منذ قديم الزمان زعم الفلاسفة والشعراء أن العين هي مفتاح الروح.. تتواصل من خلالها المشاعر وتتعارف النفوس!!
وإذا كانت العين كذلك بالفعل، فإن الشفتين - كما وصفهما شكسبير في مسرحية الليلة الثانية عشر- بأنهما (المتحدث الرسمي للعقل والقلب)! وبالفعل فإن الشفتين يتمتعان بصفات الضعف والقوة، كما تظهر الغبطة والغضب الرضا والاحتقار المحبة والبغض... لذا فإن علامات الشفة الخارجية من الأهمية بمكان لما تظهر من مشاعر عديدة متشابهة ومتناقضة.
خطورة الشفة الأرنبية
الإصابة بشرم الشفة والمعروفة في الأوساط الغربية بالشفة الأرنبية
Hare Lip من الأهمية بمكان، حيث تعد ثاني أكثر التشوهات الخلقية انتشارا بين الأطفال إذ تحدث بمعدلات تختلف حسب الخلفية العرقية للمصاب.
فعند الأطفال البيض تصل النسبة إلى 1 لكل 750 حالة ولادة بينما تقل عند الأطفال الذين يعودون إلى أصل أفريقي إذ تصل نسبة الإصابة إلى 1 لكل 1000 حالة ولادة.وغالبا ما يكون المصابون بشرم الشفة من الأطفال الذكور، حيث تتسبب حالتهم للوالدين الكثير من القلق منذ اليوم الأول للولادة مما يدعوهم إلى التساؤل عن كيفية حصول مثل هذا التشوه والأسباب التي أدت إلى ذلك وطرق العلاج.
تطور الشفة ونشوء المرض! يتشكل الوجه داخل الرحم خلال الأربعة أسابيع الأولى من الحمل حيث يظهر في الوجه نتوءان جانبيان وآخر في المنتصف.
تنمو هذه النتوءات تدريجياً حتى تلتقي وتلتصق مع بعضها مشكلة الشفة العليا والأنف ، يتبع ذلك تكوين سقف الحلق بطريقة مماثلة.
ينتج عدم الالتحام عن أقل قصور في نمو هذه النتوءات والرفوف مما يظهر كشق بالشفة العليا أو شق بسقف الحلق إذا لم يتسبب فيهما معا الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى فشل في انفصال تجويف الأنف عن الفم.
* عامل وراثي، فمن الملاحظ أن نسبة الإصابة بالعائلات التي بها شخص مصاب بشق الشفة أكثر من العائلات التي لا يعاني فيها أحد هذا التشوه.
كما أنها أكثر انتشارا كلما ازدادت القرابة، فإذا كان أحد الوالدين مثلا مصابا بشق في الشفة أو سقف الحلق فإن نسبة الإصابة لدى أطفالهم ترتفع بمعدل 4%.
* عوامل بيئية لم يعرف كنهها بعد.
* التعرض لعوامل مرضية أو تأثيرات جانبية لبعض الأدوية المستعملة خلال فترة الحمل.
ومنذ اليوم الأول للولادة يلاحظ وجود شق في الشفة العليا تختلف شدته من مولود إلى آخر، فقد يكون على شكل ندبة في الفم، أو قد يكون شق فعلي جزئي في الشفة، وقد يكون في كامل الشفة ممتدا من الشفة الحمراء وحتى قاعدة الأنف.
وفي بعض الحالات يصاحب شق الشفة شقاً آخر في سقف الحلق أو قد يظهر شق في سقف الحلق من دون شق في الشفة والتي غالبا ما تلاحظ عند الإناث.
وعادة ما يكون الشق في أحد جوانب الشفة إلا أنه في بعض الحالات النادرة يكون الشق في الجانبين كما قد يظهر في الوسط إلا أن ذلك يعد من الحالات النادرة جدا، يؤدي شق سقف الحلق إلى استرجاع الطفل للحليب والسوائل أثناء الرضاعة وخروجها من الأنف نظراً للاتصال المباشر ما بين مجرى الأنف وفتحة الفم.
آثار جمالية ووظيفية ونفسية
* التأثير الجمالي
تعد الشفة أحد معالم الوجه الجمالية المهمة التي تعطي الوجه قسماته الجذابة وبالتالي يمكن ملاحظة أي تغيير بها بسرعة نظراً لدقة تفاصيلها وتعقيدها وأي تغيير أو عيب في شكلها يمكن أن يعطي تأثيراً مشوهاً للشفة والوجه.
* التأثير الوظيفي
يتكامل التشكيل الجمالي للشفة مع إسهامها الوظيفي، فوجود شرم بالشفة يؤثر على إخراج بعض الأصوات مثل ال(م ب p) كما أن لها تأثيرا طفيفا على قدرة الطفل على المص والرضاعة إلا أنه سرعان ما يتعود الطفل على وجود الشق ويتمكن من استخدام عضلات الفم الأخرى للرضاعة بشكل فعال.
وبالمقارنة نجد أن شق سقف الحلق يعد ذا أهمية كبيرة للدور الكبير الذي يلعبه سقف الحلق في إخراج الأصوات ومنع السوائل من الدخول إلى الأذن الداخلية وحمايتها من الالتهابات، لذا فإنه ينصح ترميم الشق في خلال الأشهر الأولى من العمر قبل أن يبدأ الطفل بالكلام.
* التأثير النفسي
يصبح شرم الشفة إحدى السمات المميزة للطفل والتي يتعرض بسببها خلال مراحل نموه إلى ملاحظات الأطفال الآخرين وتعليقاتهم التي قد تكون جارحة في كثير من الأحيان مما تؤدي إلى انطواء الطفل وانعزاله عن المجتمع وعن أقرانه، قد يستمر التأثير النفسي إلى فترة البلوغ مما يؤثر سلبياً على إنتاجه وتفاعله مع المجتمع.
من الزهراوي إلى العصر الحديث
يعد الطبيب المسلم أبو القاسم الزهراوي من أوائل الذين وصفوا علاجا لشرم الشفة في القرن السابع الميلادي حيث كان يقوم بكي جانبي شق الشفة باستخدام قضيب معدني ساخن ثم يقرب الجانبين مباشرة لتلتحما ويلتئم الشق.
أما في عصرنا الحاضر فليس هناك أي مجال لكي الشفة، إلا أن مبدأ تقريب الشفتين لتلتحما في وضع مناسب لا يزال يستخدم واستبدل الكي بالمشرط الجراحي ، ومع تقدم الطب استحدث الجراحون المبادئ التالية التي يجب اتباعها عن علاج شرم الشفة:
1- تحرير عضلات الشفة من جانبي الشق وتقريبهما بالخياطة الجراحية لتتمكن من أداء وظيفتها الطبيعية.
2- المحافظة على العلامات الجمالية للشفة الطبيعية المذكورة سالفاً.
3- إخفاء الشق الجراحي بقدر الإمكان لكي لا تؤثر على قسمات الوجه.
الجراحة التجميلية
يتم إصلاح العيب الخلقي على عدة مراحل جراحية تبدأ في الأشهر الأولى من العمر تتبعها عمليات أخرى حسب الحاجة لتحسين المظهر أو لتعديل النطق.
وفي الكثير من الحالات يستدعي الأمر إجراء عمليات تحسينية بعد اكتمال نمو الشفة والأنف وذلك خلال سني المراهقة.من هذه العمليات على سبيل المثال إجراء عملية ترميمية للأنف لتسوية شكل الأنف وإزالة أي تحدب أو نتوء كما قد تتطلب الحالة إجراء عمليات تصحيحية لشكل الفتحة الخارجية للأنف بالإضافة إلى تسوية الحاجز الأنفي المنحرف.
أما بالنسبة للشفة فإن الرغبة المشتركة لمعظم المراهقين الذين تم إصلاح شفاههم جراحياً خلال مراحل الطفولة هي إزالة الندبة الناتجة عن هذا التشوه بشكل تام.
وبما أن هذا غير ممكن إلا أن مظهر الشفة يمكن أن يتحسن بشكل ملحوظ بإيجاد نوع من التناسق والتكامل في الشفة بعملية تتفاوت في تعقيدها من مجرد تهذيب أنسجة الشفة إلى نقل الأنسجة من الشفة السفلى.
من المهم جدا التشديد على أنه بالرغم من حدوث تحسن ملحوظ في الشكل لدى العديد من الأفراد إلا أنه لا يمكن إزالة جميع آثار مشكلة الشق الأولي لذا يجب أن تكون أهداف وآمال المريض والطبيب الجراح والأهل واقعية.
عند إصابة المريض بشق حلقي فإنه من الأفضل إجراء الجراحة لإقفال هذا الشق خلال السنة الأولى لكي يتمكن الطفل من النطق بشكل جيد كما أن هناك عمليات أخرى يمكن إجراؤها لتعديل النطق المصحوب بغنة أنفية الذي يحدث نتيجة لخروج الهواء بشكل غير عادي من الأنف أثناء الكلام وذلك بالتنسيق مع أخصائي تقييم النطق ، بالإضافة إلى دور جراح التجميل فإن لبعض التخصصات الأخرى دورا مهما في العلاج.
من هذه التخصصات على سبيل المثال:
طب الأنف والأذن والحنجرة: معظم الأطفال الذين يولدون بشق حلقي قد يعانوا مشكلات التهابات الأذن الوسطى أثناء السنوات الأولى من حياتهم.
ولكن ولحسن الحظ فإن نسبة كبيرة من الالتهابات تشفي تماما عند بلوغ الطفل مرحلة المراهقة ولا تتبقى إلا نسبة ضئيلة تعاني صعوبات في حاسة السمع أو التهابات الأذن الوسطى.
لذا عند ظهور أي مشكلات في الأذن كضعف حاسة السمع أو خروج سوائل متكررة من الأذن أثناء سنوات المراهقة لا بد من مراجعة أخصائي الأنف والأذن والحنجرة.
طب الأسنان التقويمي
يعطي تقويم الأسنان للشفتين دعامة أفضل ويرتب الأسنان بحيث تظهر بمظهر جيد متناسق وتمكن من المضغ بشكل أفضل كما تقلل قابلية الأسنان للنخر وأمراض اللثة، ويمكن بالتعاون مع طبيب الأسنان الصناعية علاج بعض مشكلات النطق وذلك بسد شق سقف الحلق بسدادة صناعية يتم تثبيتها في الأسنان وتمنع تسرب الهواء من الفم إلى الأنف عند النطق.
علاج النطق
تنتج الأصوات عند اهتزاز الحبال الصوتية الناتجة عن مرور الهواء الصاعد من الرئة إلى الخارج عن طريق فتحة الفم، إلا أنه عند الأطفال المصابين بشق في سقف الحلق يتسرب الهواء عن طريق فتحة الأنف مما ينتج عنه غنة صوتية وخطأ في اللفظ (اضطراب في مخارج الحروف) التي تشمل:
1- الحذف (حذف حرف دون استبداله بحرف آخر)
2- الإبدال (إبدال حرف مكان آخر)
3- التحريف أو التشويه (لفظ حرف بصورة مشوهة وغير مقبولة) في بعض الحالات يمكن علاج المسبب بالتدريب على النطق من غير تدخل جراحي حيث يشمل تدريب الشخص على النطق باستخدام العضلات المتوافرة لتعويض النقص وتعديل مخارج الحروف إلا أنه في حالة النقص التكويني في العضلات فإن العلاج الجراحي يعد الأفضل.وفي كثير من الأحيان فإن الهدف هو تمكين الشخص من النطق بشكل مفهوم والذي لا يعني بالتالي النطق بشكل طبيعي.
(*) استشاري الجراحة التجميلية والترميمية وزراعة الشعر |