أججت العمليتان الفدائيتان اللتان أسفرتا عن مقتل أحد عشر جندياً إسرائيلياً في قطاع غزة، حالات الغضب والإحباط، فضلاً عن الحزن الذي يطغى في مثل هذه الحالات على عوائل القتلى، وهذا ما زاد من حِدة المطالب بخروج سريع للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ولم تقتصر المطالبة على شيمون بيريز (ثعلب السياسة الإسرائيلية)، رئيس حزب العمل، ولا بيلي موسكونا لارمن مدير مكتب إسحاق رابين على الكتابة للصحف للمطالبة بسحب القوات الإسرائيلية بأسرع وقت من قطاع غزة لأنه وكما كتبا في صحيفة معاريف أن (الحقيقة الواضحة البيّنة التي يعمى عنها متخذو القرار في إسرائيل ويغطون عليها بجدالات عميقة لا تنتهي هي أنه لا يوجد للإسرائيليين ما يبحثون عنه في قطاع غزة ويجب عليهم الانسحاب السريع من هناك).
ويذهب شيمون بيريز إلى أبعد من ذلك في مطالبته لحكومة شارون بأن تستقيل إن لم تحسم الأمر وتُخرج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، إذ يقول في مقال له في صحيفة يديعوت إن (الامر الأكثر لزوماً الآن هو حسم وطني، جدي ومسؤول، وإذا لم تكن هذه الحكومة قادرة على أن تقرر فعليها أن تقرر تسليم الحسم من جديد إلى الشعب والتوجه إلى الانتخابات، وعلى الجدالات الداخلية ان تنتهي بالحسم.. وانا أدعو الحكومة إلى أن تستخلص النتائج من الوضع.. إما الحسم أو الاستقالة).
هذا قول زعيم المعارضة الإسرائيلية، وأكثر قادة إسرائيل دهاءً وخبثاً في الوقت الحاضر، وهو قول يجد تأييداً وصدى كبيراً في الكيان الإسرائيلي فقد شهدت تل أبيب يوم السبت تظاهرة ضمت مئة الف متظاهر يطالبون بالانسحاب السريع من قطاع غزة.
وقد ترجمت أورنا شمعوني من مؤسسات (أربع أمهات) ووالدة الملازم أيال الذي قُتل في جنوب لبنان والتي قادت التظاهرات ونظمت مؤسسات (أربع أمهات) والتي أدت أعمالها إلى سحب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.
هذه المرأة عادت للواجهة من جديد وأخذت تخطب وتكتب ولا همّ لديها إلا أن يخرج الإسرائيليون من غزة.
وآخر ما كتبت في يديعوت مقالاً بعنوان (فلنخرج من غزة مثلما خرجنا من لبنان) تقول فيه: كابوس القتل يطاردني 18 سنة في لبنان ومنذ أكثر من ثلاث سنوات من الانتفاضة..قواي النفسية آخذة بالنفاد منذ يومين، منذ أن علمت بموت ستة من جنود جفعاتي وأنا أشعر بألم فظيع.. المشاهد التي رأيتها كأُم ثكلى تعود من جديد، وأشعر الآن بقرب هائل من عائلات القتلى.. ليست لدي كلمات مواساة.. الآن يجب ببساطة الجلوس والحديث والبكاء على الموتى.
ليس هذا هو زمن إيضاح السياسة، ولكن على مدى كل الانتفاضة كنت مع أن نحدد خط حدود واضح، يكون متناسباً مع مصالحنا.
كان يجب الخروج من غزة حتى قبل الكوارث الأخيرة, تماماً مثلما خرجنا من لبنان.. بالإجمال يوجد وجه شبه بين الوضعين، كما يوجد فارق هام في شكل وجود 200 ألف من السكان اليهود في المناطق على مدى ثلاثة أجيال.. هذه المرة يوجد جدال أيديولوجي لم يكن في حينه.. بودي أن أقنع السكان في المناطق بأنه من أجل أن نبقى دولة يهودية علينا أن ننطوي ضمن حدود نكون فيها الأغلبية، وعليه يجب الخروج من غزة كي نقرر حدود الدولة للأجيال.
أنا لا أستخف من الأثر النفسي الذي كان لخروج الجيش الإسرائيلي من لبنان, وحتى لو بدا الانسحاب من غزة كضعف من جهتنا, فينبغي أن نرى فيه تعبيراً عن طريق واضح, وان نأخذ مصيرنا في أيدينا.
انتهى مقال أورنا والذي يُظهر أن الإسرائيليين ساسة وكتّاباً ونساءً ومتظاهرين كلهم يسعون ويطلبون الهرب من غزة.
|