تلك المشاعر الجياشة التي ملأت الآفاق تعبر عن تقديرها وعرفانها، وقبل ذلك ومعه حبها لأمير الخير سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام جعلتني أتذكر صنفا من الناس رأيتهم بأم عيني يرفعون أكف الضراعة بقلوب صادقة، وعيون ساهمة إلى مولاهم الكريم ليشفي أميرهم المحبوب سلطان البر والخير.. أولئك هم الفئات المحتاجة التي امتدت إليهم يد المواساة والحنان والعطف والدعم السخي من هذا الأمير النبيل فقابلوا الإحسان عرفانا والدعم شكراً.
قال تعالى في كتابه العزيز: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177) سورة البقرة.. صدق الله العظيم، ميزان الثواب والعقاب هو الناظم الاجتماعي الأكثر حاجة وضرورة لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس، وهو شرعة الله منذ بداية الخلق، أنزلت في الكتب والرسالات السماوية على ألسنة الأنبياء والرسل توضيحا وجلاء لأهم مقوم للسلوك في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يقوم على أن ثواب فعل الخير وجزاءه هو الجنة، وعلى أن عقاب فعل الشر وجزاءه هو النار، وهذه مسألة أتصور أن لا خلاف عليها، ومن ذلك المؤسس الأول نشأت تلك المسألة في كل الدساتير والقوانين لكافة دول العالم، ولعل قانون حمورابي، والوصايا العشر هي الدليل على ذلك، ولكن يبقى السؤال الأهم وهو: هل تكفي مرغبات الدين أو تعليمات القوانين والدساتير في مسألة الثواب والعقاب كي تخلص المجتمعات من الخطأ والشر، وتصيرها إلى مجتمعات نموذجية كاملة ومتعاونة؟
نحن نتابع في كل يوم قضاة يفصلون في قضايا الناس، وأحكاما تصدر بحق هذا أو ذاك عقاباً على جرائم ارتكبت، وسجونا تغص بالمذنبين والمنحرفين عن الهدى، ونرى حروبا ومظالم وإرهابيين يعبثون بحياة وممتلكات الآمنين، فندرك بأن هذه القوانين والدساتير تنظم، ولكنها لا تستطيع أن تقضي على عبث المنحرفين في المجتمعات البشرية، والمسألة إذن تحتاج إلى أكثر من ذلك، بل إلى أهم من ذلك، ألا وهو الإيمان الراسخ في الشعور الذاتي لدى الفرد، بالوعي الحقيقي بالفصل بين الخير والشر، وبين الخطأ والصواب، والخوف من العقاب، والسعي إلى الثواب، وهذا الإيمان الذاتي هو الأساس في فهم المسألة برمتها، وهنا يأتي دور التربية منذ طفولة الفرد، مما لها كبير أثر في ترسيخ القيم النبيلة، وتأصيل الإيمان بقدرة الله وبتعاليمه المنزلة في كتابه الكريم، وفي سيرة أشرف الخلق خاتم الأنبياء سيد الرسل محمد عليه الصلاة وأفضل التسليم.
يقول الله في كتابه الكريم وهو خير القائلين: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ {6} فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} الزلزلة(8).. وعلى هذا الأساس المكين نستطيع أن ندرك تمسك المملكة برجالاتها منذ تأسست على يد وهمة صقر الجزيرة جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- طيب الله ثراه-، وعلى نهجه سار أبناؤه من الملوك العظماء الذين تولوا حكم المملكة وصولا إلى مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- حفظه الله-، وولي عهده الأمين رابط الجأش سيدي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وفارس الخير وأمير العطاء ذي الحكمة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وصاحب مكرمات الخير الواسعة، واجهة كريمة لأسرة حاكمة كريمة مخلصة تتوارث التمسك بثوابت الدين القويم، ومقومات الخلق الكريم والمحافظة على البهاء الإسلامي الحنيف في مسألة ضبط وتنظيم العلاقات بين الناس بما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات، وفي مسألة الثواب والعقاب، وهل من ناظم أقدر على ذلك من شرعة الله سبحانه وتعالى وسيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي وصفه الله بقوله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم.
ومن هذا المنطلق وعلى هذا الهدي، ومن قلب الفهم الحقيقي للدين الإسلامي الذي يقوم على أسس الأخلاق والمحبة والرحمة أجد المدخل للموضوع الذي أريد الحديث عنه، وليكن مدخلنا - الكاتبة والقراء الكرام - من بوابة الأرقام والإحصائيات الدقيقة التي تجريها مؤسسات خاصة عن عدد المعوقين مثلا وعدد الفقراء والمحتاجين، وعدد المشردين، حيث نجد أرقاما مخيفة حقا، وهي إضافة إلى ما تسببه لمن يعاني من ألم وشعور بالدونية والحاجة، فهي أيضا ظاهرة تسيء إلى المجتمع الذي يعيش بين ظهرانيه كم كبير من المحتاجين إلى رعاية وتأهيل، وفوق ذلك كله ما ينتج عن هذه القدرات المهملة غير الفاعلة والمحتاجة إلى رعاية وتفرغ من تأثير سلبي على اقتصاد الدولة، الذي سيتسبب في حال استفحال هذه المشاكل إلى الحد من انطلاقة التحديث وتأخر خطوات السعي إلى رفاهية المجتمع، ناهيك عن الحس الإنساني الذي يفترض أن يسعى إليه كل فرد لتحقيق مساواة مقبولة بين أفراد المجتمع الواحد.
وجميع هذه المعوقات هي ابتلاء من الله سبحانه، ولكن لا يمكن تجاهل أن لها أسبابا من صنع البشر مثل جنون الحروب، وتفشي ظاهرة الإرهاب والانحراف وسطوة الأقوى على الأضعف، ونحن في هذه المملكة الرشيدة العظيمة الممثلة لعرين الإسلام نسعد بأن الدولة تتعامل مع هذه المشكلات بحكمة وتخطيط، ولكننا لا يصح أن نغفل عن حقيقة مهمة هي أننا نعيش أيضا وسط العالم بكل ما فيه من إيجاب وسلب، إذ تسعى المملكة برجالتها وقوانينها وتعليماتها والمؤسسات التي تقيمها والمعاهد ودور الكرامات ومدن الخير، وبذل الأموال بسخاء ورصد الامكانات العلمية والبحثية واستيراد المهارات وعقد الندوات وتقرير الجوائز وبناء المصانع المتخصصة إلى المساهمة، ومحاولة التقليل من نتائج مثل هذه الظواهر الغريبة عن المجتمع الإسلامي.
ولكن السؤال الذي نقلبه دوما على جمر التساؤل فيؤرقنا هو: هل هذا الأمر بكل تداعياته يقع في مسؤولية الدولة حصرا؟ وما الدور المطلوب من الأفراد ولا سيما القادرون منهم؟ وهل حقق الأغنياء مفاهيم وآثار شرعة الله في مسألة الصدقات وإكرام اليتيم، وإرواء لهفة الملهوف، وإقالة العثرة؟ وأين التطبيق العملي لقول الله سبحانه: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (19) سورة الذاريات.. لقد وهب الله الناس كل بقدر، فهل نستصرخ ضمائر الميسورين، أفرادا ومؤسسات كي تساهم بالبذل والعطاء دعما لمسيرة الخير، وتحقيقا لمسألة المساواة؟ أهل الخير لهم حضور في ميادين الخير في كل زمان ومكان، وآثار عطاءاتهم تبدو ابتسامات على وجوه المحتاجين، وتساهم في تحقيق رفعة المجتمع الذي ننشد جميعا له الخير والسمو والرفعة، ولكننا تحديدا نسأل: هل وصل هذا الحضور إلى قمة التفاعل والعطاء في مجتمعنا اليوم في مسألة توازي أهمية ميزان الثواب والعقاب؟
قال الله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} العصر(3). وقال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى {4} فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى {10} وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} الليل(11)..، هذا نداء من قلب كل محتاج وفقير ومعوق وطالب حاجة إلى ضمير من يملكون المال من المسلمين أن يبادروا إلى العطاء والبذل بسخاء، فما يقدمونه هو الذخر لهم لا ما يحفظونه في خزانات البنوك، فبعطاءاتهم ينالون حسن الثواب ودعوات المستفيدين وراحة الضمير، وينالون رضاء الله سبحانه وهو المكسب الأهم لأن وراءه الجنة وعطرها البهي، والعطاء حسنة والحسنة بعشر أمثالها، والله تعالى وعدنا في كتابه الكريم عندما قال وهو خير القائلين:
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (215) سورة البقرة.
ولا يفوتني أن أمر بالشكر والعرفان للأيادي الكريمة والعطاءات الباهرة التي يتقدم بها رجالات المملكة ملكا وولي عهد وفارس خير وأسرة حاكمة طيبة على ما يقدمونه من حر أموالهم، ومن وقتهم وجهدهم لتحقيق رفعة الدين وخير المجتمع، ولعل هذا المقال يكون نداء موقظا للقادرين الذين لا ننكر جهودهم، ولكننا نتطلع إلى أن تبلغ أقصى حد ممكن من الكمال، والله نسأل للجميع وخاصة لكل من يرسم بسمة شكر على وجه محتاج رشاد البصيرة وطيب العطاء، كما نسأله سبحانه أن يمن على أمير الخير والإنسانية سلطان بن عبدالعزيز بالصحة وأن يلبسه ثوب المعافاة، وأن يجعله ذخرا للإسلام وعونا للمسلمين إنه سميع مجيب.
الرياض - فاكس: 014803452
|