دروس من غزة

شقت المدرعات الإسرائيلية طريقها إلى غزة وهي تنوء بحملها الثقيل من المتفجرات التي أعدت لتدمير المنازل والمنشآت، لكن ثلاثاً من هذه المدرعات انفجرت بمن فيها من جنود خلال اليومين الماضيين، في نقلة نوعية لعمليات المقاومة أذهلت العسكريين الإسرائيليين وجعلت الإستراتيجيين منهم يراجعون خططهم، فيما لاح في الأفق مجدداً (شبح) المقاومة اللبنانية وتكتيكاتها التي طردت جيش الاحتلال من جنوب لبنان. والآن بات يتعين على الجنود الإسرائيليين ألا يثقلوا مدرعات نقل الجند بالمتفجرات وفقاً لأوامر جديدة.
الذهول الإسرائيلي مرده إحساس الإسرائيليين أن جيشهم قوى لا يقهر وأنه يتوفر على أفضل وآخر التقنيات، ومن ثم فإن إلحاق خسائربهذا الجيش، وبهذه الطريقة المتتابعة أمر يورث الحسرة قبل الذهول. ويستطيع جيش الاحتلال أن يقتل العشرات كل يوم ويدمر المنازل ويحرق الأراضي الزراعية ويحاصر الناس في مناطق معزولة، لكنه لن يكون بمنأى عن الضربات الموجعة مثل التي تلقاها خلال اليومين الماضيين.
فالدافع للقتال والإحساس بالظلم لدى الفلسطينيين يعوضهم عن الحرمان من الأسلحة المتقدمة مثل تلك الموجودة لدى الجانب الإسرائيلي الذي يفتقر إلى الدافع للقتال، فهو لا يدافع عن حق ولا عن أرض، بل هو سارق للأرض، ومغتصب للحقوق، ولا يحتمل المواجهة التي قد تفضي إلى موته.
ويستطيع الاسرائيليون أن يحشدوا أحدث ما في ترسانتهم وما في الترسانة الأمريكية، التي تغدق عليهم أفضل الموجود لديها وذلك لضرب الفلسطينيين، لكنهم لن يستطيعوا الحجر على ما يعتمل في عقول أبطال المقاومة، أو تتبع الكيفية التي يفكرون بها، بغرض إحباط ما قد تتفتق عنه أذهانهم من أفكار نضالية مبتكرة أو أساليب جديدة في المواجهة.
لقد خبر الاسرائيليون طوال أكثر من خمسة عقود الروح النضالية التي لا تتقاعس ولا تفتر عن القتال، ومع ذلك فهم يصرون بل يراهنون على قدرتهم على تركيع هذا الشعب، لأنهم ببساطة يفتقرون إلى بصيرة نافذة توضح لهم خطل مقاصدهم وأفكارهم.