شريعتنا سمحة، وعقيدتنا صافية عاشت أجيال تنهل العلم من مدارسنا وجامعاتنا ومن أروقة المساجد، وحلق تحفيظ القرآن الكريم، فصنعت تاريخاً ناصعاً في كل مناحي الحياة
تطورت هذه البلاد بسواعد أبنائها المخلصين لدينهم ووطنهم، ولم تخرج إرهابيين قتلة! بل خرَجت مجتمعاً محافظاً على دينه يقدم الخير ويحارب الشر.. علماء يحكمون بشرع الله في كل مناحي الحياة.. قادة يعملون من أجل رفعة الدين ونصرة المظلوم ويحاربون الشاذين عن طريق الحق.. هكذا عاشت هذه البلاد منذ توحيدها، وحتى الآن وهي شامخة تخدم الاسلام والمسلمين، وتقف مع المحتاجين.
نجد المواطن والمقيم يتنقلان من مكان إلى مكان دون خوف.. لم نكن نتوقع أن نجد بعضاً من أبناء هذه البلاد يحيدون عن الطريق الصحيح ويرفعون السلاح في وجه بني جلدتهم ويهدمون المرافق العامة فوق رؤوس المواطنين.
هؤلاء المجرمون أصحاب فكر منحرف ومتطرف، يحاولون زعزعة الأمن في هذه البلاد، ولكن لن يستطيعوا أبداً بإذن الله.. (الجزيرة) استضافت عدداً من المتخصصين في عالم الجريمة والإعلام والتربية للتعرف على نشأة هذا الفكر المنحرف وكيفية التصدي له ومحاربته.. وهل نحن في حاجة إلى جمعية أهلية لمكافحة الإرهاب.. فماذا قال ضيوفنا حول هذا الموضوع:
**********
د. جمعان أبا الرقوش مساعد رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بدأ الحديث قائلاً: إن هذا الحدث الإرهابي وغيره من الأحداث التي حصلت سابقاً يعد في نظري تحولاً في مفهوم المواطن لفكر هذه المجموعات الإرهابية المتطرفة، لأنه قد أزاح الستار والمفاهيم والشعارات التي كانت تنادي بها، وأصبحت في نظر المواطن اليوم بدون شك شعارات كاذبة زائفة.. لقد تحولت اعتداءاتهم وخناجرهم وسلاحهم نحو صدر المواطن ومن هو ذلك الشخص المعني بحماية وتوفير أمن المواطن والوطن، وأثبتت أيضاً أن رجل الأمن في المملكة له إنجاز واضح تجسد في اكتشاف كثير من مخططات هذه الفئات الضالة وما تخطط له وما تمتلكه من العتاد والأسلحة، ولكن هذا الصمود من قبل رجال الأمن السعودي لا شك إنه محل تقدير الجمعيع وإن المواطن سوف يقف جنباً إلى جنب مع دولتهم ورجل الأمن، وسوف تسقط هذه العصابة الارهابية، ورقة تلو أخرى.. ولعل ما يؤكد قراءتنا لهذه التحولات بأنها سوف تسقط هذه الأيدي الأثيمة.. وأن من كان لديه أي اتجاه للتعاطف مع هذه الفئة فإنه قد زال هذا التعاطف وأصبح هذا الفكر واضحاً، وإن الأيام المقبلة سوف تسقط هذه الشرذمة وتهوي بها لأننا وصلنا كمواطنين ورجال أمن إلى قناعة بأن هذا العمل هو فكر منحرف.
أما الدكتور اللواء إبراهيم العتيبي فتحدث عن الموضوع بقوله: أولاً أحب أن أعزي زملائي رجال الأمن الذين سقطوا في هذه الأحداث، وأنا فخور برجال الأمن وكل مواطن ساهم في الدفاع عن الوطن.. ولا يفوتنا في هذا المقام إلا أن نقدم جزيل الشكر والتقدير لرجل الأمن الأول الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي يعتبر صمام الأمان لأمن هذه البلاد.. وكل المسؤولين في وزارة الداخلية الذين يعملون ليل نهار من أجل أمن هذه البلاد وأهلها.
وأريد أن أقول بأن الجريمة والإرهاب ليسا وليدي العصر ولا وليدي القرن.. الجريمة والإرهاب ملازمان للمجتمع ملازمة تامة، لو أخذنا مثالاً بسيطاً، فمثلاً الجريمة السياسية والاجماعية والاقتصادية والثقافية والجريمة الاخلاقية والجرمية الجنائية كلها مسميات مختلفة والهدف واحد، ولكن تكمن خطورة الجريمة في أمر واحد وهو إذا غلفت الجريمة بغلاف ديني فإنها تستهوي العامة وبالتالي تكسب أنصاراً من السذج، ونحن نعرف أن المراهقين والعوام بصفة عامة من السهل التلاعب بعواطفهم فيخدعون، وينجرفون وراء الشعارات هذه المجموعة الظالمة كانت ترفع شعارات قد تجد من يستمع إليها وهو وجود القوات الأجنبية، فالقوات الأجنبية خرجت من المملكة العربية السعودية، أما وجودها فكان لهدف معين لخدمة البلد بالدرجة الأولى، الآن وجهت خناجرها إلى أبناء الوطن ولقيادة الوطن ولرجال الأمن الذين هم يرعون أسرهم، فكيف تقتل من يرعى أسرتك؟ أليس لخلل في العقل أو العقيدة أو في التوجه أو خلل في الوطنية، فالجريمة عندنا على كل حال لو لاحظناها على المستوى السياسي، فأنا مع المعلومة البسيطة جداً، عثمان رضي الله عنه قتل وهو في الثمانين من عمره تقريباً باسم الدين والمطالبة بالعدالة ونصرة المظلوم الخ.. هل عثمان رضي الله عنه ظالم؟، فالأحزاب التي قادت مثل الخوارج وما شابه ذلك وما تبعهم من أحزاب والتي صنفها الشهرستاني صاحب الملل والنحل إلى 72 فرقة كلها ذات غلاف ديني ولكن ذات أهداف سياسية، خذ مثالاً آخر فالخلفاء الراشدون الأربعة قتل منهم الثلاثة.. خذ مثالاً آخر فالدولة الأموية مثلاً خلفاؤهم 13 قتل منهم الثلاثة، أما الخلفاء العباسيون فكان عددهم 54 خليفة قتل منهم 13 خليفة وعزل منهم 13 خليفة.
فكل الأعمال التي حصلت لهؤلاء المسؤولين كلها مغلفة بغلاف ديني يأتي شخص يقول أنا أغير المجتمع أنا أدفع المظالم أنا أريد نشر العدل وعندما تأتي له الفرصة ينقلب رأساً على عقب.
إذن الجريمة الموجودة حالياً أنا أعتبرها في قناعتي لا تمثل شريحة كبيرة في المجتمع ولا تمثل شيئاً من الدين وليس لهم هدف معلن مجموعة قد تكون من الفاشلين ومن ناقصي العقل وعندهم نقص معين وليس عندهم حسن التصرف لا يوجد مسلم يقتل نفسه ولا يوجد عاقل يلحق ضرراً للمجتمع، فالإجرام الذي حصل الآن وخاصة توج بالأعمال القبيحة في قتل الزملاء في الإدارة العامة للمرور وقتل الحراس في العمارية ثم الاعتداء على رجال الأمن وقتلهم وأخذ سيارتهم هل هؤلاء الناس أسوياء، إنهم في غير عقل، ولكني متأكد إن شاء الله سيقضى عليهم، وهم الآن بدأوا يتساقطون واحداً تلو الآخر ولم يبق إلا قليل منهم وإن شاء الله سينتهون لأنهم ممقوتون اجتماعياً وممقوتون أسرياً وممقوتون ايضا أمنياً ومطاردون في كل مكان.. واليوم شاهدنا الأخبار في الجريدة فإنهم يأكلون أوراق الشجر ويعيشون في الكهوف ويكفيهم هذا عاراً إنهم أوصلوا أنفسهم لهذا المكان.
فأنا أقول إن البلد بإذن الله بخير وهذه شرذمة مدحورة وأيضا لنا في العصر الحديث أمثال كثيرة قد نأتي عليها فيما بعد.
لا علاقة لهذين التخصصين
ثم طرحنا على الدكتور عبدالله الحمود عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تساؤلاً حول كيفية ممارسة الدعوة وقد خرج من جلابيبها كثير ممن ارتدوا وعادوا يسددون ضرباتهم لأبناء الوطن ويصنع القطيعة مع الوطن وثمة من خرج من الإعلام ايضا للتطرف من نوع آخر؟
فأجاب أنا اعتقد أنه لا علاقة بين الإعلام والدعوة والتطرف بأي شكل من الأشكال لأنني انظر كنظرة باحث وقارئ في الميدان إلى أن التطرف إذا حصل فإنما هو نتيجة خلل معين قد يصدق هذا الخلل على اهل الدعوة وقد يصدق على أهل الإعلام كما يمكن أن يصدق على أهل أي مجال آخر.
فالتطرف هو الذهاب إلى الطرف والخروج عن الجماعة وعن المنطقة الوسطى المعتدلة الواسعة التي يجتمع حولها كثير من أبناء المجتمع الواحد وبالتالي يمكن أن تجد من أهل الدعوة على سبيل المثال من يتطرف يميناً أو يساراً وهذا الأمر يصدق على كل المجالات المعرفية الأخرى فلا علاقة بين تخصصين وبين الفكر المتطرف سواء يميناً أو يساراً بل كان من المفترض وهذا الذي حصل في فئة كبيرة من المجتمع خلال العشرين سنة أو الاثنتين والعشرين سنة الأخيرة التي شهدت نشوء كلية تجمع بين الدعوة والإعلام، وكان هناك تلاقح كبير بين كثير من الاطروحات على مستوى الفكر وعلى مستوى الممارسة، وكلا القسمين خدم بعضهما البعض بشكل جيد.. أنا أعتقد أن التطرف الذي يعاني منه المجتمع الإنساني قاطبة ليس نتاجاً للمؤسسات العلمية أو التعليمية بشكل واضح، بل هو نتاج لأشياء أخرى وربما يقود هذا إلى فرضية أو أطروحة كانت قتلت بحثاً وكتابةً وقراءةً وهو ما ربط بقضية المناهج بعض المؤسسات أو بعض الدول وهذا طبعاً لن نسرف أو لن نستطرد الحديث حوله ربما لوضوح الرؤية بشأنه، لكن اعتقد دائماً أن هذا التطرف نشأ في بيئة خالية من أي منهج، يعني البيئة التي لا يوجد فيها منهج هي البيئة المؤهلة لوجود التطرف من أي نوع، لا يمكن ان نفترض أن التطرف موجود في أي مؤسسة نظامية سيما إذا كانت هذه المؤسسة تخضع لدولة أو مجتمع متدين ومحافظ لأنه لا يمكن تصور أن الدين أي دين يقود أو يدعو إلى شيء من ظاهرة التطرف، وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى المجتمع السعودي من نشأته معظم أو كل مؤسساته قامت على أساس من الدين الإسلامي وتتم مراجعتها بشكل كبير جداً، يمكن أن يكون هناك كثير من الأخطاء ولكن هذه الاخطاء تكون أخطاء إجرائية.. أخطاء مرتبطة بظروف ومتغيرات كثيرة، ولكن بأي حال من الأحوال لن تقود إلى منهج متطرف لأن هذه المؤسسات بطبيعة الحال ستخضع بالضرورة إلى الضبط الاجتماعي المستند إلى المنطلقات الدينية ولا يمكن التصور أن المنطلق الديني مهما كان سيقود إلى التطرف، لأن التطرف أصلاً هو الخروج من دائرة الدين كما قرأنا وسمعنا من كثير من المرجعيات.. أعود فأقول إنني أعتقد ان المشكلة سواء في المجال الدعوي أو العمل الإعلامي مرتبطة بنقص المعلومة أنا اعتقد اننا نعاني من نقص المعلومات والفئات المتطرفة إنما تطرفت لأنها كانت وما تزال تفتقر إلى معلومات صحيحة، هي فئات ضالة فكرياً ومعلوماتياً.
من يحمل تبعات هذا الضلال يمكن أن نتحدث بتفاصيل كثيرة جداً وقد نتطرق إلى أشياء كثيرة في هذه الندوة، وهناك أيضاً حتى لا نثقل على أنفسنا كمجتمع من جراء وجود مثل هذه الجماعات بين ظهرانينا أنا أريد أن أركز على سؤالين مهمين أعتقد أن اجابتهما ستجلي كثيرا من الجوانب.. نحن حقيقة لا نعرف هل لهذه الفئة هوية معينة؟ هل لها هدف واضح من خلال الأعمال التراكمية التي حدثت خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل؟.. لا يمكن تحديد هوية أو هدف معين يسعى لتحقيق مثل هذه الفئات ومثل هذه الأعمال، هذا يقودنا بشكل مباشر إلى ما المحرك الحقيقي لمثل هذه الفئات عندما نتناولها حتى في وسائل الإعلام؟ يجب أن لا تغيب عن أذهاننا ما المحرك الحقيقي لمثل هذه الجهات، هل هو معلوم بالنسبة لها عندما تذهب وتفجر في المحيا أو عندما تذهب وتفجر في الإدارة العامة للمرور؟.. هل هي على وعي كامل بهذا العمل الذي قامت به هل هذا جزء من الاستراتيجية المعينة؟ هل هناك من يدفعها فعلاً لتنفذ أم انه يتم استخدامها واستغلالها لأسباب.... ربما لا يعلم حقيقتها هذا المنفذ لكن لبس عليها اشياء معينة؟.. أعتقد أن إجابتها ستحدد أشياء كثيرة مرتبطة بالداخل والخارج والقوى المحركة الحقيقية لمثل هذه السلوكيات.
ثوب ديني
وعلق د. سعيد المرشان قائلاً: هذه الأعمال كانت ملبّسة بثوب ديني بالإضافة إلى مقاتلة من دخل إلى المملكة من غير المسلمين وعندما بدأ الأمر يتضح يوماً بعد يوم بدأوا ينكشفون وبدأت أعمالهم تتكشف ولم يعد هدفهم الأصلي هو غير المسلمين فبدأوا برجال الأمن أولاً ثم المواطنين ثانياً، أنا أعتقد أن الإرهاب الدموي الذي حصل أخيراً هو نتيجة لما وصلوا إليه من يأس عندما تمت محاصرتهم من جميع الجهات ولم يجدوا مخرجاً ولم يجدوا مبرراً ولم يجدوا من يؤيدهم من المجتمع، وجدوا أنفسهم في بوتقة أو مجتمع منعزل فبدأوا ينفذون من غير خطط.. في الحقيقة الأمر واضح أن يكون الموضوع أو المستهدف هو رجل الأمن والمواطن والمسلم في التفجيرات الأخيرة هذا يعني أن هذه الادمغة غسلت.. فمن وراء ذلك؟ هذا سؤال يطرح ويحتاج إلى إجابة وأكيد أن الجهات المسؤولة توصلت إلى مثل هذا من الأشخاص الذين تم القبض عليهم أو من خلال الوسائل الأخرى الأمنية، هوية المنفذين نعرف أن منهم سعوديين كثيراً ولكن ما هو هدفهم هل المخطط داخلي أم خارجي؟ أعتقد أن هناك وراء الأكمة ما وراءها يعني لا يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بهذه القوة وبهذا الأسلوب.
فكلما اكتشفنا حادثة وجدنا المبالغ المالية الكثيرة ووجدنا المتفجرات، فمن هو الممول لهؤلاء، عندما نقول بأن أعمارهم من 25 فما دون فمعناه أن هناك خللاً اجتماعياً قد حصل في فترة معينة استغله من استغله، وبدا سؤال: لماذا لا يذهبون إلى رجل الستين، ولماذا لا يذهبون إلى رجل أكاديمي ولماذا لا يذهبون إلى رجل الأمن ولماذا لا يذهبون إلى الصحافيين ولماذا لا يذهبون إلا إلى فئة صغيرة في سن معينة، اعتقد أن أوراقهم بدأت تتكشف، وأن أعمالهم الأخيرة دليل على أن المجتمع سيعود كما كان وأتمنى أن تتكشف قريباً.
تغيير جذري
وعاد الدكتور جمعان أبا الرقوش للحديث حول دور المجتمع وتفاعله مع هذه الأحداث فقال: في الواقع أن من ينظر الآن خلال العقود الثلاثة الأخيرة يلاحظ أن هناك تغييراً جذرياً لأساليب التربية الوالدية، هناك أيضاً تغير في كثير من قنوات المجتمع وأدائها لرسالتها، ولنضرب مثلاً دور الأسرة كان في السابق تمارس الأسرة دوراً فاعلاً ومؤثراً في عملية الضبط الاجتماعي. اليوم اختلفت الأدوار وأيضاً تنازل الأب بشكل أو بأخر عن دوره وحل محله السائق. والأم أيضاً تشاغلت وتنازلت عن رسالتها كأم وسلمت هذه الرسالة للخادمة وكأننا نقول بأن السائق والخادمة أصبحا في المجتمع السعودي هما الأب والأم، أيضاً دور المسجد، وأمام المسجد في السابق كان المسجد يمارس نوعاً من الضبط الاجتماعي يتمثل في آراء أئمة المساجد لدورهم كأئمة، وقد انحصر هذا الدور وأصبح معظم أئمة المساجد مؤدين أو مصلين لجماعة المسجد فقط، فلم يعد لإمام المسجد أي دور في عملية الضبط الاجتماعي بل لعلي لا أبالغ إن ناديت أن هناك بعض الأئمة لا يعرفون حتى بعض جيران المسجد.
أيضاً دور المدرسة الآن هو دور تعليمي الكثير من الآباء والأمهات ينظرون إلى دور المدرسة على أنه دور تعليمي غير تربوي فمن غير المعقول أن تقوم أي مؤسسة بدور التعليم والتربية معاً لثمانمائة طالب مثلاً.
لنقل في العقدين الماضيين تراخت كثير من قنوات المجتمع في أدائها لمهمتها وهذا التراخي سوف يخلق كنتيجة حتمية مساحة لأطراف أخرى تستقل هذه الظروف أو غياب هذه الرقابة الوالدية وغياب هذه المسؤولية الاجتماعية في ممارسة وغرس كثير من المعتقدات والقناعات والممارسات لدى النشء عندما تغيب الرقابة الوالدية فإننا لا شك لن نفاجأ إن وجدنا بأن هناك انحرافات سلوكية لدى الأطفال ستبرز دون تقييم لأن دور الرقابة هناك قد اختفى حتى نضمن للنشء تربية سليمة وتربية حقة ويجب ان تخضع الرقابة لجميع المعايير والضوابط الشرعية أولاً ثم الاجتماعية ثانياً ويجب علينا أن نعيد لقنوات المجتمع المختلفة رسالتها ويجب علينا أن نعيد لقنوات المجتمع أيضاً صلاحيتها في ممارسة هذه الرقابة وهذا الأسلوب التربوي الآن من ينظر إلى هذه الفئة يجد أنها ربما لا استطيع أن أجزم وأقول بأن مائة بالمائة ولكن لا تقل بأي حال من الأحوال عن 90% من هذه الفئة ممن ضبطوا وممن هم تحت الرقابة هم يمثلون فئة عمرية متدنية أقل من العشرين. هذه الفئة فقدت الرقابة الأبوية وبالتالي وجدت بعض التيارات الفكرية الخاطئة مجالاً خصباً لدى هذه الفئة العمرية البعيدة عن الرقابة الوالدية، ولعلي هنا استشهد بمقولة عدد من أولياء الأمور الذين ضُبط أبناؤهم بأنهم تفاجأوا بسلوك أبنائهم عند الإعلان عن ضبطهم وعند الإعلان عن اسمائهم وهذا يعطي دلالة حقة على أن دور الرقابة والتنشئة الوالدية بعيد ومغيب تماماً لدى هذه الفئة وفي هذا العمر بالذات الذي يعتبر أخطر مراحل العمر وهي مرحلة النشء ثم أيضاً مد جسور التواصل مع المدرسة لأن التعاون بين البيت والمدرسة لا شك سيثمر عن الرقابة الصارمة على سلوك الناشئة وأيضاً على ما تشحن به عقولهم من الأفكار ليتم السيطرة عليهم.
لأي سبب؟!
وحول سؤال عن الرقابة الاجتماعية ومدى فائدتها في ضبط ورقابة الأبناء من خلال مؤسسات المجتمع.. علق اللواء العتيبي قائلاً:
أولاً أريد أن أعقب على الموضوعين اللذين تكلم فيهما الإخوان:
أولاً: الضابطة الاجتماعية، نحن مجتمع مسلم يضبطنا الدين في كل سلوكنا وتصرفاتنا وما حدث معاكس للدين 100%.
ثانياً: نحن كمجتمع عربي له عادات وتقاليد وأعراف أقرها الشرع, وما حدث أيضاً يتنافى مع هذه المثل والأعراف.
ثالثاً: نحن كمجتمع محافظ من أب وأم وخال وقريب.
معنى هذا ان الضابط الاجتماعي قد ضعف، ولكن لماذا ضعف الضابط الاجتماعي؟ هل بمؤثرات انقلاب حضاري, هل هو بسبب الفراغ النفسي، هل هو نتيجة للثروة الموجودة في أيدي الناس، هل هو بسبب الشعور والاحساس بالأمن والتراخي، هل هو استغلال طيبة ولاة الأمر هل هو استغلال تسامح رجال الأمن، عوامل كثيرة جداً، ولكن لو رجعنا للجوهر.. لماذا فئة من المجتمع خالفت المجتمع وألحقت الضرر بنفسها ومجتمعها؟! انه من المعروف أنه من السهل التلاعب بمشاعر وعواطف الشباب، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (لكل ناعق اتباع) فهؤلاء وجدوا من يتلاعب بعواطفهم ويستغلهم ويوجههم فيما لا يعلمون.
خذ مثلاً المناسبات الرياضية تجد أن كل من يرتكب المخالفات هي فئة الشباب، لماذا؟
هل أنهم لا يعرفون أن ذلك حرام ومخالف، بل يعرفون ذلك جيداً لكن فورة الشباب الموجودة فيهم أوجدت هذا النوع, الضابط الاجتماعي بصفة عامة، ضعف عن السابق. قبل ثلاثين سنة، كان سكان الحي مجموعة واحدة الأب والأم والعم والأخ والأخوات...الخ. فأي مخالفة من أي شخص يراقبه الكبير فدائماً هو مراقب ويجد توجيهاً مناسباً، ولكن حصل أن ابتعد البعض عن البعض واختلفت المجموعات واختلفت الأسر.
ثانياً حرية السفر للخارج وهو أيضاً من الأخطاء المحدقة التي انتشرت في هذا المجتمع.
ثالثاً: العوامل السياسية..هناك ظروف سياسية مرت بها المنطقة فاستطاعت جهات مختلفة أن تجند هؤلاء الشباب تحت مسميات متفرقة براقة لتحقيق أهداف محددة وغايات معقدة.
هؤلاء لما أدوا الدور الذي طلب منهم سلباً او إيجاباً وأنا أذكر في البوسنة لما حارب هؤلاء الشباب وأدوا دورهم سلّموا للشرطة في النهاية وهم جاءوا لنصرة المسلمين هناك ولكنهم سُلّموا للشرطة على أنهم إرهابيون. فهؤلاء غرر بهم. هل الضابط الاجتماعي ضعيف؟ نعم. هل الرقابة الاجتماعية ضعيفة؟ نعم. هل التعليم غرس المبادئ النبيلة؟ لا. التعليم سليم.. التعليم ديني بدليل أن جيلنا ومن قبلي كلنا خريج هذا التعليم وهؤلاء كم يمثلون من خريج التعليم 1% فالمطلوبون قد يصلون 60 أو 70 شخصاً أو مائة شخص ما أدري بالضبط, هؤلاء قد لا يمثلون واحدا من ألف، إذاً دائماً نتساءل: من هم الذين وراء هؤلاء ويخدمون من؟ من ينفق عليهم ومن يوجههم، وما هو الهدف الظاهر له، وما هو الهدف المعلن؟ ما هي وسائلهم، كيف يحققونه، ما وسيلة الاتصال عندهم، كيف يتم التنسيق بينهم؟ هذه التساؤلات الإجابة عليها مفقودة، أظنه قد وُجد الرأس المدبّر لهم في أحد المواقع للانترنت أظن اسمه (طوى) أو ما شابه ذلك، لقد شاهدت مرة واحداً تائباً نشرت قصته في مجلة لبنانية إنه يقول: إننا كنا كل ستة أشخاص يشكلون مجموعة واحدة علينا شخص واحد يسمى أميراً, والأمير هذا لقب ليس اسماً، أبو فلان وأبو فلان وبالتالي لا نعرف اسمه الحقيقي وإنما نعرف اسمه الحركي، وبهذا نرى أن هذا تنظيم معيّن، على العموم أن هذه القصة منشورة في جريدة السفير اللبنانية.
الحمد لله لا توجد في المملكة العربية السعودية جريمة منظمة ولا يوجد هناك عصابات منظمة. كلما يحدث هنا حوادث عفوية وفردية ليس لها جذور تاريخية وليس لها تنظيم ولذلك أنا متفائل جداً بزوال ما يحدث قريباً.
فمثلاً في اليابان توجد منظمة إرهابية إجرامية تدعى (ياكوزا) هذه المنظمة أنشئت عام 1700 تقريباً، اعضاؤها المعروفون لدى الجهات الأمنية 900.000 عضو، دخلها السنوي اكثر من 10 مليارات دولار تأخذ اتاوات (ضرائب على المحلات).
ونرجع إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهي أم الإجرام ومصدر الإجرام بكل أمانة، فهناك 250 منظمة سرية ومعلنة وبعضها تنفق عليها الحكومة لاستخدامها في الأعمال القذرة التي تتولاها المخابرات الأمريكية C.I.A مثل الاغتيالات والتصفيات والإنقلابات وغيرها من الأمور التي لا تخفى على العاقل.
فمثلاً منظمة كوكس كلان.. هذه منظمة إجرامية وإرهابية لها 98 فرعاً.
وهناك منظمة ثانية اسمها (الشعب الآري) وعدد فروعها 18 فرعاً.
وعندهم 22 مليشيا خاصة سرية مدربة يُستأجرون للقتل والخطف المدفوع الأجر.
أقصد من وراء ذلك أنه لا يوجد لدينا منظمات إجرامية لها جذور تاريخية وأهداف معينة ولكن كل ما هو موجود لدينا يدور حول عداء للغرب وشعاره الدين.
ولكننا نرى ان جميع او معظم من يعادون حكوماتهم موجودون في الغرب ومنهم سعوديون تعرفون اسماءهم وينفق عليهم الغرب ويبثون سمومهم من الغرب.
إذن أقول إنه لا توجد عندنا منظمات إرهابية عالمية، بل هؤلاء فقاعات كانت لهم مبادئ خاطئة أو لم يجدوا طريقاً للعيش غير هذا الطريق فينقسمون من المجتمع، هذا هو اعتقادي.
الرقابة الاجتماعية
وعن دور الرقابة الاجتماعية يقول اللواء العتيبي: إن لها جانبين:
الخطاب الديني الذي كانت ترتكز عليه هذه الفئة قد سقط لأنهم يحاربون الآن المسلمين.
كذلك سقط الخطاب الديني حيث عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ولو كان هؤلاء على الوسطية لكانوا حضروا المؤتمر وسمعوا إلى ما يقوله العلماء لا أن يذهبوا إلى إدارة المرور ويفجروها، إذن أنا أريد أن أوصل إليهم هذه المعلومة بأنه قد سقط ما كانوا يرتكزون عليه من الخطاب الديني.
نعود للجزئية الثانية المرتبطة بسؤالنا هل فعلاً تداعيات الماضي هي التي أدت إلى الحاضر؟ أنا طبعاً أتفق تماماً مع مثل هذا الطرح بل أقول بأننا إذا كنا ننظر إلى مجتمعنا باعتبار إدارة مجتمع وكل مؤسسة كبرت أو صغرت هي مسؤولة عن إدارة هذا المجتمع فهناك أول قاعدة في علم الإدارة: إن الخطأ هو الخطأ، ما يحدث اليوم في المجتمع هو خطأ بصرف النظر عمن يقوم به، نحن يجب علينا أن نتحمل كل تبعات هذا الخطأ.. هو ليس خطأ القوى الدولية ولا القوى الخارجية هو في أول المطاف وآخره خطأنا.. قد يكون له أسباب ومسببات دولية وغيرها لكنه وجد تلك الأخطاء عندنا.
من خلال الاستقراء السريع خلال ستة أشهر الماضية أنا حاولت استقراء بعض الأشياء للإجابة على سؤال كان يطرح في رمضان الماضي هو: كيف تشكلت ثقافة الاختراق لمجتمعنا؟ أحصيت ما لا يقل عن ستين سبباً داخلياً وأكثر من 15 سبباً خارجيا.. اعتقد أنها ساهمت في تكوين ثقافة هذا الاختراق، طبعاً ليس هذا وقت السرد لهذه الأسباب ولكن يمكنني أن أسرد بعضاً منها.
- اعتقد أن من الأسباب الداخلية هي الوحودية الفكرية حتى في ضوء المباح، وهذا ربما يقوم عليه الخطاب الديني في الفترة السابقة، نحن نعاني من الوحدوية الفكرية حتى في ضوء المباح ليس هناك تعددية في طرح الأفكار حتى إن كانت إفكار معتدلة، هناك فئات تتبع منهجاً معيناً وتسير عليه وعلى البقية أن تنساق بالشكل الكامل.
عندنا مشكلة مناهضة لعملية التغيير والتحول المجتمعي بأي شكل من الأشكال دون مبررات منطقية احياناً التحول والتغيير المجتمعي أمر مرفوض حتى يثبت العكس. تدني حوائط السد المجتمعي.. نحن نفتقر حقيقة إلى تدن كبير في حوائط سدنا نتيجة نقص المعلومات.. أثيرت قضايا مهمة جداً في اختراقنا ثقافيا.. قضايا ترتبط بالديمقراطية وهو النظام السياسي الذي تحكم به المملكة العربية السعودية.
واعتقد أنه لو كان عند المجتمع فهم واضح للنظام الملكي في المملكة العربية السعودية لاستطاع كل مجتمع ان يدافع عن هذا النظام ويتبناه بشكل جيد لكن المجتمع مفرط.. فلما تأتي قوى دولية وتلعب على هذا الوتر وتضرب عليه وفي ظل فقد المعلومات يمكن أن تجد لها مجالات للاختراقات كثيرة جداً..
كان من المهم أن ندعم الناس بالمعلومات حتى عن النظام السياسي السائد في البلاد حتى تكوّن حوائط السد المعينة، مثلها بالضبط ما يوجه لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- لا يشك احد ان الدعوة قامت عليها المملكة العربية السعودية، بشكل كبير وهي دعوة معتدلة ولا شأن لها أصلاً بكل ما يقال عنها الآن هي دعوة في العقيدة لا علاقة لها بالسلوك ولا بالمعاملات ولا لشيء بالنسبة للناس الذين يفهمون حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لكن لأن المجتمع مفرغ من هذه المعلومات ما كنا نناقش دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب إلا في المستويات المحدودة جداً والناس ليس عندها معلومات وبالتالي لم يكن هناك حوائط السد لذلك فإنه سبب مجالاً مهماً من مجالات الاختراق.
تقادم التنظيمات في مؤسسات المجتمع، وعدم التصاقها مع ما حولها من تغير دولي، معظم مؤسساتنا التعليمية التربوية، وحتى الإدارية، هناك تقادم خطير جداً في المؤسسات لا تزال في بيروقراطية مخيفة جداً، وهذا بدون شك له إفرازات وانعكاسات على ثقافة الاختراق.
أخيراً ثقافة الوصايا المجتمعية من بعض فئات معينة لها ربما إذا صحت العبارة قدسية معينة، حتى بعض الأفراد وبعض الجماعات، حتى لمجرد مناقشتها أو مجرد طرح السؤال عليها يشبه نوعاً من الجرم المجتمعي، وهذا بالضبط جعل عند الناس مناعة أو رغبة في التراجع (خل المسألة بسلامتها) ما دام يريدونها هكذا؟
هذا الافتراض له انعكاسات خطيرة بعد جيل أو جيلين، وهذا الذي في اعتقادي بدأنا نعاني منه الآن، هذا ما يتعلق بالمظان الداخلية، وفيما يلي يمكننا أن نوجز بعض الأطماع الخارجية:
طبعاً هناك أطماع معروفة تبدو متعارفة ومتداولة، وهي الأطماع السياسية والاقتصادية في المنطقة، وربما الأطماع التاريخية التي تجعل الصراعات الدولية في المنطقة ربما تجد الدول العظمى موطئ قدم، وتقول لو ما سيطرت على المنطقة تأتي دولة أخرى تسيطر عليها، ونحن قرأنا مثل هذه الأطروحات في كتاب د. فهد العرابي الحارثي الأخير كانت فيه إشارات صريحة جداً لمثل هذا التوجه لدى القوى الدولية منذ القرن الماضي ...وتساءل اللواء العتيبي عن مسؤولية الوقاية من هذا الداء هل الدولة مسؤولة فقط أم المجتمع بمؤسساته المختلفة؟: الاتجاه في العالم بشكل عام، وفي العالم الغربي المتقدم أن التدخل المجتمعي في جهود الوقاية من الجريمة، وهو ما تذهب إليه مدرسة الدفاع الاجتماعي - هل الدولة مسؤولة أم المجتمع من جمعيات أهلية وحكومية أم المؤسسات والمنظمات الأهلية والحكومية، أم أفراد المجتمع كان الاعتقاد عندنا في المملكة العربية السعودية أن رجال الأمن فقط هم فيما مضى هم الأساس في مكافحة الجريمة، والارهاب جريمة وجريمة كبرى، وكان السبب الأمن المستتب والمعيشة التي عشناها، وحالة الطفرة التي مرت بالمملكة مما أدى إلى التراخي الاجتماعي كما ذكره د. جمعان.
أصبحت مساهمة المجتمع ضرورية بدءاً من الفرد والأسرة والمسجد والمدرسة، فالمنظمات الأهلية بشكل عام.
وأعتقد حتى نعمل، لم يبق العمل تطوعياً فقط على أساس نقول: إن هذه الجمعية تطوعت، وإنما المفترض أن يبدأ التخطيط لعمل جاد ندرس الأسباب ونفندها، ثم نعمل على حلها إذا أردنا أن نعود بمجتمعنا إلى ما كان عليه، فيجب أن نطرح القضية للدراسة ودراسة مستفيضة من قبل المتخصصين كل في مجاله، نعيد للمسجد دوره، ونضع الإمام المتفرغ يتفرغ لهذا المسجد يتفقد ونعيد للحي ترابطه، ونعيد الجيرة، الآن في العالم الغربي بدأوا يعملون على إعادة الجيرة، بينما نحن المسلمين في الإسلام، والإسلام يوصي بالجار حتى ظن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن الله سيورث الجار، فالجار قبل الدار، المسجد يلتقون فيه خمس مرات، وكل في دربه سائر، وهل هذه الأمور ممكنة بالتأكيد يمكننا أن نعطي كلما ذكرناه دوره، والأسرة دورها، ومن ثم نعمل على الوقاية قبل المكافحة، الآن ونحن في هذه الأيام يجب أن نعمل الدورين لا ننسى الوقاية، ونبدأ في المكافحة، ونكتشف الخلل أين هو، فمن من الباحثين من يرى في هذا الاتجاه، وآخرون يكافحون وهم رجال الأمن والمجتمع بكامله يكافح، إذا أرضينا الاتجاهين هذين، وصرنا إلى العلاج من هذه الظاهرة وهي ليست ظاهرة في بلدنا- إن شاء الله- ولكن يجب أن نمحص هذا ونعيد، وأن نفهم بأن مهمة مكافحة أي جريمة، ومنها الارهاب الموجود حاليا هي مهمة مجتمعية.
الشرطة المجتمعية
وعلق د. الحمود قائلاً: قبل أن نجيب عن هذا السؤال أحب أن أؤكد على ما ذكره زميلي الدكتور المرشان في الغرب الآن، وأنا زرت فرنسا، هناك توجه إلى إنشاء الشرطة المجتمعية ربما أن هذه الشرطة أو هذا الاتجاه إلى إنشاء الشرطة المجتمعية ساهم كثيراً في مكافحة الجريمة في المجتمع الغربي، وهو مجتمع صناعي ومجتمع علماني، وكثير من عوامل الضبط الاجتماعي متوافرة في المجتمع السعودي لا تتوفر في المجتمعات العلمانية، هذا يؤكد أو يضع تمهيداً للإجابة عن هذا التساؤل.. فعلاً معنيون كمجتمع ابتداء من الخلية الأولى لهذا المجتمع، وهي الأسرة بمقوماتها الوالدية والأخوية، وانتهاء بدور الجامعة معنيون كل حسب المرحلة العمرية التي هي من صلاحيات الرقابة على مدخلات الفكر البشري، الأسرة معنية بالرقابة الصارمة، وهناك أيضا يجب أن يعي الجميع بأن الصرامة الزائدة هي بالتأكيد تولد نتيجة عكسية ربما تكون أشد فتكا من التراخي والإهمال، لذلك فإن الرقابة يجب أن تكون رقابة تميل إلى الصرامة بنوع من الاعتدال، وأثبتت كثير من الدراسات في السلوكيات الإجرامية بأن العامل الأول لانخراط كل فتى في ممارسة سلوك منحرف أو إجرامي يعود بالدرجة الأولى إلى ما توحي به جماعة الرفاق سواء كان ذلك من مجاراتهم من خلال إملاءاتهم، ويجب أن يكون من البيت تنشئة سليمة ويتولى الأب والأم دورهما الحقيقي في ممارسة تنشئة هذا الطفل، ثم انتقل للمدرسة يجب أن يكون هناك في المدرسة جهاز إرشادي متكامل في المدرسة، وأن نعيد لمراكز التوعية الاجتماعية دورها، منها المسجد يجب أن يؤدي دوره بل يتعدى دوره إلى إرشاد الناس وتوجيههم والرقابة في آن واحد أيضاً على أبناء الحي، وأن يكوّن الالفة بين المواطن ورجل الأمن، لأن هذا التعاون بين المواطن ورجل الأمن من شأنه اكتشاف بؤر الانحراف في وقت مبكر والسيطرة عليها.
وأيضاً هناك دور لقنوات الإعلام المختلفة سواء منها المرئية أو المسموعة أو المقروءة يجب أن تمارس دوراً توعوياً.
الفهم الصحيح أولاً
ولكن كيف ننمي روح المواطنة.؟
أجاب د. إبراهيم العتيبي قائلاً: أولاً لابد من فهم الدين فهماً صحيحاً الدين هو كامل الحياة ليس العبادات فقط بل حياة المسلم كلها تخضع لضوابط الدين، ومن انضبط بضوابط الدين فلن يبقى شريرا.
النقطة الثانية: تجسيد الإعلام بمعنى أن الإعلام يعطي الفضاء الواسع للخير ويحجب الشر، فإن الإعلام أحياناً يهيج، فقد يعمل الإعلامي أو ينساق الصحافي وراء موضوع معين ينشره عن حسن نية فتكون تأثيراته سلبية.
مثل الفتاوى الضالة ومثل تمجيد الأشخاص، ومثل تكبير المظالم، ومعلوم أن الأفراد والمجموعات والدولة كما لها أعداء لها أصدقاء، ولكل منه أسباب ومسببات كما له وسائل اتصال.
فالإعلام أعتبره نقطة مهمة جداً، وكذلك الولاء للدين لا خلاف عليه... الوطن لا خلاف عليه... الكيان والقيادة السياسية لا خلاف عليه، هذه صمام الأمان.
فمتى ما غرست الولاء وجدت مواطناً صالحا،ً والمواطن الصالح الذي لا يعمل الشر كما قالها أفلاطون.
أيضاً عندنا الحزم في التعامل مع القضايا والظواهر عند ظهورها حالاً لا يترك حتى يتراخى، لأن الناس استغلوا طيبة الدولة وولاة الأمر، لذلك يجب الحزم في بدايتها لكيلا يتفاقم حتى تصبح ظاهرة أيضاً، يجب تكوين الجهاز المناعي في الدولة أعني الجهاز الأمني بشقيه الوقائي والمباشر، بمعنى أن هذا الجهاز يعرف أن عندنا ظواهر موجودة من يقوم بها، من عناصرها من يتعامل ما هي أهدافها، ما هي خططها من يدعمها.. إلخ عن طريق التتبع والرصد الأمني والتحقيقات.
وكان مع الملك عبدالعزيز في موقعة السبلة أيضاً لابد من قيام مراكز لدراسات ظواهر اجتماعية، ومشكلتنا أننا تعودنا كل شيء على الدولة.
** شمول التنمية في المناطق، لأن شمول التنمية في جميع المناطق يحد من تكدس السكان في مناطق معينة، وهذه مهمة جداً حتى استراتيجياً وعسكرياً.
** أن تتبنى الدولة الكفاءات المتميزة من الناس الذين عندهم مواهب معينة، لتجعل ولاءهم للدولة، وهذا طبيعي جداً.
** تحديث الجهاز الإداري بالدولة بكل صراحة أن معظم المشكلات الموجودة ترجع الى البروقراطية يجب أن يتواكب التطور الإداري مع متطلبات العصر.
**** توحيد الأنظمة التي قرأت تقريرا أجنبياً عن أنظمة المملكة فقال التقرير: إن المملكة توجد عندها أحسن الأنظمة إلا أنها لسوء الحظ تخضع للمزاجية وفي حالة توحيد الأنظمة سوف تتحسن العمل بصفة جيدة.
أين نشأ؟
أما د. عبدالرحيم الغامدي فتحدث عن هذا الموضوع بقوله: أرى أنه يجب علينا البحث في كيفية نشأته هذا الفكرالارهابي وأسبابه، ومن أين جاءت إلينا أفكارالتطرف والتكفير والوصاية والإقصاء وإلغاء الآخر، قبل عشرين إلى خمسة وعشرين عاما، كنا أكثر تدينا، وأكثر انفتاحاً وتسامحاً مما نحن عليه الآن، وذلك حينما كنا نعتمد على أنفسنا في تكوين وبناء نسقنا الفكري وتعلم تعاليم ديننا الحنيف وشريعته السمحة، وفي مرحلة معينة يبدو أن سماحتنا وطيبتنا وحبنا للدين الإسلامي الحنيف وغيرتنا عليه جعلتنا نستقبل في بلادنا فئات من البشر جاءت تحت ستار الدين، وفتحنا لها أبوابنا ومدارسنا وجامعاتنا ووسائل إعلامنا ومراكزنا الصيفية وسلمناهم صغارنا بحسن نية، فاستطاعوا أن ينجحوا في تشويه وتلويث أفكار البعض، وقد ساهمت الأحداث في بعض مناطق الصراع العالمي مثل ما حدث في أفغانستان في ذلك، حتى خرج من بيننا عن الطريق نفر إن شاء الله انهم قليل، لذلك أقول :إن تغيير الفكر الملوث يجب أن يكون من خلال كشفه أولاً وتوضيحه للناس وتبيان الفكر السليم الذي جاء به الشرع الصحيح، ولعل تهيئة الأجواء للحوار يعد خطورة في الطريق إلى الاعتماد على أنفسنا في بناء وتعزيز منهجنا الفكري الذي يقوم على الوسطية والتسامح واحترام الرأي والرأي الآخر.
لا حاجة للدور التقليدي
وعلق د. عبدالله الحمود على هذا الموضوع فقال: إنني قد لا أتفق مع من ينادي بإعادة الأدوار إلى مؤسسات المجتمع من الأسرة والمدرسة والمسجد وما إلى ذلك، وسمعت كثيراً من الآراء سواء في هذه الندوة أو في أماكن أخرى تقول: إنه يجب إعادة الدور لمؤسسات المجتمع التقليدي، أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى ذلك الدور التقليدي لأنه ذهب، ولن يعود ذهب إلى غير رجعة، بل تحتاج الى صبغية جديدة محدثة لدور المسجد ولدور الأسرة، ولدور المدرسة تتفق مع التغييرات الكبيرة التي نحن نعيشها، وتتسق مع الصالح الوطني الذي يجب أن نستشعر الآن، أما الدور السابق فأعتقد أنه لن يحل مشكلتنا حتى لو عدنا إليه، ولو رغبنا، ومن المهم أن نستشعر أن المجتمع قد بات مجتمعا معقداً جداً ومركبا،ً ولم يعد مجتمعا تقليديا،ً ويمكن أن أستشعر باستقراء بعض الدراسات باختصار.
المجتمع اليوم بالذات فيما يتعلق بالنشء والأطفال والشباب، لم يعد ذلك المجتمع المربوط الطفل معظم ساعات اليوم بالبيت إلا بعض الساعات التي يقضيها في المدرسة، ومع بعض الجيران من الأطفال، وهذه النمطية يبدو لي قد انتهت.
ولا أعتقد أنها تعود أبداً، ولكن الدراسات تقول لو أخذنا 24 ساعة وقسمناها سنجد من 6 صباحاً (هذه الدراسة ليست سعودية) إلى 2 بعد الظهر، هذا وقت وجود الطفل في المدرسة، ومن 2 إلى 10 مساء هذا وقت وجود الطفل خارج المدرسة.فالطفل في المدرسة بين الأساتذة مختلفي الأذواق والأطوار، ولما يعود الطفل أمامه 8 ساعات يقضيها 50% أمام وسائل الإعلام و4 ساعات للمذاكرة والذهاب للمسجد والقضاء مع الأهل حتى يخلد للنوم، ففي هذه الظروف لم يعد للأسرة ذلك الدور الكلاسيكي.
وقال د. الحمود بالنسبة لتربية الولاء والانتماء، فإنه سهل المنال فقط يتطلب منا الإرادة فقد قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} سورة البقرة (143) يعني أن دينناوأمتنا وسطية لا إفراط، ولا تفريط فقط نحتاج إلى الإرادة.
في قضية الوطن فإننا في أمس الحاجة إلى الميثاق الوطني على غرار المواثيق الشرفية التي توضع في مختلف المجالات، ولكن ميثاق شرفنا الوطني يجب أن نصيغه حسب حاجتنا يجب أن نكون مبدعين، ولتحقيق هدفنا يمكننا أن نجمع المؤسسات التعليمية والتربوية والدينية والإعلامية والاقتصادية ونقول تعالوا يا إخواننا عندنا مشكلة نريد حلها.. تعالوا نتفق على القضية الوطنية، ما هو الصالح الوطني الأكبر، قضية وطنية عليا، ما هي الهدف الكبير الذي يجب أن نسعى له ما هو، ونصيغ آليات الوصول إليه بشكل ميثاق ليس بشكل تعليمات وقرارات وتوجيهات الانتماء والولاء.
أنا أعتقد أن المجتمع السعودي مرتبط بشكل كبير بالدولة ككيان، وحتى الذين عندهم مشكلاتهم أيضا يدينون بشكل كبير من الولاء للنظام، ويمكن الفئات الضالة المحدودة فقط هي التي إنتماؤها للارض للوطن للتراب ضعيف، لكننا خلال السنوات الأخيرة لم نرسخ مثل هذه القيمة الوطنية، ولكننا عملنا بشكل كبير على الولاء للدولة، ونحن نحتاج الآن إلى إعادة الهيكلة المجتمعية لأن الدولة جزء من الوطن، وإذا أنت فعلاً حريص على دولتك فيجب أن تكون حريصاً على وطنك لأنهما متلازمان.
فالمجتمع المصري على سبيل المثال رغم اختلافاتهم مع قياداتهم السياسية تبقى مصر أم الدنيا ليس هناك مصري يستطيع أن يقول كلمة واحدة عند المؤيد ضد المعارض عند المخالف، هذه القيمة الوطنية يجب صياغتها بشكل ميثاق شرف وطني، والبنود واضحة والتفاصيل واضحة، وفقط نحتاج إلى رأي وإرادة.
جمعية لمكافحة الإرهاب
وطرحنا فكرة.. هل نحن في حاجة إلى إنشاء جمعية لمكافحة الإرهاب فقال د. جمعان أبا الرقوش: كل نمط إجرامي مرتبط بعوامل ومتغيرات اجتماعية معينة لذلك ربما يكون من الأصوب أن يكون هناك قناعة مشتركة لمثل هذا التوجه فليكن جمعية أهلية لمكافحة الجريمة لأنها أعم وأشمل ويندرج تحتها النشاط الإرهابي، ولو قدر لهذه الجمعية أن تنشأ، فبالتأكيد يجب أن يكون هناك الدعم الحكومي حتى تنشأ في نفس الوقت، أيضا يعطى العمل التطوعي الأهلي مساحة كبيرة في نشاط هذه الجمعية، وبهذه الطريقة ستسجل هذه الجمعية نجاحات لا بأس بها، ولا أعتقد أن سلبية واحدة ستعتورعمل هذه الجمعية مهما كان، لذلك سوف تكون إيجابياتها واضحة، أما تفاصيل هذه الجمعية والنظام الأساسي، فهذا أمر سهل بعد الموافقة على الفكرة، وأؤكد على نجاح هذه الفكرة بسبب معرفتنا المجتمع السعودي معرفة تامة وخصائصه.
وعلق د. إبراهيم العتيبي قائلاً: لماذا ننشئ جمعية لمكافحة الإرهاب؟ أول شيء أن الإرهاب جريمة وجريمة قاتلة، والمجرم أو الارهابي هو من خفافيش الظلام فالارهاب جريمة تطفو وتطلع، أو كما قال ابن الجوزي تطلع وتزول، حسب الظروف المعينة، وبالتالي أنا أعتقد أن المجرم لا مكان له في المجتمع، لذا لا أرى حاجة إلى إنشاء مثل هذه الجمعية أبداً.
لذا أقول ليس من الممكن وليس من المستساغ إنشاء هذه الجمعية لأنك تتعامل مع المجهول، والمجهول لا يمكن أن تجعل له ضوابط معينة، لذا انتفى وجود هذه الجمعية بكل مقاييسها.
** د. عبدالله الحمود: أنا أقول باختصار: إن فكرة إنشاء جمعية لمكافحة الإرهاب ليس إلا مجرد رد الفعل، وإننا في الحقيقة ننأى بمجتمعنا عن مهلكة ردود الأفعال، هذه مشكلة جديرة بالاهتمام من وجهة نظري، مشكلة الإرهاب متجذرة وعميقة جداً لها أسبابها ومشاكلها لذلك أنا أدعو حقيقة الى هيئة وطنية للمراجعة والتقويم الاستراتيجي أعتقد يجب أن تنشأ هيئة وطنية للمراجعة والتقويم وتقوم بالوظائف التالية:
يجب أن يكون البعد الوطني حاضراً فيها، يجب أن نشعر الناس بأننا نقوم بالمراجعة والتقويم، ويجب أن نرسخها بالثقافة، وأنها مراجعة وتقويم استراتيجي، ونضع لها خططاً طويلة المدى وقصيرة المدى، أما وظائفها فتشمل:
دراسة تقويم الواقع المجتمعي في المجالات كافة، وضع السياسات العامة لمؤسسات المجتمع كافة، مراقبة تطبيق السياسة العامة، تحديث تلك السياسات العامة بصفة دورية ملائمة، إنشاء الجمعيات والمجالس الاستشارية، وليكن بينهما جمعية لمكافحة الإرهاب يعني تكون هذه الجمعيات استشارية تأتي عند الحاجة، وتذهب عند عدمها، ولكننا فعلا نحتاج إلى هيئة استراتيجية عليا يمكنها أن تقوم بالعبء الذي نحتاج إليه خلال العشر سنوات القادمة.
أما عبدالرحيم الغامدي فقال:عن جدوى تأسيس جمعية أهلية لمكافحة الارهاب ظاهرة الإرهاب في المملكة ليست ظاهرة لها صفة الاستمرار والديمومة، فهي ظاهرة عرضية ومؤقتة، وستزول بإذن الله، وقريباً جداً ، سواء بالتصدي والمكافحة أو بصحوة ضمير المغفلين الذين سمحوا لأنفسهم أن يكونوا مطايا وأدوات للحاقدين على بلادنا والحاسدين لها، الذين لم يسرهم ما حققته وتحققه من مكاسب وإنجازات حضارية في مجالات كثيرة، فجندوا الصغار الذين يسهل التغرير بهم وغسل أدمغتهم وأوهموهم بأنهم يجاهدون في سبيل الله، وأن الجنة مثواهم، والحورالعين والغلمان المخلدون في انتظارهم، فانطلت عليهم الخديعة وساروا في درب الهلاك، وسيهلكون- إن شاء الله- جميعهم ومعهم أولئك الذين يحركونهم، فالجهود في سبيل دحرهم بكيدهم حثيثة تتضافر بالتعاون والتكاتف بين رجال الأمن والمواطنين جميعا الذين أصبحوا على إدراك تام بالأهداف الخسيسة التي تقف وراء هؤلاء الشرذمة، حيث أصبحت مسألة مكافحة الارهاب هما للجميع الآن، وأصبح الوطن كله جمعية واحدة لمكافحة هذه الآفة، وحيث إن خط الارهاب لا يستثني أحدا وأغراضه أصبحت مكشوفة للكل، وأنا أعتقد بأن المؤشرات على إفلاس هؤلاء وبوادر فشل مخططهم قصير النظر باتت تومئ إلى نهايتهم بإذن الله، ومن هذه المنطلقات فإنني لا أرى أن هناك جدوى لإنشاء جمعية محددة لمكافحة الارهاب فهي مسؤولية الجميع الآن، ويجب أن تكون مسؤولية كل مواطن ومقيم في هذا الكيان الذي يجب أن نحرص على الحفاظ عليه شامخاً.
************
ضيوف الندوة
د. جمعان أبا الرقوش.. مساعد رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
اللواء الدكتور إبراهيم بن عويض العتيبي
الدكتور عبدالله الحمود.. عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
الدكتور عبدالرحيم الغامدي.. مدير عام التعاون الدولي بوزارة الداخلية
العقيد الدكتور سعيد بن ناصر المرشان..- جغرافية الجريمة-
كلية الملك خالد العسكرية.. رئيس تحرير مجلة الكلية
إدار الندوة
منصور عثمان - عوض مانع القحطاني
|