Thursday 13th May,200411550العددالخميس 24 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الخيانة الخيانة
فهد بن سليمان بن عبدالله التويجري/ مدير إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد - المجمعة

كانت الجريمة قديمة بقدم العالم؛ فالقتل والتخريب، والتهديد، والترويع، كلها مرَّت على عصور سالفة سابقة غابرة، ولكنها تطورت بتطور العالم وتقدمه، فالآلة والسلاح، تنوعت وتعددت فأصبحت أدوات تدمير وإصلاح، ليصبح القتل أسهل، والتخويف أوسع، والظلم أسرع، وليكون الذنب بعد ذلك أعظم وأفظع.
إن الجرم والجريمة، حصلتا وتحصلان وستحصلان في كل عصر وعلى كل مصر، شئنا أم أبينا, وليس معناه ضعفنا،أو عجزنا، ولكنها السنة الكونية.
أنا لا أستغرب وقوع الجريمة وإن كان مستغرباً، ولكنني أستعظم قلب اسمها وتغيير معانيها، لتكون خيراً أو إصلاحاً أو جهاداً.. يا الله !!
والأعظم والأدهى من وقوعها، أن يكون المفسد مصلحاً، والمجرم مسالماً، والمخطىء مصيباً والظالم مظلوماً، والغادر الخائن أميناً وفياً.
إن الأبشع والأخبث من الجريمة الخيانة ، لقد رفضت الشرائع السماوية الخيانة، ورفضها عقلاء بني آدم، فأصبحت ممقوتة مرفوضة، لا يفعلها إلا المارقون ديناً الضالون علماً.
حتى رفضها رسول الإسلام بين غير المسلمين، ومقتها في أرضهم وبينهم، وتدبر معي هذا الخبر الذي ذكره الذهبي عن المغيرة بن شعبة الصحابي الجليل يقول: (كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وإهداء هدايا، له فأجمعت الخروج معهم، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه، فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه، وأجلسه معه، ثم سأله أكلكم من بني مالك؟ قال: نعم سوى رجل واحد، فعّرفه بي، فكنت أهون القوم عليه، وسر بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئاً لا ذكر له.
وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم، ولم يعرض عليّ أحد منهم مواساة، وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فكنا نشرب، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت، وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يصدع ولكني أسقيكم فلم ينكروا، فجعلت أصرف لهم، واترع لهم الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكراً، فوثبت، وقتلتهم جميعاً، وأخذت ما معهم. فقدمت على النبي- صلى الله عليه وسلم - فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه وعلّي ثياب سفري، فسلمت، فعرفني أبوبكر -رضي الله عنه- فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: الحمد الله الذي هداك للإسلام، قال أبوبكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم، قال: ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئاً، لأن هذا غدر، ولا خير في الغدر) انتهى.
أنكره واستعظمه النبي الأمين، وهو غدر من كافر مع كافر، فكيف إذا كان من مسلم مع مسلم، أو مسلم مع كافر، لقد نزه الله نفسه عن الخيانة ونبيه وعباده المؤمنين فذكر أنه يخادع الكافرين ويمكر، ويكيد بهم، ولكن لما ذكر خيانتهم قال: خانوا الله فأمكن منهم، لقد كانت الخيانة وما زالت أخبث سلوك، وأسوأ خلق، وأبشع طبع، تنفر منها النفوس المؤمنة، وتأباها الضمائر السليمة، وتبغضها القلوب الظاهرة، فلماذا الغدر والخيانة للمسلمين، والمستأمنين، والمعاهدين.
إنهم وإن غدروا (اليهود) فهذا طبعهم، إنهم وإن نقضوا فهذا وصفهم، إنهم وإن نكثوا فهذا دينهم، {يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ...} {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ } فإلى الوضوح طريق الظهور، وللأمانة طريق السلامة، إياكم والغدر والخيانة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved