Sunday 16th May,200411553العددالأحد 27 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بين الأحساء والطائف(النخلة).. و(النحلة)..؟!! بين الأحساء والطائف(النخلة).. و(النحلة)..؟!!
حماد بن حامد السالمي

** قضيت أحد عشر يوماً، متنقلاً متجولاً، بين الأحساء والقطيف، في واحات ومدن المنطقة الشرقية، أحد عشر يوماً، مرت وكأنها إحدى عشرة ساعة.. إي والله..! كان هذا ما أحسست به ساعة المغادرة، وكان هو شعوري الطاغي، عندما نظرت في شباك الطائرة، إلى سواد الأحساء والقطيف.. ذلك البساط الأخضر الجميل، الذي نسجه اثنا عشر مليون نخلة أو تزيد.
** في هذه اللحظة، لحظة الوداع المر، فقدت قلبي..! لعله ما زال هناك، يتنقل بين (بُقيق، والهفوف، والمبرز، والقارة، وتويثير، والقطيف، وسيهات)، وغيرها من هذه المدن الحضارية الجميلة، وأني هنا، وحدي.. على مقعدي في هذه الطائرة المحلقة، أكابد لحظة وداع ثانٍ، عبر عنها الشاعر العربي بقوله:
لأودِّعنّك.. ثم تدمع مقلتي
إن الدموع.. هي الوداع الثاني
** كيف تملك مدن النخل لا النحل، تلك القوة العجيبة الخارقة، التي تجلب وتخلب، حتى ليقع الآخر في هواها، وحتى يتمنى الزائر والعابر، أن لو عرفها منذ زمن بعيد، ثم لا يفارقها ابد الدهر.. فكيف يفارق صحبة وأحبة، اهل جود وكرم، وأصحاب شمائل فريدة لا حصر لها ولا عد..؟
** في لحظات ضائعة، بين أحاسيس ومشاعر باكية.. تصعدت بناء الطائرة، فتوارات عن عيني فجأة، مشاهد أحببتها هناك، فعدت إلى نفسي، وملت إلى الشكوى لا النجوى، فبرق أمامي بارق، من شعر الشاعر (أسامة بن منقذ) الذي قال:
شكا ألمَ الفراق الناسُ قبلي
وروّع بالنوى.. حي وميت
** وفي جوف هذا الطائر الحديدي الهادر، أردت أن لا أنسلخ من سويعات اللقاءات الحبية الأدبية، التي كانت لي، في منتديات الأحساء والقطيف، عند أقطاب من أهل الفكر والأدب والشعر، الذين يحق لبلادهم، أن تباهي بهم وتفخر.
عند ذاك، مددت يدي، إلى ديوان شعر عربي، أهدانيه الشاعر المجيد الأستاذ (محمد الجلواح)، امتاح من فيض ابداعاته الشعرية، بعد أن عرفته وجهاً لوجه، في اثينية الشيخ (محمد بن صالح النعيم)، ثم مرة أخرى، في منتدى الشيخ (عبدالعزيز الموسى)، وكنت أعرفه قبل ذلك، من خلال مقالاته في المجلة العربية لا غير، وكان هذا الديوان المبهج، سميري في رحلتي الجوية، حتى طويت أمامي المسافات، فوصلت الطائف المأنوس بعد ساعات.
** مر يومان فقط، على عودتي من الأحساء، وفي اليوم الثالث، الموافق ليوم ( الثلاثاء 22 من ربيع الأول)، التقيت الأستاذ الجلواح مرة ثالثة، ولكن هذه المرة، على صفحات صحيفة (الاقتصادية)، فإذا به يكتب مقالاً طريفاً ماتعاً، يقرن فيه بين (نخلة الأحساء) وبين ( ابنها)، الذي هو الإنسان على أرض الاحساء، وكعادته فيما يكتب، أصاب في الطرح، وأجاد في الفَصْح، فبين حقيقة الصلة بين الإنسان والنخلة، فلولا صلة الحب هذه، بين الإنسان والنخلة، لما عاشت النخلة، ولما عاش إنسانها.
- المقارنة جميلة، وقد راقت لي من جانب، أني يوم كنت في الأحساء، وفي أحدية شيخنا الأديب السفير (احمد المبارك)، ألقيت محاضرة أدبية، عن (شعراء المنطقة الشرقية.. وشعرهم في الطائف المأنوس)، وكنت اعقد من خلالها مقارنة بين الطائف والأحساء، مقارنة (أدبية وتاريخية واجتماعية)، ثم جاء صديقنا الجلواح، بفكرة (النخلة) هذه، وكأنه يحضني على فكرة (النحلة)، فإذا كانت الأحساء هي هبة (النخلة)، وهذا صحيح، فإن الطائف هي هبة (النحلة)، وهذا صحيح ايضاً.
** كانت النخلة، سبباً في (حضارة هجرية احسائية)، امتدت لآلاف السنين، وما زالت عنواناً عظيماً، تمتح منه هجر عامة، والاحساء خاصة، تاريخها، وحضارتها، وادبها، وشعرها، وسمو اخلاقها، ربما كان ذلك، لأن النخلة، (معطاءة - كريمة - صبورة - متسامحة)، وهي هذا كله ومثله معه، ثم إنها: (جميلة - أنيقة - عزيزة - منيعة - رأسها يعلو الى السماء؛ ولا يعرف الانحناء).. الأرض تمنح نبتها سرها، وقوتها، وعطاءها، والنبت يتبادل عطاء الأرض، وقوتها، وسرها، مع من يخلص معه من بني البشر.
** إذا أردت ان تفسر السلوك العام لمجتمع ما، فابحث عن علاقته بالأرض التي يعيش فوقها، فإذا وقع انسجام بين الإنسان والمكان، سار المؤشر الحضاري نحو العلو، أو لا فإنه ينخفض.
** هذه إذن، هي ( الاحساء) هبة (النخلة)، ويقابلها الطائف التي هي بدون شك، هبة (النحلة)، ذلك أن تمر الاحساء في جودته وحلاوته، لا يوازيه سوى عسل الطائف، الفريد بين كافة الاعسال على وجه الأرض، تماماً مثل رمان الطائف وعنبه. وتمر هجر والأحساء، لا يتكرر في غيرها، وكذلك عسل الطائف، لا يعرف مثيل له في أي مكان.
** أخونا الشاعر الجلواح، ألمح في مقالته آنفة الذكر، إلى مسألة خطيرة، تتعلق بالعلاقة بين نخلة الأحساء وإنسان الاحساء، فالعامل الآسيوي، ربما بدأ يأخذ مكان هذا الإنسان عند النخلة، على جهله بحياتها واسرارها، وهذا يهدد وجودها، وهذا يقابله موقف شبيه تجاه النحلة في روابي الطائف، فالطائفي الذي كان يحنو على النحلة ويرعاها، كان يجني منها في موسم الحصاد، عسلا مصفى لا أحلى ولا اجمل، اما اليوم، فقد طغت فكرة الاتجار على ما عداها، فتولى مهمة الرعاية، عمالة من كل حدب وصوب، علّمت النحلة الخمول والكسل، وعودتها النوم في شبه العسل..! بعد أن خلطوا لها السكر بالماء، وجلبوا لها بيتات مستوردة..!
** إذا كان الجلواح يعبر عن صلة حب لا تنفك عراها بينه وبين النخلة، ويحذر من مستقبل قد يفتت عرى هذا الحب، فماذا اقول أنا، وقد رأيت نحلات عندنا، تتمطى على الطرقات، وتنتظر سواقط السيارات، من علب وقوارير العصيرات، فتبحث في حناياها، عن سكر مذاب، تجلبه إلى بيتات، في خلايا ليس فيها من العسل الا اسمه..! وما كان ذلك، الا نتيجة طمع جشع وغش، بدأ به الإنسان، فتشربته النحلة، حتى قدمت لنا عسلا مغشوشاً.
عقدت مقارنة بين الطائف والأحساء قبل أيام، فجاء الشاعر (محمد الجلواح)، مذكراً بنخلة الأحساء، التي هي صنو نحلة الطائف، ولو كان لي من الامر شيء، لضممت النحلة الى النخلة، او جعلت النخلة مع النحلة، ذلك أن دبس التمر في النخلة، أغلى مطالب لكل نحلة.
**أعود بكم إلى ديوان اخينا الجلواح الذي سماه:( بوح)، فقد كان لي خير سمير في الطريق.. الطريق الجوي طبعاً.. ومنه وقفت وتوقفت، على نصوص آية في الابداع، وغاية في الإقناع، ومنها: قصيدته البائية، التي افتتح بها ديوانه بعد المقدمة، وفيها شعاع من نور، اضاء حولي، فأعادني إلى مرابع الأحبة في القطيف والأحساء. احساء الخير والجود والكرم، إلى منتديات الفضلاء من الناس، الذين لا يغتابون ولا يرتابون، يبسمون ولا يتجهمون، يتبسطون ولا يتكبرون، يألفون ويؤلفون، لا يحقرون ولا ينفرون، امثال الأساتذة الكرام: (احمد المبارك - احمد الموسى - عبدالرحمن الملا - عبدالعزيز الموسى - محمد بن صالح النعيم - حسن الصفار - سلمان بن محمد العليو)، وغيرهم من أدباء وشعراء وأعيان، سوف أتطرق لهم، في كتابات قادمة مفصلة، عن هذه الزيارة إن شاء الله.
** هذه الأحساء.. هذا عنوان القصيدة المقصودة، التي احسست انها تتحدث بلساني، وودت لو أني شاعر، فقلتها قبل قائلها، لكي أعبر عما أكنه من حب وود لهذه الأحساء.
تقول القصيدة، او يقول الجلواح، بل أقول أنا هنا:


غنّ (هجراً).. فلها يحلو الطربْ
وإليها.. موكب النور ركبْ
واعزف اللحن بما شئت.. وقل:
هذه (الأحساء).. اصل ولقب
غنها.. جهراً.. ففيها.. مرتع
للصِّبا، او للصَّبا، او للإرب
ان تباهت.. (ببقايا) ميزة
لكفتها.. بين أحياء العرب
تعِبٌ أنت.. إذا لم.. تأتها
فإذا ما جئتها.. راح التعب
آه.. يا (أحساء).. يا معشوقتي
يا حقول النخل، يا أرض الرطب
الثلاثي الذي.. قالوا.. به:
يذهب الحزن.. وينزاح النَّصَب
خضرةٌ .. ماء.. ووجه مشرق
هو والله.. ب(هجرٍ) لا كذب
واحة للخير.. والحب معاً
هي ايضاً للمعالي.. والأدب
وهي للفن.. وعاء.. حافظ
وهي دار.. شمسها نور الكتب
ورجال.. قد تسامى مجدهم
ولهم في ذروة العز.. سبب
واذا ما انتسبوا.. بين الورى
نافسوا الشمس.. بعلياء النسب
كل ميدان.. لهم في قلبه
بصمة كالدر.. في قلب الذهب
اخيراً.. لا بد من (هَجَر) ، ولو طال الغياب

** fax:027361552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved