بقدر ما كنت متأثراً بالقتامة التي رأيتها في قصيدة العشماوي (الكلب والجثة) كنت دارياً إلى أي مدى استطاع الشاعر أن ينقلنا إلى عالمه الشعري الساخط المتألم، وأن يجعلنا أمام مشهد الظلم الكبير الذي لحق بشعب العراق على أصوات طبول بحر الرمل ذي قافية اللام الساكنة بهيبته ورهبته الملائمة للتعبير عن موقف مهيب حزين وحدث جلل.
وربما استطعت في هذه العجالة أن أرصد جانباً من الصورة التي رسمها الشاعر للمأساة من خلال نظرية الإصلاح التي جاء يبشر بها المحتل، مع أن الأسباب البعيدة لتحرك جحافله - كما ذكر العشماوي - شعلة الحقد الصليبي الذي كان ينتظر الشرارة، فلما رآها الظالم انتشى..، ومع أن النشوة عادة ما تلبس ثوب الفرح والبهجة إلا أن الشاعر شاء أن تكون نشوة مصبوغة بالعنف كما هو واقع الأمر؛ إذ ما لبث ذلك الظالم أن بدأ بإشعال النار في العراق بعد أن أوقد جذوتها في داره:
أشعلَ الحقدَ الصليبيَّ، فلما
أبصرَ النارَ انتشى عنفاً وأشعلْ |
ورافق ذلك تحرك الفرقة الرعناء الموكلة بقتل البشر التي أهلكت الحرث والنسل في أرجاء عديدة من المعمورة.. تلك الفرقة التي:
أتعبتِ الأرضَ صراعاً وخلافاً
وحروباً حقده فيها تأصّلْ |
أما الإصلاح لدى دعاته (الجدد)، فأهله يعرفون الحقَّ، لكنهم شقوا لأنفسهم طريق الظلم، فكلما رأوا الحق اجتنبوه وأمعنوا في الظلم، وهذا ما حصل.. فما أن اشتمَّ المصلح الأمريكي رائحة الظلم في شرقنا الأوسط حتى ترك ما كان بيده من الأذى والقذى مما تحمله يسراه، وعجَّل بإرسال أسطوله الجوي والبحري، وهو يعرف أنه لن يدفع الظلم إلا بظلمات، لقد كانت نيّاته الظاهرة أنه سيجلب الأمن للعراق، ولقد كان أمْناً مجللاً بالشظايا والصواريخ والغازات القاتلة.. ثم يتساءل العشماوي قائلاً:
أمنُهُ يقتل أطفالاً صغاراً!!
ونساء! فهي شيء لا يعلّلْ |
أي أمن ذلك الذي يحفل بكل هذا القدر من التدمير النوعي.. إنها صورة لا تجد نظيراً لها سوى عند (شارون) في الجانب الآخر من الملعب (الإصلاحي) حيث يقتل الشعب وتهدم بيوته ومساجده؟!! أما الظالم نفسه فوجهه يفيض دائماً بالرضا والاستبشار كلما اهتز بيت تحت وطأة القصف، ولقد حاولت أبواق الإعلام أن تحسن الصورة فلم تنجح لضعف الحجة.
ثم يومئ الشاعر في قصيدته إلى الصورة (الإصلاحية) التي رأيناها في الفلوجة.. وأنها الشاهد الناطق على الأمن الذي يولد من رحم الحقد. وأقول للشاعر العشماوي لو أنك تريثت يا أخي في قصيدتك قليلاً ورأيت صور خريجي إصلاحية (أبو غريب) لكانت الصورة أشمل وأجلى!! ومن يدري فلعل الشاعر من الآن قد عكف على قلمه وأوراقه ليسطر لنا شعراً عن إصلاحية (أبو غريب)!!
تركي الخليوي |