تطرقت في أكثر من مقال إلى القول بأن سن القانون وحده رغم أهميته لا يمكن أن يحقق العدالة، أو يحفظ حقوق الإنسان، أو يرتب العلاقات بين البشر، أو أن يجنب البشرية الكوارث والمآسي، فهذا محال بشهادة التاريخ في فترات متفرقة.
كم منا يعلم أن القانون في حالات كثيرة قد فسر وطبق بما يتفق مع تحقيق مصلحة الأقوى أو الأجرأ أو الأظلم أو هم معاً أو اثنان منهما معاً، سيكون ذلك ممكناً في حالات كثيرة طالما أن هناك اختفاء للقيم، وأقول اختفاء وليس انعدام لأنها تختفي وتظهر بين الفينة والأخرى بدرجات متفاوتة، فقد ظهرت في أعلى وأسمى درجاتها في صدر الإسلام، وكذلك في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وفي فترات متباينة ومحدودة فيما تلاه.
الرسالات السماوية حملت إلينا كتباً مقدسة لتكون أمام ناظرينا لتلهمنا الرشد طالما كنا مؤمنين بها، وحملت هذه الكتب الكريمة مثل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن قيماً أخلاقية رائعة لتنظيم حياتنا ومعاملاتنا.
وعلى سبيل المثال فالقرآن الكريم يحرم علينا قتل النفس البريئة، واحترام الوالدين والاستذلال لهما، والعطف على الصغير وتوقير الكبير، واحترام الجار والقريب، والتصدق على الفقير، وعدم التكبر والتعالي، وتحريم الوشاية أو شهادة الزور.
علمنا الإسلام آداب الحروب، والحفاظ على الأرواح، وعدم قتل الأطفال والنساء وعدم قطع الشجر أو حرق الثمر. علمنا أن نجنح إلى السلم وأن نأخذ الأمور بظواهرها، وألا نترك العنان لأهوائنا أن نفسر الأحداث مع ما يتفق بما تشتهيه نفوسنا إن مالت إلى المظالم. علمنا الإسلام كما هي سائر الأديان السماوية الأخرى، خوفاً ومطمعاً آخر غير خوف القانون والبشر، أو مطمع الدنيا، علمنا مخافة الله أولاً، ومطمع الآخرة ونيل الثواب بعد الممات.
في سجن أبوغريب العراقي، أظهرت الصور مناظر يندى لها جبين الإنسانية جمعاء، وتقشعر منها الأبدان، وتتقزز الأنفس، وتدمى لها الأفئدة.
إن القانون الدولي وحقوق الإنسان، موجودة معلومة، لكن الإيمان بها والتربية عليها وزرعها لدى النشء لم تكن موجودة عند أولئك الذين قاموا بتلك الوحشية، أو الذين أمروا بها، أو أولئك الذين علموا بها ولم يعملوا على منعها ومعاقبة مرتكبيها لأن القيم اختفت والأخلاق نبذت، وأصبحت المصالح، والنوازع البشرية الشريرة هي السائدة عند أولئك الفاعلين والآمرين، والقادرين على المنع ولم يمنعوا، لقد ذكر مساعد وزير الدفاع الأمريكي ستيفن كومين، والجنرال أنطونيو تاغوبا أن من ضمن عمل الاستخبارات منع المحجوزين من النوم، واستخدام الكلاب، والعزل لمدة 30 يوماً، ويمكن أن تكون في حالات استثنائية بأمر من القيادة.
لقد ذكر الجنرال تاغوبا (أن الجنود لم يدربوا) إذا كان الأمر كذلك، فهل ما قاموا به نابع من قيم وأخلاق لديهم؟؟ بئس العمل والتربية إذاً.
لقد ذكر عضو الكونجرس الأمريكي السيناتور إدوارد كندي (أن هذه الممارسات لم تكن في سجن أبو غريب فقط) فهل يا ترى ستظهر لنا الصور فضائح في سجون أخرى غير هذا السجن، أم أن حراس السجون الأخرى خيرون وحراس سجن أبوغريب أشرار؟ لست أدري. أتمنى أنهم خيرون.
لقد طرح أحد التقارير شيئاً مخجلاً، وهو أنه يتم نقل بعض المعتقلين إلى سجون أخرى أثناء زيارة الصليب الأحمر لسجن أبوغريب أو زيارة وفد من حقوق الإنسان إن كان ذلك حقاً، فهذا إخفاء للجريمة من إدارة السجن، ولا علم لنا إن كان ذلك يتعداه إلى ما هو أبعد.
أتمنى أن تكون القيم والأخلاق الإنسانية المستمدة من التراث الإنساني النبيل والأديان السماوية العظيمة هي النبراس الذي نهتدي به إلى التعايش في كوكبنا الأرضي، ونأمل ألا يكون التطرف والتعصب بديلاً لتلك القيم السامية، حتى يعيش العالم في سلام بعيداً عن الإرهاب والاحتلال والظلم.
|