تعرضت الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في بلادنا لجزء كبير من الحملات العدائية التي تشنها وسائل الإعلام الغربية عامة، والأمريكية على وجه الخصوص، منذ أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، وبدء ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب، بدعوى أن هذه الجمعيات تكرس للعنف والتطرف الديني والغلو.
وعلى الرغم من عدم وجود دليل واحد يثبت صحة هذه الدعاوى استمرت وسائل الإعلام الغربية في انتقاد جمعيات التحفيظ، والهجوم عليها، والتشكيك في أهدافها، بل والمطالبة بتجفيف مصادر تمويلها، وهو الأمر الذي يجب أن يدفعنا للتساؤل: لماذا يستهدف أعداء الإسلام جمعيات التحفيظ ويولونها هذا القدر من الاهتمام؟
والإجابة عن هذا التساؤل ليست صعبة، وفي واقع كثير من الدول العربية والإسلامية ما يرشدنا إلى معرفة أسباب ودوافع هذا العداء المريب للجمعيات العاملة في مجال التحفيظ، فالدول التي أهملت العناية بالقرآن الكريم، المصدر الأول للتشريع الإسلامي، فقدت الركن الأساسي للقوة، وسقطت في دائرة التبعية للغرب وفقدان هويتها الإسلامية، وهو أمر يتضح فيما تبثه وسائل إعلام هذه الدول، وسلوك كثير من مواطنيها، بل ونوعية الجرائم المنتشرة فيها، في حين أن الدول التي نشطت في العناية بالقرآن الكريم أحسن بكثير من غيرها.
وقد استوعب أعداء الإسلام، من خلال قراءاتهم للتاريخ الإسلامي في عصور القوة والضعف، أن المسلمين شيَّدوا أعظم حضارة في التاريخ الإنساني عندما اجتمعوا على مائدة القرآن الكريم؛ حفظاً وتعلُّماً وتدارساً وتحكيماً له في كل أمور حياتهم، وأنهم هانوا على أنفسهم وعلى الناس وضعفت شوكتهم عندما ساروا في الاتجاه المعاكس، ونبذوا القرآن الكريم وراء ظهورهم، وتفرقوا حول مذاهب وأفكار فلسفية وضعية، نبتت بذورها في الغرب الرأسمالي، أو الشرق اللاديني.
ومن هذا المنطلق يسعى أعداء الإسلام لتهميش القرآن الكريم في حياة المسلمين -ولن يستطيعوا- وتنفيرهم من حلقات تحفيظه وتدارسه، فمَن لا يعرف الشيء لا يعمل به، ومَن لا يقرأ القرآن ويتدبر معانيه لا يعقل أن نطالبه بأن يكون القرآن الكريم هو خلقه وسلوكه، فالقرآن الكريم يدعو إلى الخير والتسامح وطلب العلم وصلة الرحم، والصدق والأمانة، والتراحم والتكافل وإعداد القوة، وغيرها من الأخلاقيات التي تضمن لأمة الإسلام كل أسباب القوة والعزة والتقدم، وهو أمر لا يريده بالطبع أعداء الإسلام، فشنوا حملاتهم، وأطلقوا سهامهم الخبيثة باتجاه التحفيظ، أو مناهج التعليم الشرعي، هدفهم تغييب القرآن الكريم في حياة المسلمين عن طريق تخويف الآباء والأمهات من دفع أبنائهم وبناتهم لحلقات التحفيظ، وتشكيك المحسنين حتى يتوقفوا عن دعم هذه الحلقات. وفعلهم هذا لا يستغرب، إنما الغريب أن يتبنَّى بعض أبناء المسلمين هذه التشكيكات ويؤيد تلك الحملات الآثمة، ويجعل من نفسه محامياً للغرب ضد بلاده ودينه وقرآنه، فهل نعي مسؤوليتنا في إفشال هذه المخططات التي تستهدف كتاب الله، والذي لا نضل أبداً متى تمسكنا به علماً وعملاً، ومصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)؟!
|