Friday 14th May,200411551العددالجمعة 25 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أهل الاختصاص في تفنيدهم لشبهات تثار حول الأمر بالمعروف (2-2) أهل الاختصاص في تفنيدهم لشبهات تثار حول الأمر بالمعروف (2-2)
الإحجام عن الأمر بالمعروف من صفات المنافقين

* تحقيق :فهد بن إبراهيم الجمعان (*)
قد يتخلل حياة بعض الناس فتور عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ذلك إلا بسبب ما يحدثه الشيطان من وساوس وشبهات حول هذا الموضوع وفي هذا التحقيق نستكمل ما بدأناه عن هذه الشبهات والرد عليها في ضوء الكتاب والسنة المطهرة مستعينين في ذلك بطروحات أهل الاختصاص في هذا المجال فإلى الجزء الثاني من هذا التحقيق الذي نسأل الله أن ينفع به القارىء ويجزل الأجر للمشايخ المشاركين في هذا التحقيق.
الفتنة
الشيخ عبدالكريم بن إبراهيم المطرودي رئيس هيئة محافظة الجبيل فند شبهة القائلين بعدم الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة قائلاً: قد يقول بعض الناس انهم لا يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية الوقوع في الفتنة بسبب ذلك وهذه الشبهة مردود عليها بالآتي:
1 - إن ترك الاحتساب هو الذي يوقع الإنسان في الفتنة.
2 - النصوص من الكتاب والسنة تؤكد أن ترك الاحتساب يعرض العبد للفتنة ومن هذه النصوص قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
3 - انه لا يمكن الوقاية من هذه الفتنة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاتقاء الفتنة المذكورة في الآية الكريمة هو بإنكار موجبها من المنكر.
4 - من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة طلب السلامة من الوقوع في فتنة لم تقع بعد فقد وقع في فتنة كبرى ألا وهي ترك ما أوجب الله تعالى عليه من الاحتساب.
5 - نظر المحتسب إلى ما يترتب على قيامه بالاحتساب فإن كانت المفسدة المترتبة عليه أعظم من المصلحة المتوقعة فإنه لا يقوم بالاحتساب وإن كانت المصلحة المرجوة أعظم من المفسدة وجب عليه القيام بالاحتساب وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات لابد أن تكون المصلحة فيه راجحة على المفسدة فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم) وعلى أن يراعى في ذلك اعتبار المصالح والمفاسد ليس بهوى الناس بل كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو بميزان الشرع.
عذر فاسد
أما الشيخ تركي بن فهيد الشمري رئيس هيئة محافظة النعيرية فقد تكلم حول شبهة عند بعض الناس مضمونها أنهم يقولون ان الدعوة تسد مسد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي قد يسبب الشحناء بين الناس قائلاً: فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قطب الدين الأعظم وهو المهم الذي بعث الله له النبيين أجمعين وأكد فريضته في مواقع من كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم في أخبار متواترة عنه واتفقت الأمة كلها على وجوبه بلا خلاف أحد منهم. وإن قوام الدين بقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو طوي بساطه وأهمل عمله وعلمه لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد وقد ظهر ذلك في كثير من البلاد. وحذر فضيلته من مغبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستهانة به من خلال ما يثار من الشبه حول شرعيته ووجوبه وجدواه وما يلقن الناس من أعذار فاسدة للتهاون في شأنه وقد تضافرت نصوص الشرع في بيان وجوبه منها ما هو صريح في الدلالة على الوجوب كقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} ومن السنة النبوية ما رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
كما فند الشيخ الشمري شبهة أن الأمر بالمعروف سبب الشحناء بين الناس ورد على ذلك بأن المسلم الحصيف يستطيع قول الحق وإزالة المنكر في كل وقت دون إحداث مشكلة إذا التزم فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الضوابط الشرعية والنظم المرعية والتزام آداب التبليغ والبيان فلم يستفز أحداً أو يستخف به أو يتكلم فيه إلى غيره من الآداب الشرعية.
حرمة اليأس
وعن عدم استجابة الناس وهل ذلك مسوغ لترك الاحتساب فقد أجزل الإيضاح في هذه المسألة فضيلة الشيخ سعود بن زيد العثمان رئيس هيئة محافظة الحريق قائلا: فإن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر غير مطالب بأن يستجيب الناس له قال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} فإذا كان الرسول غير مكلف إلا بالتبليغ فغيره من آحاد الأمة أولى ألا يكلف بغير التبليغ وإذا كان المطلوب من المسلم أن يدعو إلى الله وليس المطلوب منه أن يهدي الناس فعليه أن يستمر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا كلل ولا ملل ولا فتور وإن لم يستجب له أحد. وقال متعجباً ألا ترى أن نوحاً عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً؟ وأضاف وهكذا الرسل من بعده كانوا يدعون أقوامهم طيلة حياتهم كلها فمنهم من لم يستجب له أحد ومنهم من استجاب له قومه أو بعضهم قال النووي رحمه الله (لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين فإن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول) ومما يؤكد وجوب الاستمرار على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله حرمة اليأس واحتمال الإجابة لأن الأمور بيد الله وقلوب العباد بين إصبعين من اصابع الله يقلبها كيف يشاء فلا يستطيع الداعي أن يقطع بعدم الإجابة فيجب عليه الاستمرار بالدعوة والوعظ والإرشاد حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا وليتذكر الآمر أنه مأجور على فعله هذا فعليه الصبر والاحتساب.
الحرية الشخصية
أما الحرية الشخصية وهل تتعارض مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشبهات بعض الناس في هذا المجال فقد تكلم حول هذا الجانب فضيلة الشيخ عبدالحكيم بن محمد النفيسة وكيل مركز هيئة ضاحية العريجاء قائلاً: إذا عرضت مفهوم الحرية الشخصية على ميزان الإسلام وجدت الإسلام من أفضل الأديان، والأنظمة تطبيقاً لهذا المفهوم حيث ان الإسلام ألزم بفعل الواجبات، وترك المحرمات، وجعل للمسلم الحرية في تطبيق المستحبات، وترك المكروهات، وجعل الوعد بالنعيم حادياً للأرواح، والوعيد بالجحيم رادعاً لها، وأمر بالمحافظة على الضرورات الخمس، وفرض الحدود، والقصاص لاستقامة الحياة، وكفالة الحرية الشخصية كما في الأنظمة الرأسمالية، ولحفظ حقوق الناس، فلا يتعدى بعضهم على بعض كما في غيرها، وربط الناس بخالقهم مباشرة لا بمخلوق مثلهم كما في الأديان الأخرى. وحينما تسمع بعض النصوص الشرعية التي يحتج بها من لم يفهمها على ترك الاحتساب تجدها حجة عليه من حيث لا يعلم ومنها:
قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} يقول الحافظ ابن كثير (أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام)، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده يفهمون هذه الآية جيداً، ففي فتوحاتهم تجد التطبيق لمعناها: إما الجزية، والخيار الثالث والأخير السيف حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وقد بين خطأ المستدلين بها أبوبكر الصديق حيث قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده) وقد نقل الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب - رحمهما الله في تفسير الآية أنه قال: (إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، لا يضرك من ضل إذا اهتديت) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في تفسير الآية نفسها: (ان الاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال).
وقال فضيلته ولو توسعنا في ذكر النصوص التي يحتج بها من لا يفهمها لطال بنا المقام، لكن حسب من أراد ترك الاحتساب تذكر النصوص التي تمدح من قام به، وتذم من تركه، ولا تعذره بأي حال كقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} وكقوله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وقوله صلى الله عليه وسلم (مروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم) وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه).

(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved