*عبدالكريم إبراهيم السمك:
شيخ من شيوخ الصحافة، ومؤرخ أثرى مكتبة التاريخ العربي والإسلامي بأكثر من أربعين كتاباً، فاستحق أن يكون بثراء عطائه رجل الصناعتين، الصحافة وصناعة التاريخ وتكوينه، ذلك هو الصحفي والمؤرخ أمين سعيد، الذي يقرأ الزائر لمعرض القدس الشريف وفلسطين اسمه في عداد المشاركين بنوادر المعروضات التي تؤكد وتوثق إسلامية وعروبة القدس وفلسطين.
فإلى أصحاب القلم من أهل الإعلام والصحافة في هذه البلاد الحبيبة، أقدم لكم بطاقة تعريف وتعارف لعلم من أعلام الصحافة، وشيخاً من شيوخها، كي يكون لكم قدوة خير في خدمة أمتكم وبلادكم ونصرة اخوانكم كي يذكركم التاريخ كما يذكر أمين سعيد اليوم، عندما تجاوز في خدماته حدود انتمائه الاقليمي، وسما في عالم الصحافة والإعلام مدة تزيد على الستة عقود فحظي بتكريم العلماء والأدباء والمؤرخين، كما نال المنزلة الكريمة لدى الساسة والحكام وخاصة منهم شهيد القدس الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي أنزله المنزلة اللائقة فيه، عندما استضافه مقيما بجواره، وذلك قبل وفاته - أي أمين سعيد - بسنتين.
مولده ونشأته ووفاته
ولد أمين سعيد بمدينة اللاذقية سنة 1891م ونشأ في بيت صلاح وتقوى فوالده الشيخ محمد سعيد رحمه الله، أنشأ جريدة اللاذقية سنة 1908م وجريدة العربية سنة 1913م ولذلك فهو من الرعيل الأول في بناء ونشأة الصحافة في بلاد الشام، توفي أمين سعيد في 26 تموز 1967م في لبنان، وبتكليف للسفارة السعودية بدمشق من الملك فيصل بن عبدالعزيز تم نقل جثمانه إلى دمشق لدفنه فيها.
أساتذته في الصحافة
يعتبر أمين سعيد في نشأة علم الصحافة وفنونها في عالمنا العربي، من أبناء الجيل الثاني، فقد عاش وأدرك الجيل الأول، وتتلمذ على أيديهم، فكان معلمه الأول والده الشيخ محمد سعيد صاحب جريدتي (اللاذقية 1908م - والعربية 1913م)، وفي بيروت تتلمذ على يد خليل سركيس صاحب جريدة الحياة، وفي دمشق تم انتدابه للعمل في جريدة الشرق الرسمية للدولة العثمانية، مع كل من الشيخ عبدالقادر المغربي، والأمير شكيب ارسلان، وكذلك عمل في دمشق مع محمد كرد علي واخيه احمد في جريدة المقتبس، وفي القاهرة عمل مع يعقوب صروف وفارس نمر، بعد طرد وملاحقة الفرنسيين له من دمشق، بقصد اخراجه من دمشق ليعود إلى موطنه اللاذقية، لكنه قصد مصر ليلحق بركب اخوانه الوطنيين.
وقد عاش في مصر مدة سبعة عشر عاما منفيا فيها مارس فيها نشاطه الصحفي وكتابة التاريخ العربي والإسلامي بحيث بلغ مجموع ما كتبه في مصر أكثر من عشرة كتب.
أمين سعيد رجل الصناعتين (الصحافة والتاريخ)
اختار أمين سعيد مصر موطن هجرة له كي يتمكن من ممارسة نشاطه في خدمة قضايا أمته، فمع نشاطه الصحفي وبعد ان قام بزيارتين للحجاز سنة 1928 - 1930م والعراق سنة 1933م، وفي هذه الزيارات جمع ما استطاع جمعه من وثائق ومكاتبات، ليخرج بعد ذلك بمفاجأة فاجأ بها الجميع في إصداره كتابين عظيمين، نال بهما أسمى آيات التكريم والتقدير وهما كتاب الثورة العربية الكبرى، وكتاب ملوك المسلمين المعاصرين ودولهم، كما أصدر سنة 1935م سلسلة كتب في التاريخ الإسلامي عرفت ب(تاريخ الإسلام السياسي - نشأة الدولة الإسلامية) وفي سنة 1938م أصدر سلسلة من خمسة كتب تحت عنوان (في تاريخ العرب القومي، وتوج هذه الكتب بكتابه (مأساة العرب الكبرى أو مأساة الشريف حسين) وقد وجدت هذه المجموعة من الكتب قبولاً في قلوب الساسة والحكام، بعد أن لمع اسمه في عالم الصحافة والفكر، ليستحق بجدارة ان يحمل لقب صاحب الصناعتين، صناعة الصحافة، وصناعة تكوين التاريخ، فما كتبه في مادة التاريخ العربي والإسلامي، كان لبنة من لبنات بناء وتكوين تاريخ العرب الحديث والمعاصر، فبعد تجربة العرب في خروجهم على العثمانيين وما لحق بهم نتيجة هذا الخروج، وكان قد شاهد قواعد البناء والإصلاح في الحجاز بعد توحيده بنجد، فقد أوقف قلمه لمساندة الملك عبدالعزيز في دولته الناهضة، بل وحتى معرفته بالملك عبدالعزيز وقف مساندا لمشروع الملك عبدالعزيز بتوحيد الحجاز بنجد، ويومها غدت القاهرة ميدان معترك إعلامياً بين المناصرين للإشراف، والمؤيدين للملك عبدالعزيز ودولته الناهضة من أمثال الشيخ كامل القصاب، ورشيد رضا والشيخ محب الدين الخطيب.
فقد استطاع امين سعيد من خلال رئاسته لجريدة المقطم قلب الوسط الإعلامي لصالح توحيد الحجاز بنجد، بعد أن استضاف الشيخ إبراهيم بن معمر الذي وصل القاهرة قادما من أوروبا، بعد تكليف الملك عبدالعزيز له، كوزير مفوض للقاء زعماء أوروبا واكتساب تأييدهم وان لم يتم ذلك فليكن كسب تحييدهم، وقد نجح ابن معمر الذي كان يحسن التكلم باللغة الإنجليزية، وكان تاريخ وصوله منتصف سنة 1925م.
المملكة العربية السعودية وصلتها بالقضية الفلسطينية
حظيت هذه القضية عند أمين سعيد بالاهتمام الكبير، فهو فيما كتبه في مادة تاريخ المملكة العربية السعودية، قد خص كل دراسة من هذه الدراسات بالقدر اللائق بها واهتمام صاحب الترجمة بها، فتجد مثل هذا الحديث عن قضية العلاقة السعودية الفلسطينية في كل من الكتب التالية: 1- الملك عبدالعزيز 2- الملك سعود 3- فيصل العظيم.
وما تحدث فيه في سياق كتب التاريخ العربي وارتباط المملكة في تلك الدراسات، وأمين سعيد الذي عاش وعرف الملك فيصل منذ سنة 1928م، في وفائه لأمته واخلاصه وحبه لفلسطين، فقد أفرد له بحثا خاصا عن اهتمام الفيصل بالقضية الفلسطينية، ودعمه لها، وفق ثوابت السياسة السعودية، فكانت مسيرة سلف لخلف، أما ما تناوله عن قضية هذه العلاقة في نشاطه وعمله الصحفي فقد كانت كما يلي:
1- جريدة الأردن: أصدرها أمين سعيد بنفسه سنة 1919م، وقد دفعه لتسميتها بالأردن صديقه المجاهد الفلسطيني سليم عبدالرحمن ردا على اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، والخاص بإقامة وطن يهودي على أرض فلسطين، وكانت غايته من ذلك تثبيت عروبة فلسطين، وهذه الجريدة من جانب آخر قد صدرت بهذا الاسم قبل تشكيل الأردن سياسيا وجغرافيا، وقد حوت نفائس الأخبار عن القضية الفلسطينية وتأتي أهمية هذه الجريدة في انها تزامنت في نشأتها مع مشكلة فلسطين في استعمار بريطانيا لها وإصدارها وعد بلفور.
فبلغ عدد ما صدر من هذه الجريدة من أعداد (196) عددا، وقد أغلقتها السلطات الفرنسية بعد دخولها دمشق.
2- جريدة أبو النواس العصري: أصدرها في سنة (1921م) وهي في لغتها ومسماها تحمل النموذج الهزلي من الإعلام الذي كان سائدا في بلاد الشام يومها لكن هذا النوع من الإعلام كان في لغته موجعا للاستعمار الأمر الذي دفع فرنسا بتوقيفها له، حيث لاحقته السلطات الفرنسية بعد ذلك فآثر الهجرة إلى مصر سنة 1922م.
3- مجلة الشرق الأدنى: صدر العدد الأول منها في يوم الأربعاء (1 اكتوبر 1927م - 6 ربيع الآخر 1346هـ)، اختار غلافها من اسمها الذي سماها فيه، فجعل خريطة الشرق الأدنى وأسماء دُوَلِهِ على الخارطة، فكانت الخارطة ذا بعد سياسي، بحيث ظهرت خارطة الشام موحدة بفلسطين وموصولة بالمملكة العربية السعودية، وبعد اتفاق (كلايتون) ممثلا لحكومته بريطانيا ونائبا عن إمارة شرقي الأردن، أُغلقت المجلة بضغط من الحكومة البريطانية على حكومة مصر، بعد العدد (69) ومما يشير إلى مصداقية هذا الأمر، هو صدور العدد (67) كآخر عدد وعليه خريطة غلاف الشرق الادنى، وفي العددين (68 - 69) كانا قد صدرا وعلى غلافهما صُورٌ ساخرة لشخصيات سياسية، حتى أسلوب الكتابة قد تغير في العددين الأخيرين وللبيان فهذه المجلة غنية في محتواها وخاصة في مادة تكوين التاريخ السعودي بعد توحيد الحجاز بنجد، وفيما يخص العلاقات السعودية بقضية فلسطين، فقد تناولت الموضوع هنا على هامش ثورة حائط البراق لسنة 1928م وفي هذه المجلة وفي العدد (34) منها خبر لقاء أمين سعيد بالملك عبدالعزيز في بيت الشيخ محمد نصيف، وعندما عاد إلى القاهرة بعد قضاء الحج، نشر في الأعداد التالية على ثلاث حلقات قصة رحلته إلى الحجاز، تحت عنوان (ستة أيام في الحجاز).
4- مجلة الرابطة العربية: أصدر أمين سعيد هذه المجلة بالقاهرة، وكان قد صدر العدد الأول منها في يوم الأربعاء (6 ربيع أول 1355هـ - 27-5-1936م) وقد تناولت هذه المجلة أخبار ثورة سنة 1936م بفلسطين وموقف السعودية منها، كما حوت هذه المجلة أخبار مؤتمر الطاولة المستديرة بلندن لسنة 1939م، ومشاركة الأمير فيصل بن عبدالعزيز نائب الملك في الحجاز ممثلا عن المملكة.
5- جريدة الكفاح: صدر العدد الأول منها في (24 تموز 1939م) عندما عاد إلى دمشق مع رفيق دربه الدكتور عبدالرحمن شهبندر، فهذه الجريدة عظيمة الأهمية لما تحتويه من نفائس الأخبار عن مواقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية وخاصة منها فترة حرب سنة (1948م) وقد عاشت هذه الجريدة من عمرها ست عشرة سنة، وصدر منها من الأعداد حوالي (6000) عدد وهذه الجريدة، ذاكرة تاريخ العالم في الحرب العالمية الثانية، وذاكرة تاريخ العرب وحروبهم مع اليهود، وذاكرة التاريخ السعودي في مواقفه الوطنية والعربية والإسلامية، وفوق كل ذلك صلة المملكة بالقضية الفلسطينية.
هذا ولابد من البيان والتنويه إلى أن جميع هذه الوسائط الإعلامية النادرة هي موجودة لدي، وتم عرضها باسم أمين سعيد في معرض القدس الشريف وفلسطين، ما عدا جريدة أبو النواس العصري، فهي الوحيدة المفقودة وقد فقدت بعد ملاحقة الفرنسيين له.
تنويه وبيان
ورد اسم الشيخ إبراهيم بن معمر في سياق المقال، فهو رئيس الديوان الملكي والوزير المفوض في سفارة السعودية في بغداد، وقائممقام جدة ووكيل وزارة الخارجية.
| 
