* تحقيق -قبلان محمد الحزيمي:
يكاد أن يطلق المربون على ما نشاهده في الأعوام الأخيرة من نزوح وهجرة عدد من الأسر مع أبنائهم نحو مدن الجامعات بالظاهرة التي بدأت تتزايد وتلحظ في مجتمعنا الذي نما لديه الوعي الأسري بأهمية مراقبة الأبناء ومتابعتهم في تعليمهم الجامعي ، خاصة مع ما يشهده العصر من تسارع وتسابق مطرد في كافة المجالات التقنية والتعليمية ومع ما يحيط بالطالب - غير المتزن - من مخاطر جمة خاصة عند بعده عن عين الرقيب الأول له وهي الأسرة فمن يحمي ذلك الشاب المراهق من الاندفاع مع شلل الشقق المستأجرة والاستراحات المتناثرة في أطراف المدن والمقاهي الليلية والقنوات الفضائية الهدامة والسهر المدمر؟.
فعن أسباب هذه الظاهرة كان ل(الجزيرة) وقفة مع واحدة من تلك المحافظات التي بدأت تشهد نزوحاً ملحوظاً نحو مدن الجامعات بل ان بعض الأسر قررت الإقامة الدائمة والجبرية في تلك المدن.
وقف الهجرات
في وادي الدواسر يتعرض أكثر من 3 آلاف طالب بالاكتفاء بشهادة المرحلة الثانوية وعدم مواصلة دراستهم لعدم توفر التعليم الجامعي بالمحافظة ومواصلة تعليمهم مرتبطة بأمرين أحلاهما مر فإما أن يكتفي ولي الأمر بتوفير ما تتطلبه مواصلة دراسة ابنه في المدن التي بها تعليم جامعي من مبالغ مالية باهظة تشمل استئجار سكن وسيارة ومصروف يومي مع القلق ليل نهار على حال ابنه بعيداً عنه في عصر يخشى على الطالب وهو في جانب أبيه . وإما أن ينتقل بالجمل وما حمل مع ابنه أو أبنائه أو بناته نحو تلك المدن التي تتكرم فيها كلياتها بقبول ابنه بها وهنا يأتي السؤال: من يوقف مثل تلك الهجرة التي بدأت فيها تلك المدن تغص بالسكان والعمران والحركة المرورية والحاجة إلى مزيد من الخدمات الهائلة التي كان بالإمكان تلافيها بتوفيرها كل في مقر سكنه ومسقط رأسه؟
محافظ وادي الدواسر الأستاذ سعد بن عبدالعزيز بن سحيم قال : يحتل هذا المطلب الملح وهو وجود تعليم جامعي بمحافظتنا أولى مطالب واهتمامات الأهالي والمجلس المحلي بالمحافظة فقد استبشرنا خيراً بالموافقة مؤخراً على افتتاح كلية تقنية بالمحافظة وأملنا أن تفتتح أيضاً كلية للمجتمع وكلية للمعلمين وفرع لإحدى الجامعات وتطوير المعهد الصحي برفعه ليكون كلية صحية تشمل طلاب وطالبات المحافظة.أما مدير التربية والتعليم بوادي الدواسر الأستاذ سعود بن خلف الدوسري فقد أوضح انه اصبح من الضروري افتتاح كلية أو فرع للجامعة يلم شمل مئات الطلاب الذين يتسربون بعد الثانوية العامة خاصة ممن تمنعهم ظروفهم الأسرية أو المادية من الانتقال والسفر نحو المدن التي يوجد بها تعليم جامعي.
ويؤيده الأستاذ سعد بن عبدالله بن عمران مدير مدرسة ثانوية فقال: تبعد محافظتنا عن مدينة الرياض أكثر من 650 كلم وعن مدينة أبها أكثر من 420 كلم وتقع بين تلك المدينتين عدد من المدن والمحافظات تضم آلاف الطلاب الجاهزين لدخول التعليم الجامعي فأين يذهبون إذا لم يوفر لهم التعليم في مدنهم ومحافظاتهم ؟ مشيراً إلى أن المشكلة تتأكد وتستصعب على أولياء الأمور مع وجود أكثر من طالب لأسرة واحدة في أكثر من مدينة من مدن الجامعات.
تضحيات من أجلهم
أما الأستاذ منير بن سعد الدوسري فقال: لدى عدد من الأبناء وصولا إلى مرحلة التعليم الجامعي ونظراً لبعد محافظتنا عن مدن الجامعات وخوفاً على هؤلاء الشباب في مثل هذا السن ومع هذه الإغراءات المدنية والإعلامية فقد انتقلت مكرهاً إلى محافظة الاحساء بنصف أسرتي، وقد كلفني ذلك الكثير سواءً مادياً من خلال الإيجارات العالية أو تشتيت أسرتي وتنقلي بينهم، فأسبوع هنا وأسبوع هناك وقد قررت الانتقال بكامل أسرتي مع بداية العام القادم، ولكن عزاؤنا انه لمصلحة هذا الجيل الصاعد بإذن الله.
وقال الأستاذ مبارك بن فواز الدوسري: شاهدنا بأم اعيننا أولئك الشباب الذين تخرجوا من الثانوية العامة بوادي الدواسر بتقدير ممتاز وعادوا لنا بعد فترة فاشلين في دراستهم حيث الانفتاح والمدنية والبعد عن الرقيب العائلي، ولا نريد أن يتكرر هذا المشهد مع أبنائنا فقررنا الانتقال بكامل الأسرة إلى الرياض مع ما في ذلك من مشاق كبيرة سواءً مادية أو اجتماعية وترك لمصالح أخرى في مسقط الرأس .. كما أنني قمت بنقل وظيفتي إلى مدينة الرياض وامثالي في ذلك كثير.. وإننا نتطلع إلى افتتاح كلية جامعية في وادي الدواسر تعيد وتجمع شملنا بأسرنا وابنائنا.
الأستاذ عبدالله بن ظافر الحقباني قال: انتقلت نصف أسرتي إلى مدينة أبها والنصف الآخر إلى مدينة الرياض حيث يتعلم أبنائي هناك وبقيت في وادي الدواسر مكرهاً بسبب ظروف عملي ولكنني عزمت على التقاعد المبكر إن شاء الله لألملم شمل أسرتي حتى ولو خارج محافظة الدواسر ويواصل الحقباني بقوله: وليس هناك شيء أهم من الأبناء خاصة في مثل هذا العصر الذي أصبح فيه العلم سلاح الرجال.
واحدهم والذي رفض ذكر اسمه فقال: والله لقد أعدت اثنين من أبنائي من مدينة الرياض واللذين أيقنت بضياعهما وانحرافهما بعد عام فقط من التحاقهم بإحدى الجامعات وحصولهم على الحرية المهلكة في مثل هذا السن وفضلت بقائهم في المنزل على المغامرة بحلم قد لا يتحقق.
كما أكد الطالب محمد بن عبدالله النوار بقوله: لقد حققت ولله الحمد في الفصل الدراسي الأول من هذا العام نسبة 100% أتطلع إلى المحافظة على هذه النسبة بإذن الله ولكن انا العائل الوحيد لأسرتي والمسير لأمور والدتي واخواني ولا اعلم كيف أوفق بين سفري بعيداً عنهم وبين تطلعاتي بالحصول على الشهادات الجامعية العليا وامثالي في ذلك كثير فمتى تدرك الجامعات السعودية اننا بحاجة لافتتاح فرع لها في محافظتنا؟.
كما أكد الطالب المتفوق سعد بن محمد الشرافي أن التجارب السيئة التي مر بها الكثير من زملائه واقربائه جعلت اسرته تفكر كثيراً في الهجرة نحو المدينة التي سيجد فيها فرصة لمواصلة تعليمه مشيراً إلى أن ثلاث أسر من أقاربه قد سبقوهم على تلك الهجرة.
كما أشار الطالب فاهد مبارك الدوسري وزميله الطالب متعب مران ال قويد إلى أن الفرص الصعبة في القبول بالجامعات جعلت المخاوف تتسرب إلى نفوسهم مؤكدين انه لا حل في ذلك إلا بافتتاح كليات وفروع للجامعات في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية كمحافظة وادي الدواسر والتي تتوسط بين أربع مناطق إدارية.
|