إن أي جهاز أو قطاع حكومي، ومهما كانت الرسالة الملقاة على عاتقه، سواء كانت رسالة خدمية أو اجتماعية أو غير ذلك، لا أدري لماذا تنحصر مفاهيمنا حول الخدمات المفترض تقديمها للمجتمع والتي لا تأتي إلا في نطاق ضيق للغاية والمتمثل ذلك في أن دور هذه الوزارة أو تلك الهيئة هو ما يعبر عن أداء رسالة معينة محدودة الخدمة، فعلى سبيل المثال نلحظ أن مفهومنا لدور وزارة العمل ومنذ أن كانت تشترك في عطائها الخدمي مع قطاع الشؤون الاجتماعية في فترة ماضية امتدت إلى قرابة أربعة عقود وحتى الآن عندما استقلت وأصبح عطاؤها يمثل مهام العمل والعمال فقط، لا يزال مفهوم غالبية الناس -إن لم يكن جميعهم- هو أن خدمات هذه الوزارة منصبة نحو خدمتين فحسب، تتمثل الأولى في قيام الوزارة بإصدار تأشيرات العمل، والأخرى حول النظر في قضايا العمال مع أصحاب العمل، وهذه النظرة لا يجب ان تكون سليمة وصحيحة، والتي أوجدت لنا جميعاً منعطفا غير صحي، عندما لا نعرف عن عطاء هذه الوزارة إلا تلكما الخدمتين من أصل أكثر من خدمة ومتابعة، فوزارة تم إصدار نظام متكامل لها، ورسمت لها خطوط رئيسة، وأعد لها هيكل تنظيمي ، وتفرع من ذلك عدد من الوكالات الإدارية منها والفنية، واندرج تحت ذلك العديد من الإدارات، في الوقت الذي فيه الوزارة تمثل البلاد في محافل دولية وإقليمية، إضافة إلى مشاركتها المحلية خدمة لمجتمعها، فبكل هذه الواجبات وبجانب ما هو مفترض أن يقدم من عطاءات متعددة، لا يزال يعرف عن هذه الوزارة ان عملها منحصر فقط فيما يتلق بإصدار تأشيرات العمل وايجاد الحلول المناسبة لقضايا العمل والعمال في البلاد، لاشك ان ذلك اعتقاد خاطئ ونظرة تجعل من قطاع عام وكبير يشرف على شؤون وشجون وقضايا العمل والعمال في البلاد، من انه لم يؤسس إلا لهذين الهدفين، واللذين بالإمكان ايجاد هيئة أو مصلحة صغيرة وبحجم تأسيس أي مكتب عمل وعمال القيام بهذا الدور الإداري والقانوني، فوزارة العمل حينما تأسست كان لتأسيسها أهداف كبيرة وجليلة، ومن ذلك العديد من الواجبات والنشاطات الواجب ممارستها ما بين الوزارة والمستفيدين من خدماتها، فربما المسؤولون وبقية العاملين في الوزارة في الفترة الماضية لم يسعوا إلى الإتيان بمبادرات أساسية نحو الدور الوطني المتكامل المنوط بوزارتهم، من ناحية إحداث إدارات تختص بالتخطيط والدراسات لقضايا العمل والعمال وإدارات تختص بتقديم الاستشارات الفنية والاجتماعية لقضايا العمل، وإعداد برامج حول كيفية التخلص من العمالة الوافدة بشكل تدريجي، ومن خلال سياسة آخذة النهج العلمي في العطاء بعيداً كل البعد عن عشوائية الطرح والتنفيذ التي تضر أكثر مما تنفع، وكذا تلقي الاستفسارات والآراء من الغير والرد عليها، سعياً في إيجاد قناة اتصالية منظمة مع كافة فئات المجتمع أفراداً وهيئات، فضلا عن وجوب تقديم المشورة لأصحاب العمل عن كيفية بناء منظومة عمالية مدروساً داخل منشآتهم، استنادا إلى حجمها ورأس مالها، فبُعد الوزارة عن ايجاد مثل هذه الخدمات، جعل من غالبية الناس لا يعرف عنها سوى دورها المتمثل في تقديم الخدمة لهذين الموضوعين وهما (إصدار تأشيرات العمل وفض النزاعات العمالية)، حتى ان دور الوزارة الخارجي في منظمات العمل الدولية منها والعربية لا يعلم أصحاب المنشآت الاقتصادية في البلاد عن دورهم أو حاجتهم أو حتى مدى استفادتهم من تلكما المنظمتين، وإن كان هناك من تمثيل بسيط ومتواضع من خلال من يسمون أنفسهم للأسف الشديد ممثلين عن القطاع الخاص في تلكما المنظمتين، والذين لم نستفد من مشاركتهم تلك أي شيء يذكر حتى يومنا هذا، ولهذا نطمح من الوزارة ان تكون أكثر قرباً للقطاع الخاص في تقديم مفهوم الاستشارات العمالية من نواحٍ عدة، وان تسعى الى محو النظرة التقليدية التي عرف عنها كوزارة متخصصة في مجال وظيفي محدد ومحدود العطاء، وان تسعى أيضا الى تأسيس إدارات تختص بالقيام بدور فعال نحو تقديم خدمات نوعية لقضايا وأمور العمل والعمال وذلك تحت ما يسمى بالخدمة المجتمعية أو التواصل المجتمعي, مع المساندة الفعلية تجاه كافة أفرع القطاع الخاص, والا تعتقد الوزارة هنا ان دور الغرف التجارية أساسي في ذلك فالغرف التجارية ومجلس الغرف لايزالان بعيدين كل البعد عن روح التعاون مع القطاع الخاص بشكل كبير فيما يتعلق بقضايا الموارد البشرية بمفهوم علمي وعملي منشودين، ولهذا لابد للوزارة ان تسعى نحو الرقي في بناء علاقات وطيدة وإجراء تغييرات نوعية في خدماتها الواجب الإتيان بها، تجاه كافة فئات المجتمع بمفهوم عصري.
الباحث في شؤون الموارد البشرية
|