وقفنا في المقالة السابقة على مدخل مهم في هذا الموضوع ، وانتقلنا بعد التعرض لفرضية الأمر بالمعروف وتعريفه ننتقل هنا لتوضيح مراتب الإنكار ، ونبدأ بما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان).
وهذا الحديث الشريف يدل في المقام الأول على أن تغيير المنكر أمر واجب ، كما يدل بعد ذلك على أنه يتم بدرجات متفاوتة ، فهناك التغيير باليد وهذا يختص به أصحاب السلطة ، والتغيير باللسان وهذا يتمكن منه كثير من الناس خاصة إذا تساعدوا ولم يحصل منهم تكاسل أو تخاذل وتقوم به الحجة على صاحب المنكر، وأخيراً التغيير بالقلب في حالة عدم الاستطاعة على التغيير باللسان وهذا لا يعذر فيه مسلم في قلبه إيمان.
يقول ابن تيمية - رحمه الله - (فأما حب القلب وبغضه وإرادته وكراهيته فينبغي أن تكون كاملة جازمة لا يوجب نقص ذلك إلا الإيمان ، كما سمع عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - رجلاً يقول: هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر فقال ابن مسعود: هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ، يشير إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد فمن لم يعرفه هلك.
ومن إيجابيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يصعب حصرها ما يلي:
- تحقيق مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
- الأمن من عقاب الله.
- تقوية روابط الأخوة بين المسلمين حيث يحس المسلم أنه ليس بمعزل عن إخوانه المسلمين ، وأن هناك من يأخذ بيده ويدله على الطريق المستقيم.
- تقويم السلوك وتصحيح الأخطاء في مجتمع المسلمين.
- القضاء على المخالفات العلنية بحيث يظهر المجتمع المسلم خالياً منها.
- تقوية الشعور لدى أصحاب المعاصي بأن هناك اختلافاً بينهم وبين عامة أفراد المجتمع المسلم ، وأنه ينبغي عليهم تصحيح سلوكياتهم إذا رغبوا إزالة هذا الاختلاف.
- إعداد البيئة المناسبة التي يتربى فيها النشء المسلم وفق تعاليم الإسلام.
- إعانة القائمين على التربية على تأدية رسالتهم.
- تقوية الهمم وتركيز جهود أفراد المجتمع للنهوض به، فالمجتمع الذي يكون خالياً من المعاصي الظاهرة يعيش أفراده في صفاء ذهني يكسبهم القدرة على الإبداع في شتى شؤون الحياة.
- تهيئة الجيل المسلم ليدرج منذ نعومة أظفاره في جو ملائم يخلو من المؤثرات السلبية على فكره وسلوكه.
وأما السلبيات التي تحصل نتيجة الإخلال بهذه الشعيرة العظيمة فهي أضداد ما سبق إيراده من إيجابيات ويا بؤسه من مجتمع يُخل بها عندما يحصد نتيجة ذلك من خوف وترقب للعقوبة، وتفكك وجفاء بين أفراده.. نسأل الله السلامة والعافية.
|