Saturday 15th May,200411552العددالسبت 26 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المنشود المنشود
وغابت شمس أحلام!!
رقية الهويريني

لم تعتد أحلام الغياب عن مدرستها، فهي تحب الحضور اليومي للمدرسة ولقاء زميلاتها، ولم يكن غيابها هذا اليوم بسبب مرضها حيث اعتادت أن تحضر وتقاوم المرض، وفي كل عام تستلم شهادة الالتزام بالحضور اليومي وهدية قيّمة! لم تكن وحدها التي تغيبت بل شقيقتاها الصغيرتان، كالشمس يشرقن في المدرسة خُلقاً، وذكاء، وأدباً!!
استيقظن فجراً.. أدت أحلام الصلاة، وانتظرت طويلاً في سجادتها.. لم تتعجل في صلاتها كالعادة! لتلحق بالمدرسة.. وحين قضت الصلاة التقت العيون الست في لحظة واحدة وفهمت أحلام تلك النظرات! نعم، الغياب اليوم كان بسبب ضيق ذات اليد! وعلى الرغم أن والدها ذو وظيفة مرموقة ويشار له بالبنان بيد أنه ابتلي بتبذير المال في أوجه غير شرعية!! وحين يحل منتصف الشهر تجد الأسرة نفسها في وضعٍ حرج!! ولا أخاله يجهلك وضع زوجة صابرة محتسبة، لم يقدِّر زوجها المسؤولية التي ألقيت على عاتقه! تلك المرأة - والدة أحلام وأخواتها - لم تشأ أن تذهب بناتها للمدرسة دون نقود لشراء ما يُباع في اليوم المفتوح! وما أدراك ما اليوم المفتوح في مدرسة وضعت شعارها التربية أولاً!! فاليوم المفتوح في مدارس البنات بعيدٌ عن التربية، قريبٌ من العبث.. حيث بعض المعلمات يرتدين ملابس أشبه بحلل الحفلات، وما يصاحبها من أصباغ على الوجوه وعطور تعبق في أرجاء المدرسة!! وقد أحضرن حافظات أطعمة تحوي أنواع المأكولات! جزء منها للبيع على التلميذات كالبليلة والذرة المنفوخة، عدا البطاطس المقلية وجزء خاص بالمعلمات تقرره برودة الطقس أو حرارته!! أما الاكسسوارات فما يُشترى من السوق بريال يُباع بخمسة ريالات، وما يُباع بخمسة في المحلات فهو في المدرسة بعشرة! والكل يدفع بدون جدال.. أليس يوماً مفتوحاً؟!!
وحذار أن تُحضر التلميذة نقوداً قليلة!! وليس أقل من مائة ريال، العصفور بالقفص سعره عشرون، والأرنب بثلاثين ولا يكادان يعيشان طويلاً بعد البيع، أما الحلويات الملونة وما في حكمها فقد تم استئجار آلة صنع حلوى القطن من إحدى مدن الألعاب، وتقوم بالعمل عليها إحدى المعلمات التي طالما حذرت تلميذاتها من خطورة هذا النوع من الحلوى بالذات!! ولعلك تعجب حين ترى التربويات في ساحة المدرسة يحرِّجن على بضائعهن (كل فيما يخصها) حسب التعميم الصادر من مديرة المدرسة بدون رقم أو تاريخ!!
ولا يكتفي بالبيع فحسب بل إنه بدعوى الترفيه عن التلميذات من الملل - بسبب غياب المعلمات المتكرر - فإنه يتم التعاقد مع اختصاصية (الحنا) لنقش أنامل الصغيرات في باطن الراحة وظهرها، كما يعمد إلى صبغ وجوههن بالألوان للأشكال الكارتونية المختلفة فهذه وجهها يرسم كالقطة وتلك.. كالأسد، ولا مانع من رسم وجه الفأرة! فاليوم مفتوح!! ومما يحز في النفس أن التربويات - اقتصاداً في التكاليف - يمارسن عملية التشكيل على الوجوه بأنفسهن!!
وقد تشفق على الصغيرات وهن يقفزن على (النطيطة) ولمن لا يعرفها! فهي عبارة عن غرفة بلاستيكية مملوءة بالهواء، بابها وجدرانها الأربعة مصنوعة من الشِبَاك يحشر فيها حشدٌ من الصغيرات بعد أن تدفع كل واحدة خمسة ريالات لخمس دقائق فهن يتزاحمن ويسقطن على الأرض ويدوس بعضهن البعض بيد أنهن لا يبكين - كالعادة - بل يضحكن بهستيريا مؤلمة وحولهن (معلمات الأمن والسلامة) يرتشفن القهوة مع قطع (الجاتوه) ويتبادلن الطرف والتعليقات على هؤلاء الصغيرات وهن يتدافعن ويصرخن!!
ولا تستغرب حين تجد كل معلمة قد أحضرت أسرتها معها - عدا الزوج طبعاً - فالأطفال الذكور حتى سن العاشرة والشابات والخادمة وجارتهم القريبة وقريبتهم البعيدة.. فلا مانع من الحضور مادام الجميع سيشتري وتزداد جملة المبيعات!
أما الإدارة..!! فهي غارقة وسط مجموعة من النقود، فهذه خمسون ريالاً أخذت من تلميذة لم يكن والدها مقتنعاً بهذا الأمر ولكنه لا يود أن تكون ابنته أقل من غيرها!! وتلك عشرة ريالات سقطت من إحدى الصغيرات وهي تتدافع مع زميلاتها وحين لم تجدها ذهبت للمعلمة لتخبرها بفقدها النقود فواجهتها بالزجر والإبعاد قبل أن تتم الصغيرة شكواها! أما بقية النقود (من فئة العشرات والخمسات) فكل واحدة لو تكلمتْ لقالت الكثير!!
ولو سألتَ عن الغرض من تجميع النقود لأفدتك بأن واحداً من الأهداف هو صبغ أحد جدران المدرسة بلوحة زيتية بألفي ريال أو تزيد.. وحين لا تروق الألوان للإدارة تغيّرها.. وتغيّرها.. وتعيد صبغ الجدار طلباً للوحة أجمل!! وما أكثر جدران المدرسة!! ولا يزال الجدار يصبغ والنقود تُجمع.. وتُدفع!! طالما كانت أيدي التلميذات تخضب، وتنقش، ووجوهن ترسم بأشكال وجه القط والفأر!.. والنتيجة آخر العام.. ضعفٌ عام في مستوى الطالبات.. وربما كانت الأصباغ بتلك الأشكال كما قد غيرت معالم الوجوه فقد أثّرت على مستوى العقول!!
******
في ذلك اليوم لم يشعر أحد بغياب أحلام وشقيقتيها..
ولم يتم اتصال الإدارة - كالعادة - على أسرتهن!!
وزميلات أحلام لم يفقدن وجودها بينهن..
فلم تكن زميلاتها بحاجة إلى استفسار عن الواجب الذي لم يؤد - كالعادة - في المنزل!!
وأي واجب؟!وأي استذكار؟!
وهل هناك معلمة دخلت الفصل لتلقي الدرس أو تسأل عن الواجب؟!
بل.. أي تعليم.. وأي تربية؟؟ فاليوم مفتوح!!
******
في الغد كان غياب الطالبات مثيراً للدهشة..
وحين الاتصال بأسرهن تبين بأن سبب غياب بعضهن آلام في الأرجل والرقبة.. وبعضهن أوجاع في البطن ونزلات معوية.. والبعض الآخر بسبب حساسية في الوجه..
أما المعلمات فكافأن أنفسهن بالغياب عن جهد الأمس!!
وحدها أحلام، نجحت - في آخر العام - بامتياز وتفوق باهر..بينما لا يزال وجهها مشرقاً.. منيراً..
ليس لأنه لم يلطخ بتلك الألوان والأصباغ..
بل لأنها اعتادت منذ ذلك اليوم (المذبوح) أن لا تستعجل في أداء الصلاة، فهي بها في حالة خشوع، وقبل أن تصلي الفجر تسبقها بالسُنّة، وتتبعها بالدعاء أن يهدي والدها وينير طريقه للرشد.. ويحفظ والدتها، ويمنحها الصحة.. ويعينها - وأخواتها - على الاجتهاد في دروسهن في الصغر، وعلى حمل الأمانة واستشعارها والثبات على الحق في الكبر!.

ص.ب 260564 الرياض 11342


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved