Friday 14th May,200411551العددالجمعة 25 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أساليب تربوية دعوية أساليب تربوية دعوية
من السيرة النبوية
د. ليلى بنت سعيد السابر ( * )

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن أمتنا تعيش هذه الأيام صحوة دعوية فتجد آلافاً من المسلمين رجالاً ونساءً يحملون همّ الدعوة والتضحية لأجل نشر الرسالة، إلا أن هذه الدعوة تمثلت في غالبها - او بالأصح في جزء منها - بالأسلوب الدعوي المباشر الذي ألفه الناس وقد لا يكون مجدياً - لبعض الأفراد - نظراً لاختلاف نفسيات الناس وأحوالهم.
لذا يحسن لكل داعية التفقه في السنة والسيرة والعكوف على استنباط طرائق الدعوة وأساليب مخاطبة المدعوين لتكون دعوته مسددة موفقة مباركة كما قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}.
والمتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد تنوع أساليب وطرائق الدعوة - ومنها - التوجيه غير المباشر او ما يسمى - بالإيحاء والاستنباط ومعرفة النتائج - إذ إن الناس بطبعهم جبلوا على كراهية التوجيه المباشر.
وأذكر هنا بعض الأحاديث والمواقف على سبيل المثال لا الحصر.
1- الحث على المبادرة والمسابقة لفعل الخيرات دون الإشارة بفعل الأمر، فمن قوله صلى الله عليه وسلم:( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) رواه البخاري.
2- الأسلوب الأمثل بل والأرقى لمعالجة أخطاء الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ومن ذلك قصة معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة مما جعله يقرر قاعدة للعالم أجمع حيث قال:( والذي نفسي بيده ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن منه فوالله ما كهرني ولا نهرني) رواه مسلم.
3- التعلق بالآخرة والعلو بهمة المسلم لما عند الله والتنزه عن الدنيا، وقد تمثل هذا الأسلوب في أحاديث وقصص شتى منها:
قوله للفقراء من المهاجرين والأنصار وأهل الصفة الذين علموا بقدوم الأموال من البحرين أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم من البحرين بشيء - فلم يسمه النبي صلى الله عليه وسلم لبيان حقارته أمام همة المسلم ونظرته العلوية لما عند الله عز وجل وتقديم الباقي على الفاني:( أبشروا فوالله ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدينا كما فتحت على من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم) أخرجه البخاري.
ياله من أسلوب فريد، يرغب المسلم بترك هذه الدنيا - متضمناً رفض ما أتوا لأجله - تلميحاً، لا تصريحاً ومن ذلك قصة خروجه لبقيع الغرقد يدعو لموتى المسلمين، فظنت عائشة رضي الله عنها أنه خرج لإحدى نسائه فلما لحقته أسفت على حالها وقالت إيه يا رسول الله والله إنك لفي شأن وإني لفي شأن آخر) مما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الزوج اللطيف يؤمّنها على ظنها بقوله - قد جاءك شيطانك يا عائشة) أخرجه البخاري.
4- التماس حاجات الناس وتفقد أحوالهم سيما الفقراء والمساكين فكان صلى الله عليه وسلم يسأل عنهم في وقت الشدة ويدعوهم لما يهدى له في وقت الرخاء ومن ذلك بعثه لأهل الصفة حينما شعر بالجوع مع ابي هريرة حيث قال:( هلم بأهل الصفة) فلما حضروا قال ابن مسعود فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي ووجوه أصحابي حتى ظننت ان لديه بشارة.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:( أبشروا بجنة عرضها السماوات والأرض) أخرجه ابن سعد بسند حسن.
5- الترغيب بخلق التواضع والبعد عن الفخر والخيلاء من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبدالله ورسوله فقولوا عبدالله ورسوله) متفق عليه.
لله دره من شعار.. فأين من يأنس بالمدح والثناء والرفعة سيما ان كان لا يستحق من ذلك شيئاً، ومن ذلك وصف أنس رضي الله عنه لا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والصغير حتى يفرغ لهم من حاجاتهم) رواه ابنه بسند حسن.
6- التربية على الثقة بنصر الله وحفظه لعبده ومن ذلك ما وعد به أبو جهل قريشاً بقتل محمد صلى الله عليه وسلم ففزع المسلمون لهذا الخبر حينذاك طمأنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:( لو فعل ذلك لأخذته الملائكة عيانا) رواه أحمد بسند صحيح.
7- الترغيب بحسن الخلق، والتأدب مع الناس عامة وهذا متمثل بثنائه على خلق شداد رضي الله عنه (فضّل شداد الأنصار بخصلتين: ببيان إذا نطق، وبكظم غيظ إذا غضب) رواه ابن حبان بسند صحيح - فيالها من سعادة.. إنه ثناء، ولكنه من الذي لا ينطق عن الهوى.
8- التربية على حسن الظن ومغفرة الزلات والعدل في الحكم على الآخرين سيما في حال ارتكاب الخطأ - ولعل أظهر قضية في هذا الباب تعامله صلى الله عليه وسلم مع حاطب بن بلتعة، رضي الله عنه بل ودفاعه عنه حيث قال:( مهلاً يا عمر.. لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شتئم فإني قد غفرت لكم) رواه أهل السنن وسنده صحيح.
9- التحذير من العجب وحب الثناء والتنبيه على آفتهما وأثرهما على نفسية المسلم فمن ذلك حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال وحب المشرف لديْنه ) رواه الترمذي قال حسن صحيح وصحح اسناده الحافظ ابن حجر.
وقوله لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أشد من الذنب - قيل ما هو يا رسول الله قال: العجب) رواه أحمد والبزار بسند صحيح.
10- الترغيب بخلق الرفق وأثره في حياة المسلم والأسرة والمجتمع كافة فها هو صلى الله عليه وسلم يربط خيرية البيت بالرفق فيقول:الرفق ما يكون في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه واذا اراد الله بأهل بيت خيراً أعانهم- وفي رواية- رزقهم الرفق) رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها.
ومازال الرسول الكريم يعطي الناس الهدايا والأنفال ليرغبهم في الدخول في الإسلام قال صفوان بن أمية مازال محمد يعطيني حتى صار أحب الناس إلي) رواه ابن كثير بسند صحيح.
هذه مواقف اصطفيتها من سيرة المصطفى لتكون منارات على طريق الدعاة إلى الله ومنهجاً ربانياً مستقى ممن أرسله رب العالمين رحمة لهم هادياً ومبشراً ونذيراً لعلها تكون نبراساً لنا في طريق الدعوة والحرص على هداية الناس ومن ثم نستظل تحت أفياء قوله تعالى:{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

( * ) عضو هيئة التدريس بقسم السنة
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved