الأصوليين المتكلمين من معتزلة وأشاعرة وغيرهم، وتميَّزت هذه المرحلة بغلبة طرق الاستدلال العقلي والبرهنة النظرية، ووضعت هذه الطرق مدارك العقول وخاصة طريق القياس في صورة عقلية مجردة.
وانتهج هؤلاء الأصوليون المتكلمون منطقاً يخالف منطق أرسطو ويذمونه ويعيبونه ولكن سار كثير من علماء أصول الفقه على طريقة المزج بين منطق أرسطو وأصول الفقه التي عرفت عند الإمام الغزالي فتضمنت مقدمات كتبهم الأصولية الحديث عن الحد والبرهان والقياس.
وطرح الدكتور موسى منهج البحث العقلاني في الفكر الإسلامي من خلال النزعة العقلاينة في الفكر الإسلامي والتي ظهرت بوضوح في ثلاث بيئات فكرية وهي بيئة علم الكلام وبيئة الفلسفة وبيئة علم أصول الفقه، وقد أعطت هذه البيئات أهمية كبيرة للعقل في إنتاج المعرفة عن طريق المنهج العقلي عند المتكلمين والأصوليين وهي قياس الغائب على الشاهد وإنتاج المقدمات، النتائج والسبر والتقسيم والاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه وبطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول.
ثم تناول المنهج العقلي عند الفلاسفة المسلمين وتمكنهم من ترجمة كتب الفلسفة والمنطق اليونانية وخاصة كتب أرسطو ولم يقف بهم الأمر عند الترجمة والشرح، بل نجدهم أسهموا في مجال التأليف والنقد وفيما يتعلَّق بالبرهان الذي يبيِّن المنهج العقلي عند الفلاسفة المسلمين هو طرق الاستدلال العقلي وتشمل القياس - الاستقراء - التمثيل - القسمة.
واختتم الدكتور موسى محاضرته متحدثاً عن أثر المنهج العقلاني في العلوم الأخرى، ففي مجال علوم اللسان نجد اللغويين ينتهجون نهج النقاد المسلمين في بحث مسائلهم اللسانية، حيث إن معظم النحاة الأقدمين كانوا من المعتزلة أو من أهل الكلام الذين مرنوا على الجدل. ومن مظاهر العقلانية في علوم اللغة تأثر علم أصول النحو بعلم أصول الفقه في المنهج وفي العلة وأنواعها ومسالكها وكما طبق المنهج العقلاني في علم النحو كذلك طبق في علم البلاغة وكذلك أخذ كثير من المفسرين بالمنهج العقلاني في تفسير القرآن الكريم، فقد تعرض لتفسيره بعض المتكلمين من معتزلة وأشاعرة وشيعة وقدرية ومرجئة. وفي مجال التاريخ نجد بعض المؤرخين كابن خلدون يستخدم المنهج الاستقرائي لتفسير الذوات العارضة التي قابلها مستنداً على التحليل والتركيب ومستخدماً قياس الغائب على الشاهد من ناحية واستقراء الحوادث العارضة في المشاهد للتوصل إلى أحكام عامة وهذه هي سمات المنهج العقلاني عند المتكلمين والأصوليين.
ولم يقتصر تطبيق المنهج العقلاني على العلوم الإنسانية. بل نجد أثره في العلوم العقلية كالطب والطبيعة والكيمياء والنبات، حيث يقوم منهج البحث في هذه العلوم على التجربة.
وخلاصة القول إن المنهج الذي كان سائداً في الفكر الإسلامي هو المنهج العقلاني الذي عُرف في بيئة المتكلمين والأصوليين، ففيها نبت وفيها نضج ومنها انتقل إلى معظم البيئات العلمية الإسلامية. بعد ذلك تم فتح المجال للتعقيب والمداخلات شارك بها عدد من الأدباء والمثقفين والحضور مما أثرى هذا اللقاء.
|