سعادة رئيس التحرير الأستاذ: خالد بن حمد المالك -حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلقد أطلعت على بيان معالي وزير العمل الدكتور: غازي بن عبدالرحمن القصيبي- حفظه الله-والذي نشر على صفحات جريدتنا الغراء، جريدة الجزيرة في يوم الاثنين 29 من صفر 1425هـ، وما تلا ذلك من زيارات واجتماعات وقرارات وتصاريح صحفية.
وعلى صدى هذا النشاط النوعي وهذه التصريحات الإستراتيجية يعيد التاريخ نفسه، فقد نقل لنا التاريخ أنه وقبل أكثر من أربعين سنة مضت (تقريبا عام 1383هـ الموافق 1963م) أن غازي - مع احترامي للألقاب - وقف أمام الجمعية العمومية لجمعية الطلاب العرب في جامعة جنوب كاليفورنيا- بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي تضم في عضويتها قرابة المائة وخمسين طالبا، نصفهم سعوديون. أقول: ان حالهم آنذاك أحسن من حال سوق العمل الآن، حيث لم يتجاوز تعداد الموظفين السعوديين في القطاع الخاص أكثر من 15% علماً أن نظام العمل والعمال السعودي ينص في مادته (45):(أنه يجب ألا تقل نسبة العمال السعوديين الذين يستخدمهم صاحب العمل عن 75% من مجموع عماله...)، أدى حال الجمعية الطلابية آنذاك من تشرذم مزمن وتمزق وكثرة خلافات إلى تقلص دور الجمعية حتى انحصر نشاطها في إرسال برقيات الشجب والتأييد. بالتمام كالذي يحدث لنا الآن أمام قضية مصيرية، قضية البطالة والعطالة، فإما أن نحيا بشرف الكسب والمعاش أو أن تتفشى فينا مظاهر التفه والانحلال والفراغ والعنف واللامعلوم.
نحن أمام مشكلة حقيقية ومع ذلك فمسلسل القطة والفأر مازال يحقق أعلى المبيعات على شبابيك التذاكر، لأن الثقة قد نزعت بين أرباب العمل والعمال، وكل طرف يشجب ويندد بالطرف الآخر، والذي يبعث على الحيرة والاستغراب أنه وفي نفس الوقت الذي يطالب أرباب العمل بضرورة تأهيل وتدريب الشباب السعوديين لأن السوق لا يحتمل غير المدربين والمؤهلين، نجد أن السيل مازال جارفا لاستقدام عمالة غير مدربة، حتى وصلت نسبة المستقدمين الذين لا يتجاوز تعليمهم المتوسط عند أعلى مستوياتها 60% من إجمالي العمالة المستوردة لبلادنا.
والدولة - حفظها الله - دائما تعوّل على القطاع الخاص بالنهوض بهذه المهمة، ولا ملامة في ذلك وهو الذي قد قام على أكتاف المشروعات الحكومية ومناقصاتها وقروضها...
ومن باب رد الجميل أن يسدد بعضا من ديونه تجاه وطنه ومجتمعه ومن أقلها أن يتقاسم المسؤولية مع الدولة، لا أن يهدد بنقل استثماراته خارج أرض الوطن، ففي هذا التكامل تتجلى روح الوطنية ويشع نور الأمل وتنبعث الحياة من جديد في تدوير أكثر من ستين مليار ريال سعودي تستنزف سنويا خارج البلاد على شكل تحويلات بنكية لمسقط رؤوس تلك العمالة الوافدة.
كما وأن في هذا المطلب بناء لرأس المال البشري والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيد للمملكة قيمتها فوق هام السحب، فلقد تناقلت الصحافة قبل عدة أسابيع اعتراض دولة تايلاند ! نعم تايلاند على انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية يوم التفاوض آنذاك لأن لديها تحفظاً على منع السلطات السعودية استقدام عمالتها لأسواق المملكة، وسبب تمسكهم هذا لأنهم يرون مدى الاختلال والحاجة في سوق العمل السعودي لأنه عاله على أيدي عاملة وافدة تحمله الخسائر الاقتصادية أكبر من المكاسب المحاسبية.
وفي المثل الشعبي يقال:(المال السايب يعلم السرقة)، وقد أكد ذلك معالي وزير العمل د.غازي من أن 70% من تأشيرات العمل الصادرة عام 1424هـ تمت المتاجرة بها بناء على كشوفات نقل الكفالة.
في مثل هذه الظروف التي نمر بها، وبعد أن أعياه حال الطلاب المتكلمين وتلك الوعود المعسولة والممتلئة بحاقنات الأنسولين والتي يقدمونها لأعضائهم وهم أمام جمعية طلابية مشلولة ممزقة مفلسة، والشيء المضحك، يقال: ان شر البلية ما يضحك! لأنها تشبه تماما حالنا مع حفلات العشاء وكلمات الشكر والثناء ودروع التكريم عند تخريج نيف وعشرين أو ثلاثين طالبا من أحد برامج التدريب والسعودة، ونحن أمام مشكلة بطالة وصلت عند أعلى معدلاتها 31% من إجمالي القوى العاملة - مع احترامي الشديد للتحفظ الذي أشار إليه معالي الوزير من أن المصدر الوحيد لتحديد نسبة البطالة هي مصلحة الإحصاءات - وبحسبة بسيطة نستطيع القول ان الوصول لسعودة وظائف سوق العمل السعودي بالكامل سوف تتم! لكن بعد مرور أكثر من مائة وعشرين سنة.
وقف غازي آنذاك ملقياً بيانه الانتخابي ومحدداً على إثر ذلك قراراته الإستراتيجية كهذه التي تناقلتها وسائل الإعلام والصحافة صبيحة يوم الاثنين 29 من صفر 1425هـ.
حيث اننا تنفسنا الصعداء بعد صدور المرسوم الملكي الكريم بتعيين معاليه وزيرا للعمل، فلقد حبسنا أنفاسنا برهة من الزمن كادت أن تنقطع أرواحنا، بعد ذاك المرسوم الملكي بفصل وزارة العمل والشئون الاجتماعية إلى وزارتين مستقلتين.
معالي الدكتور:غازي بن عبدالرحمن القصيبي، غني عن التعريف وأن كانت مصادر معرفتي ومعرفة أفراد جيلنا به، هي تلك الجبال الشامخات من السطور الإدارية والأدبية التي قطعت لجمعها أكباد الجمال دراسة وتمحيصا، وأحيانا ما اختزنته ذكرياتنا من مسامرة ومجادلة الآباء والأجداد، ولا غرو في ذلك، فهذا ديدن الشخصيات التي تثير الجدل وتبعث على الحيرة حينما تسبق في إنجازاتها أيام الزمن.
ولأن هذا النوع من الرجال الذي يحمل بين جنباته نفسا عصامية لا بد أن تكون شخصيته مؤثرة في مجتمعها خصوصا بين أواسط المراقبين والمهتمين عند القيام بتوثيق مهام رجالات الدولة.
التاريخ يروي لنا تقلد الدكتور غازي مناصب هامة مثل: وزارة الكهرباء والمياه وقبلها الصحة التي أتت بعد الصناعة والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) وسكة الحديد وتولي مهام عمادة كلية التجارة بجامعة الرياض آنذاك (الملك سعود حاليا) ورحلات التفاوض الدولية، بالإضافة إلى عمله سفيراً للمملكة لدى مملكتي البحرين والمتحدة، هذا الكم من المناصب والمقاليد الإدارية الهامة لم تأت خبط عشواء من تصب لأن لا أحد يستطيع أن ينكر تلك الإنجازات، فلقد عرف عنه أنه رجل مبادئ وإقدام ينبري للمهمات والمدلهمات، والآمال والأحلام التي تحققت أثناء توليه تلك المناصب لا يستطيع أحد أن يتجاهلها أو أن ينسبها إلى الظروف التي واكبت فترة توليته، فلقد شارك غيره كثير في إدارة الدولة أيام الطفرة، لكن الفرق الجوهري هو مدى ما اختزنته الذكريات، حيث ما زالت تؤلف فيه وتحكى عنه وحوله الحكايات والحدوتات، حتى وصل الأمر أن سطرت خيالات ودراميات وليس هذا بمستغرب على رجل شهد له بأنه: رجل إذا قال فعل. وإنه مما يشرفني أنني منذ بداية تسلم معاليه مقاليد الوزارة الجديدة (العمل) حرصت على رصد خطواته من بدايتها وتصريحاته واجتماعاته التي بدأت تتوالى وخططه الإستراتيجية في العمل، وحيث انه قد اجتمع في عقل رأسي كم رهيب من الملاحظات والتعقيبات بعد وقبل تنصيبه، بحكم أنني أحد المهتمين بالسعودة وسوق العمل، أحببت أن أكتب عنها، وأضعها بين يدي معاليه على شكل نقاط وهي كما يلي:
1- حينما يشج رأس الواحد أو تجرح يده وينزف الدم أحمر مهدرا فهل من العقل والمنطق أن يقدم الطبيب المعالج المهدئات والمسكنات ويهدر وقته بالنصائح والإرشادات، أم أنه سيهب لإيقاف النزيف الدموي كأول إجراء، وبعد ذلك يدرس الأسباب والمسببات لصياغة النصائح والإرشادات لحوادث المستقبل.
وهذا الذي لمسناه بعد أن شنف آذاننا بالمبدأ الأول والثاني من المبادئ والأسس التي ستتخذها الوزارة الوليدة منهجية عمل.
حيث أقر واعترف بادىء ذي بدء بوجود البطالة بين صفوف الشباب، وأنها عند المستويات التي أصبحت تشكل خطرا، وثنّى بيانه باتخاذ إجراء فوري وسريع لإيقاف هذا النزف.
وفي نفس الوقت أعلن متحديا لنجاح أي من الجهود المبذولة للقضاء على مشكلة البطالة إذا استمرت الأبواب مشرعة على مصراعيها لقدوم مئات الآلاف من العمالة الوافدة سنويا كخطوة استباقية على كتابات وطروحات المعترضين على الإجراءات التي سيتخذها معاليه في الأيام القليلة المقبلة.
وبحسب ما توقعت فقد أعلن معاليه أن لا موافقة على استصدار أي تأشيرة عمل دون موافقته شخصيا وتوقيعه.
وبعدها مباشرة أصدر قرارا بإيقاف الاستقدام للمنشآت التي تقل عمالتها عن عشرة أشخاص.
2- العمل حق لكل مواطن حسب ما نصت على ذلك المادة ( 48 ) من نظام العمل والعمال السعودي، وبالتالي فإن من يسلب المواطن حقه في ذلك يجب أن يجازى الجزاء الرادع، لأن من يتحايل على قرارات السعودة عبر تشغيل عمالة وافدة في مهن لا تتوافق مع المسميات الوظيفية لهم، فإن صاحب العمل أولا ثم العامل الوافد يجب أن يتعرضا للجزاء الأوفى، لأن التلاعب بحقوق المواطنين كمن قطع عصب الحياة عنهم وهو في هذا الزمن (الوظيفة) ومثال ذلك أن يقوم الكفيل بتغيير مهنة موظفه الوافد، بعد صدور القرار بقصر مزاولتها على السعودي، إلى مهنة لم تشملها قائمة الـ34 مهنة كما في إعلان مقام وزارة العمل، تحايلا وتغافلا للجهات المختصة، كتشغيل مندوب مبيعات في إدارة شئون موظفين أو فني تبريد بوظيفة مسئول توظيف أو استقبال وعلى هذا المنوال.
3- في اللقاء الذي جمع معاليكم برجال الأعمال في مقر الغرفة التجارية الصناعية بالرياض يوم الثلاثاء الموافق: 8- 3-1425هـ طرح أصحاب الأعمال همومهم وما يعانونه من عدم استقرار العامل السعودي والذي يعتبر-بزعمهم- أن عمله في القطاع الخاص مؤقتا إلى حين الحصول على وظيفة حكومية، وبالتالي فيرى بعضهم أن السبيل الأكيد لبث روح الاستقرار والولاء الوظيفي هو إعطاء صاحب العمل وأرباب الأعمال صلاحيات أكثر لفصل العامل السعودي من عمله.
والأمر المستغرب أنهم يؤكدون على هذا المطلب في كل محفل، فلقد دعيت لحضور آخر اجتماع مع معالي وزير العمل والشئون الاجتماعية آنذاك، ورأيت مدى الإلحاح والإصرار المستمر من جانبهم على تضمين قانون العمل والعمال (بحلته الجديدة) صلاحيات أكثر لفصل العامل السعودي من وظيفته.
ولا أدرى كيف يكون استقرارا وظيفيا والسيف مسلط على الرؤوس، علما أن نظام العمل والعمال الحالي كفل لصاحب العمل الحق في فصل العامل السعودي إذا كان بسبب مشروع.
وإصرارهم هذا معناه أن السبب المشروع يصعب تحقيقه وبالتالي فهم يبحثون عن صلاحيات أوسع غير ما كفله الشارع.
4- في أدبيات علم الاقتصاد أنه ولكي تضمن الدولة التوظيف الكامل لكافة مواردها بما في ذلك الموارد البشرية، فلا بد من زيادة الإنفاق العام، وهذا الذي حفظ عن ظهر قلب، فهم ينادون على كل منبر بضرورة زيادة الإنفاق العام ولو كان إنفاقا (استهلاكيا) وفي نفس الوقت يغضون الطرف عن ستين مليار ريال سعودي تستنزف سنويا إلى خارج البلاد السعودية، ولو عمل أولئك للحفاظ على هذه الثروة المليارية بتدويرها محليا من خلال إتاحة الفرصة لأبناء هذا البلد بالعمل لضمنوا أن تلك التحويلات السنوية ستصبح إنفاقات استهلاكية سنوية وبالتالي ستعود على استثماراتهم وأرباحهم بالشيء الكثير.
5- اللجان العمالية والتي صدر مرسوم ملكي كريم بالموافقة على إنشائها، فمع ما تحمله هذه المبادرة الحكومية من انطلاقة نحو العالمية إلا أنها قوبلت بالمجابهة والرفض من لدن أرباب العمل، حيث أكد ذلك الدكتور: عبدالله صادق دحلان رجل الأعمال والكاتب المعروف وعضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة وعضو مجلس إدارة منظمة العمل العربية ومندوب المملكة الدائم لدى منظمة العمل الدولية ممثلا لرجال الأعمال، في زاويته الأسبوعية بجريدة الوطن ما نصه: فللأسف الشديد أعلن وبكل خجل أننا نحن في القطاع الخاص نقف عائقا أمام تحقيق آمال العمال السعوديين في تشكيل (اللجان العمالية) ويواصل: نعم لقد أثبتت النتائج أن هناك إرهابا إداريا تمارسه بعض الشركات ومؤسسات القطاع الخاص تجاه العمال في منعهم من تشكيل (اللجان العمالية) وهو حق منحهم إياه النظام السعودي والنظام الدولي.. انتهى.
والذي أحب أن أشير إليه أن نظام اللجان العمالية الحالي يصح وصفه ب(السهل الممتنع) لكونه يشترط توفر مئة سعودي في الشركة التي يرغب موظفوها بتأسيس لجنة عمالية وهذا يعني أن هذه المنشأة يعمل بها قرابة السبعمائة موظف من مختلف الجنسيات، وفي الغالب تعد ضمن المنشآت الكبيرة (تصنيفيا) والتي يغلب على موظفيها الاستقرار النسبي وعدم الرغبة بالدخول في مواجهات مع إداراتهم العليا لحلم لم يتبلور أفقه بل يصعب تحقيقه.
لهذا فإن لم تتدخل يد المشرع لتعديل النظام بحيث يشمل كل الشركات والمنشآت بغض النظر عن نسبة السعودة فيها، بل ويدعم جميع الموظفين السعوديين في الشركات المتخلفة عن نسبة السعودة المفروضة لتأسيس مثل هذه اللجان العمالية، لأن كثرة اللجان العاملة ستغلب شجاعة القطاع الخاص في إرهاب موظفيه، يقال: (الكثرة تغلب الشجاعة).
6- دعم التوجهات الوطنية لإقامة جمعيات عمالية، فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام قبل عدة شهور أن هناك توجها مدنيا لإنشاء جمعية للعمال السعوديين (ضمن توصيات منتدى الحوار الوطني الثاني بضرورة دعم إنشاء مؤسسات المجتمع المدني) .
7- تمثيل العمال السعوديين في اللقاءات الثلاثية( الحكومة- أرباب العمل-العمال) فمن غير الصحيح أن يدعى لتمثيل دور العمال والمطالبة بحقوقهم من هم في أعلى السلالم الوظيفية، لأن همهم الوحيد خدمة الملاك أرباب العمل للحفاظ على مميزاتهم الوظيفية كما يقال: (أنا ومن بعدي الطوفان).
8- يؤكد أغلب رجال الأعمال أن سعي المملكة للالتحاق بركب منظمة التجارة العالمية سيفتح الأبواب على مصراعيها أمام السلع والخدمات الخارجية، وبالتالي فهم يطالبون أن لا تفرض عليهم توجهات عامة تؤدي إلى زيادة أسعار منتجاتهم كتوظيف السعوديين.
وفي نفس الوقت يغفلون أن من شروط منظمة التجارة العالمية المصادقة على كل القوانين والأنظمة الدولية ومن أهمها نظام العمل الدولي وحق التمثيل النقابي والتنظيم العمالي وبالتالي فإننا نخشى أن تفرض على منشآتنا هذه عقوبات دولية بسبب مخالفتها لنظام العمل الدولي كما حصل لبعض دول آسيا من وقف لتصدير السجاد للأسواق الأمريكية بحجة أن مصانع السجاد تستخدم عمالا من الأطفال في التصنيع وهو إجراء غير نظامي بناء على الاتفاقية الدولية لمنع عمالة الأطفال، وغيرها كثير.
9- منظر يتكرر كل يوم أمام كاونترات توظيف السعوديين في مكاتب العمل التابعة لوزارة العمل ويبعث على الدهشة والاستغراب فكيف يصح أن يوجد في بلد أكثر من سبعة ملايين وافد، ومواطنوه يصطفون طوابير أمام مكاتب التوظيف في بلدهم والذي كفل أحقيتهم بالعمل، والمفترض كحل سريع أن نعطي السوق بعض آلياته، بحيث يتم إلغاء (مكاتب توظيف السعوديين الحكومية) وتترك المنافسة للشباب السعودي لفتح مكاتب توظيف أهلية وتخفيف القيود والإجراءات الواجب توافرها لمنح التراخيص، لأن في هذا مكاسب من عدة وجوه:
* أن مشكلة البحث عن الموظف المناسب هي مهمة صاحب العمل.
والواقع يدل على أن أصحاب الأعمال يرفضون أغلب المتقدمين لهم والمحولين من مكاتب العمل، ثم يحتفظون بالقصاصات الإعلانية عن الوظائف التي يعرضونها في الصحافة ليتحججوا بها أمام مكاتب العمل من أن لا كفء بين الشباب السعودي كمبرر لقبول طلبات الاستقدام.
* إيجاد فرص عمل حر للمواطنين من خلال دعم افتتاح مكاتب التوظيف الأهلي والاستثمار فيها، مع التشديد على قصر العمل فيها على السعوديين.
(طبقا للتوجه العام لدعم ثقافة العمل الحر).
* تخفيف العبء على وزارة العمل والتفرغ لمتابعة السوق ووضع الخطط والاستراتيجيات بعيدة المدى لتصحيح مفهوم العمل في أذهان النشء، وتفعيل دور الأسرة المنتجة.
10- (الفيز الحرة) يصر أصحاب الأعمال على أن أغلب الوافدين للعمل تم استقدامهم من قبل الإفراد والمحلات الصغيرة، حيث ان الذي يعمل في المنشآت الكبيرة فقط مليون وثلاثمائة ألف عامل منهم ثلاثمائة ألف فقط في القطاع الصناعي.
ولديّ وقفة مع هذا التصريح وهو أن هذا الواقع (نتيجة لسبب) فلو أن أولئك المواطنين السعوديين، وجدوا عملا يحقق أدنى مراتب العيش الكريم فلن يضطروا للدخول في أعمال حرة فاشلة تنتهي بتسريب عمالتها في الشارع، ولو أن أحدنا قام بعملية مسح شامل لفئات طالبي الاستقدام لوجد أن أغلبهم إما نطيحة أو متردية أو مما أكل السبع إلا ما تم تذكيته على طوابير التوظيف من كثرة المماطلة والشروط التعجيزية المفروضة لشغل الوظائف الشاغرة في القطاع الخاص، فهؤلاء هم أكثر الفئات طلبا لاستصدار تأشيرات عمل، ليقوموا ببيعها والتمصلح بقيمتها.
وبهذا يتضح أن السبب في وجود مشكلة المتاجرة بالتأشيرات والتي أشار معالي وزير العمل أن 70% منها يتم الاتجار بها يعود في النهاية على رجال الأعمال أنفسهم، لتوفير فرص وظيفية للشباب حفاظا على قيمة السوق.
11- تنتشر ظاهرة تشغيل نساء الوافدين في المستشفيات والمراكز العلاجية والمشاغل النسائية وعيادات التجميل والذين قدموا للمملكة لغرض الزيارة أو مرافقة ذويهم، ومع أن نظام الجوازات السعودي يمنع هذه الممارسة ويصف من يزاولها بأنه متخلف أو مخالف لنظام الإقامة بل يجب القبض عليه وترحيله لبلده بعد تغريم من قام بتشغيله، إلا أننا نرى قبولا لذلك بشكل واسع ومنتشر في كل مكان، حتى أنه يخالج نفسك أحيانا بعض الشكوك من وجود تواطؤ مخفي، وبالتالي فإن الواجب أن تقام العقوبات على كل من يقوم بتشغيل أولئك ويجب أن يحال للمحاكمة والجزاء الرادع.
12- تفعيل دور لجان التفتيش بجنسيه الرجالي والنسائي. فإنه قد قيل في قديم الزمان: (من أمن العقوبة أساء الأدب) فبالله كيف يصح أن يصدر قرار من مجلس القوى العاملة بضرورة سعودة ما نسبته 5% من إجمالي عدد الموظفين لدى الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص وبعد مرور تسع سنوات من صدور القرار يعلن معالي وزير العمل (السابق) في غرة عام 1425هـ أن الفاقد من هذه النسبة هو 30% أي أن نسبة السعوديين في القطاع الخاص مازالت تراوح الـ15% ولكم الحكم!!
13- تعويضات البطالة، من الاخطاء التي ارتكبتها بعض الدراسات والأبحاث في جدوى سن نظام لتعويضات البطالة أنها استندت في أغلب ما استندت إليه إلى أنظمة اقتصادية واجتماعية لا تتطابق مع مجتمعنا إلا من حيث تناول المصطلحات العلمية، فحينما تشير تلك التوصيات الى أن تعويضات البطالة تؤدي إلى تكاسل الأفراد عن العمل وانعدام الجدية في البحث عنه، فهي تتكلم عن مجتمعات قد توقفت عجلة التنمية تماما، أما في مجتمعنا حينما تسن مثل هذه القوانين ويلزم مانعو الماعون من تسديد غرامات مالية تذهب لصندوق تعويضات البطالة للشباب المؤهل والباحث عن العمل لكنه لا يجده، فإنهم سيتسابقون جريا على بساط الريح لتوظيفهم بهدف تقليل المستفيدين من هذا الوعاء وبالتالي انخفاض ما يؤخذ منهم، لأننا في الحقيقة لا نطالب القطاع الخاص بإيجاد واستحداث وظائف جديدة بل نطالبه بإحلال السعودي محل غير السعودي، أما والحال كما هو عليه بأن تطالب الدولة بتقديم تعويضات بطالة للمواطنين فهي في التحليلات الاقتصادية تعتبر شكلا من أشكال الإنفاق العام- الاستهلاكي-غير المباشر وستبقينا في الدائرة المفرغة.
14- الحد الأدنى للأجور، أعطت المادة (115) من نظام العمل والعمال السعودي (الحق لوزير العمل أن يقترح على مجلس الوزراء بتحديد الحد الأدنى للأجور بصفة عامة أو بالنسبة لمنطقة معينة أو مهنة معينة) وكون سوق العمل يعيش حالة اختلال فالواجب أن تتدخل الدولة لتصحيح بعض المسارات وفق السياسات العامة للدولة كما هو متبع في كل الاقتصاديات الحرة.
لأنه: ما هي الفائدة من فرض قائمة تحوي (34) مهنة مقصورة على السعوديين ويترك المجال أمام أرباب العمل لفرض شروطهم التعجيزية أمام الشباب ومن أهمها الراتب الشهري والذي يعتبر هو عصب الحياة، فهل 1200ريال و1500ريال تكفل العيش الكريم لخريج جامعة أو دبلوم.
15- صندوق الموارد البشرية وسياسة دعم التوظيف، والمشاهد حاليا يجد أن الصندوق موجّه هذا الدعم للمنشآت الكبيرة التي هي في الحقيقة ليست بحاجة لهذا الدعم المالي وذلك لوجود برامج تدريب وإحلال للسعوديين من ضمن سياساتها، وبالتالي فمن الأجدر أن يتجه هذا الدعم لتلك المنشآت المتوسطة والصغيرة والتي تشكل قرابة 87% من حجم الاقتصاد المحلي لأنها إما أن تفتقر أو تعاني من اختلالات هيكلية إدارية والأحرى أن يتدخل الصندوق لتنظيم تلك الهياكل الإدارية داخل هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتكون وعاء حسنا لتوظيف السعوديين.
16- التنظيم الوطني للتدريب المشترك، أن انتشار فروعه على مستوى المدن الصغيرة والمناطق النائية للحد من ظاهرة الهجرة الداخلية أضحى أمرا في غاية الضرورة، فلقد أدت هذه الهجرة إلى حدوث ضغط رهيب على الفرص الوظيفية داخل المدن.
والحال المتبع في أغلب الدول المتقدمة صناعيا كألمانيا مثلا يرى ميزا نسبية لكل بلدة على حدة فمثلا المدن التي تكثر بها الفواكه والخضار تجد أن مصانع تعبئة تغليف المواد الغذائية منتشرة فيها، أما في مناطق المراعي فتكثر مصانع اللحوم ومنشآت الألبان وهكذا.
17- الدورات التطويرية القصيرة التي تقدمها مراكز التدريب الأهلية وبعض مكاتب الاستشارات، لا تستلزم اختبار للقدرات بل يعطى المسجل شهادة حضور، والملاحظة: أن الحابل اختلط بالنابل وصار الغث والسمين يقدمان هذه الخدمة، والمفترض أن لا يتم التصريح لعقد أي دورة تطويرية إلا من قبل معهد متخصص بعد النظر في شهادات ومؤهلات معدي ومقدمي البرامج التطويرية لأن هذا النوع من التدريب بدأ يفقد قيمته السوقية، فيكفي أن يحصل معد هذه البرنامج على أي شهادة من احدى الجامعات الأوروبية التي تباع بالمراسلة ليتوج اسمه بحرف الدال، ولا تسأل عن مدى الفائدة الفعلية غير زيادة فقرة ضمن السيرة الذاتية.
18- هناك قطاعات حيوية ينبغي أن تستهدف وظيفيا وهي مهن مقبولة وذات قيمة اجتماعية، كالعمل في القطاع الصحي والسياحي والتخليص الجمركي ونحوها وبالتالي فيجب أن يلزم ملاك هذه المنشآت بعقد دورات تأهيلية للمواطنين الراغبين في العمل معهم في هذا المجال بالمجان أو بأسعار زهيدة ليكون المتدرب على إطلاع بمكان العمل من أول يوم تدريب، وكذلك يخلق جوا وظيفيا له قبل الانخراط في العمل اليومي (كفترة تأهيل وانتقال) ويمكن الاستفادة من تجربة معهد البحرين للتدريب من خلال إنشاء ورش تدريب بأسعار زهيدة أو مجانية بهدف تشجيع أصحاب الأعمال لإرسال موظفيهم للتدريب والتطوير.
19- للمهن والأعمال ارتباط بمستوى الأخلاق، وسياسة الدولة تجاه التوظيف هي الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي للمواطنين من خلال إيجاد الأعمال الشريفة الحسنة، وهذا لا يتحقق في المهن والأعمال الوضيعة التي تعرض على حملة البكالوريوس والدبلوم، لذا فلا ينبغي التسويق لها في الفترة الحالية بسبب ما سيكون عليه الوضع المستقبلي حينما يكون أبن الوطن الجامعي- وبسبب حاجته للعمل - خادما أو قهوجيا وحارسا عند الوافد الأجنبي، فسعودة الوظائف تدريجيا من الوسط ثم الاتجاه للأعلى أو للأسفل حسب ما هو متاح في الهياكل الإدارية، أمر في غاية الأهمية.
20- تحديد مفهوم عمل المرأة اقتصاديا واجتماعيا بهدف الحد من ظاهرة استقدام الخدم والسائقين مما أنعكس سلبا على سلوكيات النشء.
فقد انتشرت في الآونة الأخيرة كتابات ودراسات تقول وبغلاف إنشائي مغر ان المرأة التي تجلس في بيت زوجها وتزاول مهنتها الطبيعية كالعناية بالزوج وتربية الأولاد والطبخ للأهل وممارسة جميع الأعمال المطلوبة منها كربة منزل، انها عاطلة لا عمل لها وأن المجتمع يتنفس برئة واحدة.
وأن من تخرج للعمل وتترك البيت للخادمة والطباخة والسائق، ومع ما تحدثه هذه الممارسات من اختلالات في سلوكيات الأطفال هي المرأة المنتجة التي تساهم في خدمة وطنها.
21- ضرورة إيجاد وسيلة اتصال بسيطة كإنشاء مطبوعة دورية أسبوعية مثلا لتوفير المعلومة حول المتاح من الوظائف الشاغرة في القطاع الخاص بحيث توزع بالمجان مع الصحافة اليومية في مطلع كل أسبوع.
22- ربط جهود برامج السعودة التابعة لإمارات المناطق بمنظومة إشرافية موحدة بهدف الاستفادة من المقدرات والإمكانيات والدعم المعنوي والمالي لهذه البرامج.
23- طرح برامج درامية تلفزيونية لدعم توجهات الوزارة الوليدة تجاه مسألة التدريب والتوظيف والإحلال.
24- التنسيق مع بعض الجهات الحكومية الأخرى لربط برامج الدعم الحكومي (الصندوق الصناعي- الأراضي الصناعية- الإعفاءات الضريبية- دعم الصادرات) ونحوها بمدى تفاعل تلك المنشآت المستفيدة مع قرارات السعودة حيث انها مشكلة وأزمة اجتماعية واقتصادية.
25- ضرورة إخضاع العمالة الوافدة لبرامج دعوة وإرشاد ديني بعد التنسيق مع وزارة الشئون الإسلامية بهدف خلق جيل يعود لبلده برسالة السعودية للعالم.
26- وفي الختام أطرح سؤالا محيرا: ما هو الداعي بالسماح للعمال الوافدين لمهن حرفية يدوية بسيطة باستقدام أهاليهم ( الأولاد والزوجات) كالحلاقين أو عمال المندفات أو ورش تغيير شحوم السيارات ونحوها مما يسبب ضغطاً على المرافق العامة دون عائد وطني يذكر؟!
وفي الأخير أعواد بالقارئ الكريم لجمعية الطلاب تلك، فلقد تلاشت على إثر توليه ظاهرة البرقيات والشجب والتأييد، حتى انه يقال في كل شهر يقام نشاط ثقافي (محاضرة، عرض فلكلوري، أمسية، عشاء) كما وأنه وبعد عدة شهور كانت الجمعية أنشط جمعية طلابية في جامعة جنوب كاليفورنيا.
أحمد بن عبدالله العرفج
باحث في قضايا السعودة وسوق العمل
|