*إبراهيم المعطش:
بينا ظل الدخان الذي خلفه برنامج ستار الأكاديمي عالقاً في سماء الأوساط الإعلامية، كونه كان برنامجاً مثيراً للجدل ، وفي الوقت الذي ما زال الحديث دائراً عن ظاهرة هذه البرامج الغريبة والمريبة.. أطلت علينا ذات القناة ، وفي نفس الموقع ببرنامج آخر لا يقل سخرية ، وانصرافية وعدم موضوعية عن سابقه الذي لم يبك على ذهابه أحد رغم أنه سيعاود في دورات قادمة.
البرنامج الجديد الأكثر إثارة للجدل الذي بثته نفس القناة اللبنانية ، هو برنامج ملكات جمال لبنان ، الذي يشترك مع سابقه (ستار أكاديمي) في كثير من التفاصيل.. فهو يقوم على مشاركة ست عشرة فتاة يتسابقن للفوز بملكة جمال لبنان ووصيفتها ، وطريقة المسابقة لا تختلف كثيراً عن (ستار أكاديمي) فهو يتم عبر ترشيح المشاهدين ولجنة الاختيار ، وفي كل أسبوع يقام حفل تخرج من خلاله إحدى المتسابقات من المنافسة ، حتى يرسو الأمر في خاتمة مطافه على الفتيات الثلاث الفائزات ، وذلك بعد خمسة وأربعين يوماً من بداية البرنامج.
المتسابقات يخضعن لبرنامج متنوع وفق جدول ثابت وتسلط عليهن الكاميرات على مدار الأربع وعشرين ساعة ، فهن تارة يمارسن الرياضة بمختلف ضروبها ، وتارة يمارسن المشي بطريقة خاصة تظهر ما تحت مفاتن المرأة ، وتارة يقمن بعرض الأزياء وهي أيضاً طريقة تحمل ألف مغزى ومغزى ، وهذه الممارسات تتم في نفس المبنى الذي خصص لبرنامج (ستار أكاديمي) مع بعض التعديلات وإدخال تغييرات في الديكور.
ما أُخذ على (ستار أكاديمي) خروجه على الأعراف الإعلامية وانتهاجه سلوكيات غريبة لا تناسب واقع الحياة العربية الإسلامية بموروثاتها الحضارية والثقافية ، ومفاهيمها الراسخة كون البرنامج يدعو إلى الانحلال أكثر من إنجازه الفني والإبداعي والإعلامي ، واعتبره البعض لعنة الإعلام العربي وأنه وصمة عار في جبين الفضائيات العربية التي تنطلق بلا ميثاق شرف ، ولا حتى الحد الأدنى من الثوابت والقواعد الإعلامية.
فإذا كانت الرياضة لها لوائحها وأصولها ، وكذلك السياسة والفن والأدب وغير ذلك.. فما هي المواثيق والثوابت والأسس التي ينطلق منها الإعلام العربي الذي صار يأتينا بين كل فترة وأخرى ببرامج ممسوخة يندى لها جبين المشاهد فكيف بالمنتج ؟!
البرنامج الجديد الذي حل محل (ستار أكاديمي) لا يقل عنه سطحية وخواء ، وإغراضاً وبعداً عن واقع المشاهد العربي أينما وجد ، بل أخذ كل سيئات البرنامج السابق وطورها في الاتجاه السلبي.. فعندما تضغط على زر جهاز التحكم عن بعد لمشاهدة البرامج على فضائياتنا العربية ، وتقع عينك على مشاهد من هذا البرنامج ينتقل خاطرك إلى عالم آخر خارج خريطة الوطن العربي ، فتجد نفسك أمام فاتنات كاسيات عاريات مائجات في حركة جيئة وذهاباً.. حريصات على إبراز أكثر مناطق جسدهن حساسية وأكثرها عورة ، وهو أكثر ما تحرص الحرة على صونه وعدم إظهاره حتى بين أفراد أسرتها ، ناهيك عن التبجح والتفاخر بإبرازه أمام ملايين المشاهدين من عرب وأعاجم ، وكأن هذه الأجساد هي الأرخص وهي التي لا حرمة لها ولا عليها ، ولا بأس من أن يراها ويستمتع بها كل من هب ودب .
حركات غريبة ، وصور مثيرة ، ومشاهد تستفز كل من لديه مثقال ذرة من النخوة والإحساس بالعرض وبخصوصية المرأة وحرمة وقداسة جسدها بكامله ، ابتداء من أظافرها وحتى أطراف ثوبها.. لكن المشاهد التي تفاجئك في برنامج ) MISS LEBANAN) لا اعتقد أن فيها شيئا يسمى ملابس على الأخلاق ، بل أجزاء من ملابس.. كل هذا حرصاً على الفوز والشهرة والكسب المالي.
أما العرض والجسد والعفة والصون فلا مكان لها في هذا البرنامج..!!
هذه السلوكيات الشاذة عن النهج الإعلامي الاحترافي الرصين التي باتت تحاصر واقعنا الإعلامي ، تشكل خطراً ماحقاً على مستقبل التوجه الإعلامي في ظل العولمة ، وفي ظل تنامي حركة التقنية والاتصال العالمي. وتضع منظومة من التساؤلات التي ظلت تسيطر على خواطر العديد من المشاهدين والمراقبين على حد سواء ، وأول تلك التساؤلات تدور حول الأصابع الخفية التي تدير مثل هذه البرامج ، وتلعب بمشاعر الفتيات وهن في سن المراهقة والشباب وإغوائهن ، والتغرير بهن للوصول إلى هذه الجرأة التي تجردهن من معاني وقيم الحياء والخصوصية.. وتوهمهن بهذه المفاهيم والاهتمامات الانصرافية.. وكأننا ليست لدينا مشكلة أو قضية غير التفنن في أساليب التفسق والانحلال والسفور وإلهاب المشاعر بطرق غير كريمة ؟.. وما هي الجهات الممولة لهذا العمل المكلف والكبير الذي تسلط على شباب وشابات العالم العربي والإسلامي كسلاح هادم وملهٍ ، وقاتل لكل الاهتمامات الواقعية والأساسية، ولماذا تحصر مثل هذه القنوات دور الفتاة في الفتنة والإثارة وعرض الأزياء وعرض الجسد بهذا الابتذال الرخيص ؟.. في حين أن المرأة أثبتت قدرتها على تحمل المسؤولية في ميادين عديدة مؤكدة نجاحها ووعيها.!!
ولماذا تكثيف مثل هذه البرامج في هذا الوقت بالذات ، الذي تعاني فيه الأمة أكثر من محنة وإحباط ومؤامرة واستهداف.. وبلايا!!
هذا بالطبع يعطي انطباعاً بأن الأمر لا يخرج عن كونه مؤامرة لا تنفصل عن سلسلة المؤامرات السياسية ، والأمنية والاجتماعية والثقافية والإعلامية التي تتعرض لها الأمة ، وكلها تمثل شبكة لاصطيادنا وخصوصاً الشباب من الجنسين، وإلى متى تظل هذه المهازل تنال منا أعز فئات المجتمع.. وما المغزى من هذا الإصرار على عرض مثل هذه البرامج التي يبدو ضررها وهدمها واضحاً للعيان ، وما البديل الذي نتوقعه لتغيير هذا الواقع المؤلم المخزي ، وما هي رسالة الإعلام العربي.
إن ما يعرض باسم هذه البرامج في الحقيقة يمثل امتهاناً لكرامة الفتاة العربية ، واستخفافاً بعقلها، وتحقيراً لدورها ورسالتها الإنسانية.. فلماذا ثارت ثائرة الناس من مختلف المستويات والفئات عندما ضربت المرأة على وجهها.. بحجة حمايتها من العنف الأسري.. ولم يحرك الناس ساكناً.. وهي تضرب في كرامتها وفي عفتها وفي عرضها ، وفي شرفها أمام الملايين من المشاهدين وعلى الهواء مباشرة ، بل ولعدة أسابيع يعقب ليلها نهارها؟ ، أيهما أهون أن تضرب المرأة جسدياً أم معنوياً ؟.. وأين الضمير المهني والأخلاقي أمام الاستخدام السيئ للمرأة في وسائل الإعلام ؟! وتوظيف جسدها ومفاتنها لتسويق برامج خاوية جوفاء بائرة ؟ ترى هل هو إعدام للحياء والأخلاق علناً وأمام مرأى ومسمع العالم ؟
وأخيراً هل هنالك مسؤولية إعلامية للقنوات الفضائية العربية أو حدود عرفية ، أم أن الأمر مطلق كل قناة تبث ما يحلو لها وان كان خادشاً لمشاعر المشاهدين ومشاعرهم ؟!
|