هل للمرأة حضورها في الأدب العربي كالرجل؟ وهل تفوقه أو تقل عنه في المستوى الأدائي للأدب؟ وما السر وراء عدم اشتهار المرأة شاعرة وناثرة في أدبنا العربي القديم فيما عدا الخنساء وأسماء معدودة جداً في أدبنا الحديث؟
طبعاً هذه أسئلة كبيرة والإجابة عنها ستكلف جهداً ووقتاً كبيرين للوصول إلى نتائج مقنعة ومرضية.
واسمحوا لي أن أنقل ما سمعته من بعض الأدباء والدارسين وبعض محرري ملاحق أدبية في إحدى المجلات، وذلك في برنامج أدبي في قناة فضائية دون ذكر الأسماء، حيث اتفقوا مجتمعين على أن المرأة لم تستطع أن تصل في إبداعها الأدبي إلى مستوى الرجل، ويكفي المرأة أنها ملهمة الشعراء والمبدعين على مر العصور، وقال أحد المشرفين على ملحق أدبي في إحدى المجلات (إنه من عادته حينما يقرأ شعراً إذا أعجبه شيء وضع تحته خطاً، وانه قرأ ديوان الخنساء كاملاً فلم يضع خطاً إلا تحت أبيات قليلة جداً) أقول: عجبا وألف عجب، الخنساء ليس في شعرها ما يعجب وما يبهر إلا القليل!! أليست الخنساء تلك الشاعرة العربية التي فضلها النابغة في شعرها على الأعشى وحسان بن ثابت؟! أم أن الأعشى وحسان ليسا من فطاحلة الشعر العربي؟! والنابغة فحل من فحوله، والخنساء التي أنشدت النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - شعرها واستنشدها عليه السلام؟!، وإنني أتساءل عن الشيء الذي استند إليه هذا الأستاذ الفاضل في تقديره لهذا الشعر، هل استند فقط على مجرد الانطباع أم على تجريب أدوات نقدية أصيلة؟!، والحقيقة أن هذه المقولة شجعتني على كتابة دراسة بلاغية عن إحدى قصائد الخنساء، وأحمد الله على إتمام هذه الدراسة، وبالتأكيد انني لم أصل إلى كل ما يمكن أن يستكشفه الدارس المحنك لأنني مبتدئة في هذا المجال، أعود لصلب الموضوع وأقول: ما السر وراء تفوق الرجل أدبياً - إن صحت هذه العبارة - مع أن المرأة أنبل شعورا وأكثر تدفقاً للعاطفة، ولا تنقص في قدرتها العقلية عن الرجل في شيء؟ لكن السؤال الملح لماذا لم يكن لها حضورها في المشهد الأدبي العربي القديم خاصة كالرجل؟، ونجد مثلاً نماذج لشاعرات تفوهن شعراً في عدد كبير جداً من مصادر تراثنا العربي بعامة مثل كتب التاريخ كأسد الغابة لابن الاثير، وتاريخ الطبري وغيرها، وكتب السيركالسيرة النبوية لابن ناصر الدمشقي وغيرها وكتب الأعلام مثل: سير أعلام النبلاء للذهبي، والإصابة في تمييز الصحابة لشهاب الدين العسقلاني، وكتب اللغة والأدب مثل: تاج العروس من جواهر القاموس الزبيدي، وخزانة الأدب، ولب ألباب لسان العرب للبغدادي، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والكامل في اللغة والأدب للمبرد، والبيان والتبين للجاحظ وغيرها، هذه المصادر وغيرها رجع لها أحد الدارسين المحدثين في كتابة (شاعرات في عصر النبوة) وهو الدكتور محمد التونجي، وهذا الكتاب على أهميته إلا أنه اكتفى بذكر اسم الشاعرة ونموذجا أو أكثر من شعرها فقط، وكنت أتمنى لو نفذ المؤلف إلى استظهار جماليات هذا الشعر، الحقيقة أن السبب في عدم اشتهار المرأة الأدبية قديماً أسباب عديدة، منها اجتماعية وهي أن المرأة محصورة في البيت لا تكاد تخرج وتختلط بما يمكن أن يحفظ شعرها وينقله، والسبب الآخرالذي ربما تثبته الدراسة أو تنفيه أن المرأة لم تعط حقها في إظهار شعرها وابداعها عبر منابر تناسب وضعها الاجتماعي، وبالتالي لم تجد الأسماء النسائية المذكورة في مصادر تراثنا من ينقل ويحفظ عنها كل ما أنتجته، لذلك كان الاستشهاد قاصراً على نماذج قليلة جدا أضف إلى ذلك ان بعض مؤرخي الأدب كالاصفهاني في الأغاني شوه شعر بعض الشاعرات مثل ولادة بنت المستكفي حيث ذكر أنها كتبت على طرف ثوبها أبياتا لا أظنها تتناسب مع حياء المرأة العربية والمسلمة، ولا تتناسب مع وضعها الاجتماعي كابنة لخليفة عربي أندلسي، وأعتقد أن نصيب المرأة الأدبية في أدبنا الحديث من إعطاء الفرصة لها وتسليط الضوء عليها أكثر لعدة أسباب، ومنها: استطاعة هذه المرأة من نشر إبداعها الأدبي بطرق عديدة سواء في شكل إصدارات أدبية أو عبر الصحافة ووسائل الإعلام حتى نسب لشاعرة كنازك الملائكة أنها أول من ابتدع شعر التفعيلة في شعرنا العربي الحديث، وإن كان هناك من الدارسين من يرى أن علي أحمد باكثير كان سابقا لها في ذلك، واشتهر في النثر كاتبات مثل مي زيادة، وغادة السمان واستطاعت المرأة في أدبنا العربي السعودي أن تثبت جدارتها في أكثر من جنس أدبي، وإن كان هذا الإثبات ربما جاء متأخرا قليلاً لعدة أسباب، وساعدت في وسائل الإعلام ودور النشر والأندية الأدبية على تقديم إبداعها للقارئ العربي، وفازت بعض الأديبات بجوائز في كتابة المقال والرواية وغيرها، ومع ذلك لا يزال هناك نظرات قاصرة من بعض المهتمين بالشأن الأدبي تجاه أدب المرأة كما ذكرت في أول المقال.
وفي الختام: أدعو بنات جنسي خاصة إلى الالتفات في دراساتهن وأبحاثهن العلمية للماجستير والدكتوراه إلى أدب المرأة العربية قديماً وحديثاً، ولهن الحرية في ذلك، وقد يعتبر البعض هذا نوعا من التعصب، لكني أرى أنه حق للمرأة المبدعة شاعرة كانت أم ناثرة، لأنها بالتأكيد لم تأخذ حقها كاملاً، وسيجد الدارس عندها عاطفة وفكراً وفناً أدبياً يستحق الدراسة.
جامعة أم القرى
ملاحظة :أرحب بانطباعاتكم واقتراحاتكم وملاحظاتكم مع وافر الشكر
مكة المكرمة 1655 فاكس 025583749 |