هذا الباب العظيم من أبواب العلم النافع يدخلنا إلى بساتين السنة النبوية، وحدائق السيرة التي تضم من الأشجار والأزهار والثمار والأنهار وينابيع الخير ما يشبع القلوب، ويشرح الصدور، ويروي الأرواح.
لقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد أوتي القرآن ومثله معه، فسنته الطاهرة هي التي أوتيها مع القرآن العظيم، إنها واحة في بساتين الوحي الغناء، وحدائقه الفيحاء، وفيها من البيان لأحكام الإسلام وشرائعه، والتفسير لآيات القرآن الكريم وشواهده ما لاغنى للأمة عنه، وما لا يصح إهماله أو الانشغال عما فيه من الخير. وما زلت أذكر - حين كنا طلاباً في كلية اللغة العربية - تلك الفائدة العظيمة والمتعة التي وجدناها من قراءة القصص الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين التي صدرت ضمن موسوعة أدب الدعوة الإسلامية التي كانت تعد في كلية اللغة العربية تحت إشراف الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا - رحمه الله - صاحب سلسلتي صور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، فلقد كنا نجد - نحن الطلاب - في تلك المادة الغزيرة التي جمعت في كتاب القصص الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين، من الفائدة الجليلة، والزاد العلمي، ومتعة الاطلاع والقراءة ما لا يمكن التعبير عنه. وما هذه الإصدارات إلا جزء من عمل جليل لخدمة سنّة سيد الخلق وسيرته عليه الصلاة والسلام، وهي دليل على شمولية هذه السنّة المطهرة فهي في مجال الأدب شعراً ونثراً تقدم لنا ملامح واضحة للأدب الإسلامي الذي رسمت صورته في القرآن العظيم وفيما صح من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما ورد عنه من الاستماع إلى جيدة، والإجازة عليه، والإشادة به.
وإن في القصص التي وردت في كتب السيرة، وفيما صح من الحديث النبوي من جمال الصياغة، وبلاغة الأسلوب، وفصاحة الكلمة، وسمو المعنى، ما يؤكد لنا عظمة هذه السنة وثراءها وأهميتها في كل زمان ومكان. وإذا كانت القصص الإسلامية في السنة والسيرة قد خُدمت في كلية اللغة العربية بالرياض، فإن علاقة النحو العربي، وعلوم اللغة العربية بالسنة المطهرة وبما ورد من الأحاديث عن أفصح العرب عليه الصلاة والسلام، قد نوقشت في كتاب صدر عن نادي أبها الأدبي بعنوان (السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث في النحو العربي للدكتور محمود فجال الذي كان رئيساً لقسم النحو والصرف في كلية اللغة العربية بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود في أبها، حيث قدم المؤلف دراسة ثرة لدحض شبهات مَنْ منعوا الاحتجاج بالحديث النبوي في مجال الدراسات اللغوية وقواعد النحو مؤكداً أن ما صح من الحديث النبوي يعد مرجعاً لغوياً ونحوياً مهماً لا غنى لعلماء النحو عنه وقد درس المؤلف الأحاديث النبوية الواردة في شرح الكافية للرضي دراسة نحوية وافية، وهذا - كما نرى - جانباً من جوانب ثراء سنّة النبي وسيرته عليه الصلاة والسلام. وهناك دراسة علمية مهمة أعدها د. أكرم ضياء العمري في كتابه القيم السِّيرة النبوية الصحيحة، حيث جعلها محاولة لتطبيق قواعد المحدِّثين في نقد روايات السيرة النبوية، وقد صدر هذا الكتاب عن مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، كما صدر للمؤلف نفسه عن المكتبة نفسها كتاب: (بحوث في تاريخ السنَّة المشرَّفة) تناول فيه حركة الوضع في الحديث النبوي وجهود العلماء في مقاومتها، وبيان عظمة علم الأسانيد ومعرفة الرجال، والرحلة في طلب العلم، وتدوين الحديث وجهود العلماء في الحفاظ على السنَّة المطهرة، وما هذه الكتب إلا قطرة من بحر خدمة السنة علمياً في جامعات المملكة ومراكزها التعليمية. أعمال جليلة، وخدمة لجانب مهم من جوانب ديننا نرجو أن تظلَّ معطاءة لا تتوقف.
إشارة
هطل الغيث فالحياة ربيع
مشرئبٌّ يفرُّ منه الخريف |
|