في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في عمّان بالأردن يوم السبت الماضي حاول كولن باول وزير الخارجية الأمريكية.. أن يحسن سورة بلاده.. بعد انكشاف سَوْاءاتها.. وافتضاح قذاراتها الأخلاقية التي وقعت لجيشها في سجن أبو غريب بالعراق.. بمقولته التي أضحكت ثكالى العالم: (أمريكا أمة عادلة)..!! الله؛ الله يا لها من عدالة..؟!!
* * *
هذا مع أن باول هو أقل المسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية.. شراً وعجرفة..
عجبت لجرأة هذا الرجل.. أن يتفوه بهذه العبارة التي تخالف حقيقة ما عليه دولته من ظلم، وطغيان، وعجرفة، واحتقار للأمم الأخرى.. لا بفضل تاريخ أمريكا ومحتدها! ولكن (بغرور القوة) التي جعلتها تعيث فساداً في الأرض.. وبخاصة في أرض العرب والمسلمين.. بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م التي اتهمت فيها بعض الشباب العرب بتلك التفجيرات لبرجي التجارة العالمية في نيويورك.. ووزارة الحرب في واشنطن.. ومع أن العرب قالوا يومها، بكل لسان؛ إن هذا العمل مدان ولا يمثل قيم العرب والإسلام.. إلا أن أمريكا أصرت على شن حرب ضروس لا مبرر لها ضد العرب، حتى وقع من جيشها في سجن (أبوغريب) في بغداد عمل أخس وأقذر مما حدث ضدها يوم 11 سبتمبر.
لسنا نحن الذين قلنا بهذه المقارنة.. ولكن الذي قالها هو (الفاتيكان) الذي يمثل المرجعية الرئيسة للديانة النصرانية (الكاثوليك).. وإذن فهي من باب {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا }.
حبذا لو (نوّرنا) (باول) بمثال واحد.. وواحد فقط.. يثبت أن أمريكا (أمة عادلة).. وهو لن يجد ما يدعيه.. ولكننا؛ رحمة به، مستعدون لمساعدته على إبراز عدالة أمريكا.. عن طريق تذكيره بأمثلة يسيرة وقليلة.. مما يحفل به تاريخها (الأبيض - بياض) جلد مطربهم (جاكسون) بعد أن قشر جلده الأسود ليكون أبيض.. فعاد (بقباحة) متناهية ومقززة ومقرفة..!!
إن سواد البشرة ليس قبحاً.. وإنما القبح سواد القلوب، والأقوال والأفعال.. والتي أنهكت منها أمريكا حتى الثمالة.. فهل هذا هو عدالة الأمة الأمريكية التي يدعيها كولن باول..؟!
وإذا كان باول قال هذه العبارة دون أن يحسب لها حساباً من الواقع فإن تاريخ بلاده سوف يصفعه صفعة موجعة. قد تعيد إليه وإلى كل أمريكي رشده وعقلانيته.. إن كانت لديه بقية من ضمير لم (تتلوث) بجرائم اليهود الصهاينة والمسيحيين المتصهينين..!!
ولمساعدة باول على استحضار أمثلة قليلة تساعده على إثبات مقولته: في أن أمريكا أمة عادلة! نورد الآتي:
1 - من عدالة أمريكا قبل (200) سنة أنها قتلت الشعب الأمريكي (الأصيل) شعب الهنود الحمر.. وقضت عليه جسداً وروحاً، ووطناً ولغة، وثقافة.. ربما رحمة به ليستريح من عناء الحياة مع الغزاة الجدد..!!
2 - أنها استقدمَتْ ملايين الأفارقة السود من بلدانهم قسراً واغتصاباً لتسخرهم تحت العذاب وسلاسل الحديد.. لخدمة الرجل الأبيض في مشاريعه الزراعية والحيوانية.. وغيرها من أعمال السخرة والإذلال اللاأخلاقي. وهذا نوع من (العدالة الأمريكية)! والمسلسل التمثيلي (الجذور) الذي أذيع من سنوات ،شاهد على هذه العدالة..!!
3 - أما في الشرق العربي الإسلامي الذي سموه فيما بعد (الشرق الأوسط) فيكفي أمريكا شرفاً وعدالة أنها زرعت (النبتة الخبيثة) في هذا الشرق العربي الإسلامي.. لتفعل مع هذه النبتة اليهودية ضد الشعب الفلسطيني ما فعلته مع شعب أمريكا الأصيل وهم الهنود الحمر.. حذو النعل بالنعل..
فكما أن الشعب الأمريكي الحالي هو شعب آفاقي تلفيقي.. فليكن من (العدالة الأمريكية) أن تشرد الشعب الفلسطيني الأصيل من بلاده لتحل محله شعباً آفاقياً تلفيقياً.. ذلك أن اليهود والنصارى {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض} كما أخبرنا الخبير العليم بذلك في كتابه العزيز.
4 - ومن العدالة الأمريكية غير البعيدة عن أذهان العالم حتى الآن حربها الظالمة الخاسرة في (فيتنام) حيث قتلت من الشعب الفيتنامي قرابة مليون شخص.. وكان من عدالتها في تلك الحرب أنها تبلغ قادتها في الميدان بألا يأخذوا (أسرى) بل يجب عليهم أن يقتلوهم فوراً.
5 - أما ما فعله جيش (الأمة الأمريكية العادلة) في سجن (أبوغريب) من وحشية.. فاشية؛ وقذارة.. وإهانات مبتكرة لم تسبق إليها في العالم.. فحدث عن هذه (العدالة) ولا حرج. وعليه فإن وزير الخارجية الأمريكية يريد من العرب والعالم أن يصدقوا بأن ما فعله الجيش الأمريكي بالسجناء العراقيين لا يمثل القيم الأمريكية!. وكأن هذا أول جريمة وفضيحة ترتكبها بلاده ضد العرب والمسلمين والعالم بعامة.
ويريدنا أن نكون (ظباء) تكذب عيونها.. وتصدق أنوفها..!!
فما نراه من جرائم شارون وتأييد أمريكا لهذه الجرائم في فلسطين يستعصي علينا أن نصدق مقولة باول.. أو نؤمل من رئيسه أي التفاتة للحق والعدل.. فأمريكا (أيٌّ كذا خلقت)!
وهل من أمل في أن تحاسب أمريكا نفسها على ظلمها للعرب والمسلمين وطغيان قوتها على شرفهم وقيمهم.. قبل أن ينزل الله عليها عذابه الذي لا يرد عن القوم المجرمين..؟!
|