* رفحاء - تقرير وتصوير - حماد الرويان:
(الضب).. ذلك الحيوان المنسي الذي يقوم بدوره في النظام البيئي منذ آلاف السنين، إلى جانب كونه يوفر جزءاً لا بأس به من البروتين الحيواني لمواطني شبه الجزيرة العربية وغيرها من مناطق انتشاره ، بقي الضب بعيداً عن خطر الانقراض حتى القرن العشرين، وكان من المفترض نظريا ألا يتعرض الضب وغيره من الكائنات الفطرية التي تثري التنوع الإحيائي لهذا الخطر ؛ كون ظروف المعيشة والحياة تحسنت وتطورت إلى حد كبير، وتوفرت مصادر كثيرة ورخيصة من مصادر البروتين الحيواني للبشر، إلا أنه على العكس من ذلك فقد تعرض الضب كغيره من الأحياء الفطرية لضغوط بشرية كبيرة ؛ ساهمت في الحد من انتشارها وتعرضها لمخاطر الانقراض والاندثار من بيئاتها الطبيعية، فكانت الوسائل التقنية الحديثة من سيارات مجهزة للمناطق الوعرة، وتنوع الأسلحة النارية، بل ابتكار طرق جديدة وغير تقليدية للصيد، بالإضافة إلى تدمير كثير من المواطن للبيئات الطبيعية ومشكلات التلوث وكلها عوامل أدت إلى انحسار التنوع الإحيائي بشكل عام، وانحسار الانتشار الجغرافي للأنواع، واختلال كثير من النظم البيئية.
لقد أوصت دراسة سابقة أجريت حول تسجيل ظاهرة نفوق أعداد كبيرة من الضبان بمنطقة العاذرية شمال مدينة رفحاء بحوالي (90) كيلومتراً بالقرب من الحدود مع العراق ، فقد أوفدت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها فريقاً بيطرياً متخصصاً على وجه السرعة وذلك للتوجه للمنطقة المذكورة والوقوف على أسباب هذا النفوق الجماعي ومواجهة أية أخطار قد تكون ألمَّت بالبيئة في تلك المنطقة ، وتكون الفرق من:محمد عبد القادر صندوقة (طبيب بيطري) من مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية ومحمد إبراهيم السلامة من إدارة الدراسات من الهيئة الوطنية لأبحاث الحياة الفطرية وإنمائها، وأسامة بدري محمد طبيب بيطري من مختبر مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية.
للحصول على ضبان حية وقد توجه الفريق إلى مدينة رفحاء وعند الوصول للمدينة اتجه الفريق إلى المناطق البرية غرباً من منطقة ابن سوقي ثم اتجه إلى منطقة نواظر.. وتجول الفريق في تلك المناطق.
يقول أعضاء الفريق إنه أثناء تجولهم في هذه المناطق التقوا بعدد من المواطنين الذين ذكروا للفريق انهم شاهدوا ضباناً ميتة في هذه المنطقة.
وقد قطع الفريق مسافة 160 كم لمسح منطقة كبيرة منها منطقة رميلان ومنطقة عقارب ومنطقة مقناة ومنطقة فيحان وهذه المناطق أكثرها صخرية ورملية وقد شاهد الفريق حوالي أربعين ضباً حول جحورها ويضيف أعضاء الفريق بأن الطقس في ذلك الوقت لا يزال بارداً وهذه الفترة هي بداية ظهور الضب من الجحور بعد فترة الشتاء ، لكنها لا تبتعد عن الجحور وظهرت جميع الضبان التي شوهدت بحالة جيدة وكانت نشيطة جداً بحيث كان من الصعوبة الإمساك بها وتمت مشاهدة أعداد كبيرة من الجحور ووجدت آثار الضبان على أطرافها وعثرنا أيضاً على بقايا ضبان في أماكن مختلفة وكانت جافة جداً مما يعني أنها ميتة منذ فترة طويلة.
لقد حصل الفريق على عينات من ثلاثة ضبان ظهر على أحدها المرض (D1) وقد أرشدهم إلى مكانه أحد رعاة الأغنام في المنطقة ، حيث شاهده قرب شجرة وظهر أنه مريض حيث كانت حركته ضعيفة وحالته ضعيفة أيضاً.. كما تم العثور على ضب ميت (D2) على الطريق دهس رأسه بسيارة يحتمل أن يكون قبل يوم من العثور عليه كما تم الإمساك بضب آخر (D3) عن طريق إغلاق جحره قبل أن يصل إليه وكانت هناك محاولات للإمساك ببعض الضبان ولكنها كانت تسرع إلى جحورها وتم صب الماء داخل جحر وحفر اثنان من الجحور بعد دخول الضبان فيها لإمساكها ولكن العملية كانت متعبة جداً وباءت بالفشل.
وقد تم إحضار العينات إلى مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية وتشريحها وجمع عينات منها لتحليلها في مختبر المركز وقد تم جمع عينات من الرئة والأمعاء الدقيقة والقلب والكلية والكبد وأخذت مسحات من الفم ومن البول وعينات براز.
أظهرت النتائج أنه لم يتم تشخيص أي طفيليات خارجية في جميع العينات التي جمعت ، بل وجد احتقان في الكبد مع دكانة في اللون في جميع الضبان وكذلك وجود نزيف دموي مخاطي في الأمعاء الدقيقة في الضب الأول واحتقان طفيف في رئة الضب الأول والثاني واحتقان طفيف في القلب لجميع الضبان . ولم يتم تشخيص أي طفيليات داخلية في جميع العينات.
وقد أثبتت نتائج الفحوص المخبرية عن وجود بعض أنواع البكتيريا المسببة للمرض في بعض العينات ومن أهمها بكتيريا ستربتوكوكس B المحللة للدم.
وبين البيطريون أنه من الممكن أن تنتقل هذه البكتيريا عبر الاختلاط المباشر بين الحيوانات ولكن من المستبعد أن تكون بصورة وبائية بحيث تنتقل بين الحيوانات إلى مناطق شاسعة وبصورة سريعة وبالذات بين حيوان مثل الضب فهو غالباً لا يبتعد كثيراً عن منطقة جحره ومن المتوقع أيضاً أن تنتقل بعض الأمراض إلى الضب عن طريق الماشية التي ترعى في المنطقة وتنتقل لمسافات كبيرة خاصة بعد أن لوحظ نفوق أعداد من الماشية في بعض الأماكن. ولذلك فلا يستبعد أن تكون هناك عوامل أخرى أيضاً مثل العامل الفيروسي وتصعب عادة تشخيصه وهذا ما يؤكد أن الظاهرة ليس لها علاقة بعوامل أخرى مثل التلوث البيئي سواء كان إشعاعياً أم غيره حسب ما تم تحليله من عينات نبات جمعت في الرحلة الأولى وتم تحليلها في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
وخرج الفريق بعدد من التوصيات المهمة: ومنها توعية المواطنين والرعاة في المنطقة من عدم الاقتراب من الضبان المريضة إن وجدت أو محاولة اصطيادها حيث من الممكن وجود أمراض قد تنتقل للإنسان أو الحيوانات الأليفة.
كما يجب إبلاغ وزارة الزراعة بهذه النتائج لإبلاغ مديرية الزراعة في المنطقة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية تعرض الضب إلى مثل هذه الأنواع من البكتيريا الضارة التي من المحتمل أن تكون قد انتقلت للضب من خلال الاتصال المباشر مع الماشية في المنطقة والتأكد من خلو المواشي التي ترعى في المنطقة من الأمراض.
|