Thursday 13th May,200411550العددالخميس 24 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

فكر التفجير أو تفجير الفكر فكر التفجير أو تفجير الفكر
عبدالعزيز عبدالرحمن الصقر/ ماجستير فيزياء طبية - جامعة سري - بريطانيا

سبق أن كتبت مقالاً في هذه الصفحة بعد حادثة المحيا قلت فيه إن لهذه التفجيرات وقوداً فكرياً لا يقل خطورة وشدة عن الوقود الفيزيائي.. وإن هذا الوقود يتوفر من خلال وسائل متعددة وقنوات متوفرة ذكرت بعض الأمثلة عليها لا أرى حاجة لاعادتها وإنما حملني على الكتابة مرة أخرى تلك الحادثة الأليمة والشنيعة التي حدثت مؤخرا في مقر الأمن العام. من هنا اعود فأقول إن لهذه الحوادث مموناً فكرياً خطيراً يجب التركيز عليه وبذل كافة الجهود لإزالته والقضاء عليه.. فعلى الرغم من أهمية بل وضرورة القضاء على هذه الفئة الباغية والشاذة والخارجة على مجتمعنا وعلى قادتنا إلا أنني أجزم أن القضاء على هذا الفكر بالطرق المعروفة، ولو طال إلى زمن غير قصير، لا يقل أهمية عن ذلك بل قد يكون أهم وانجع حيث إنه ما لم نجفف هذه المنابع فإنه سيستمر تفريخ مثل هؤلاء الباغين والظالمين، وإلا فإن القضاء على الناتج وترك المصدر تبدو وكأنها عملية غير فعالة تماماً.
والعجيب أن مثل هذه الأفكار والتي تخرج لنا مثل هذا النتاج الفاسد المدمر لنفسه ولغيره هي في طبيعتها سهلة بسيطة نكاد نكون قد تعودنا على ترديدها وتكرارها صباح ومساء دون حتى أن نحس فيها ولكنها مع الوقت والتكرار والإصرار تولد لدى البعض، ممن لديه القابلية والاستعداد، شحنات ساكنة متراكمة وطاقات كامنة تتحول مع الوقت إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار.. في زمن ما وظرف ما.
للتوضيح أكثر أعود فأضرب مثالاً، فكرة نبذ الآخر ورأيه وإقصائه وإبعاده بل يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى الدعاء عليه بالهلاك والدمار والخراب.. وهذا الآخر قد يكون مخالفا في الملة وقد يكون مخالفا في العقيدة وقد يكون أحياناً مخالفا في الفكر فقط والأعظم من ذلك أن يكون مخالفا فقط في بعض أبواب الفقه.
هذا الفكر الاوحد يبدأ صغيرا ثم يكبر مع الزمن ويتجدد فهو قد يبدأ بالأجنبي ثم ما يلبث إلى أن يطول القريب والأخ والصديق. بالأمس كانت حجة من يقومون بمثل هذه الأعمال المدمرة هي إخراج غير المسلمين من البلاد وأصبحت مع الوقت قضية ولاء وبراء وهكذا حتى يصلوا إلى ما يريدون متبنين مثل هذه الأفكار.
فاصلة
في مسجد أحد الأحياء، وبعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة يوميا تقريباً، يقوم الإمام بالدعاء بالقتل والتشريد وانزال العذاب على جميع الدول الكافرة وعلى اليهود والنصارى جميعا دون استثناء وطلب النصرة من الله والتمكين لكل الفئات القاتلة في كل مكان ودون استثناء أيضاً. والغريب ان الجماعة كلهم، على اختلاف فئاتهم وأعمارهم، وبنفس الحماس تؤمن على ذلك وتلح على الله بإهلاك جميع أمم الأرض تقريباً وإبادتها، أيعقل هذا أو يبرر؟، أيكون هذا هو ديدننا في كل زمن وفي كل وقت؟، اليس قدوتنا هو المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو الذي رفض عرض ملك الجبال عليه بإطباق الأخشبين على قريش؟. أو ليس هو من قال حين طلب منه أن يدعو على ثقيف فرد قائلا: (اللهم اهدِ ثقيف) أيكون هذا في أغلب مساجدنا دون إذن ولي الأمر وهو الذي لا نفعل صلاة الاستسقاء إلا بأمر منه، وهي طلب الرحمة والإغاثة، فكيف إذن باستنزال العذاب والهلاك اليس من باب أولى، ثم أننا في مثل هذه الأدعية نعمم كثيراً والله جل وعلا يقول: {لَيْسُواْ سَوَاء..} الآية.. وفيها ايضا تزكية لنا حيث إننا ندعو على جميع من في الأرض من الامم ونبرئ بذلك أنفسنا من التقصير والذنب والخطأ والله عز وجل يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ.. الآية}.
خاتمة:
إعادة تقييم مثل هذه الأفكار المتشددة والمتطرفة وهذا السلوك العدواني، والذي يكون السبق فيه والمبادرة دائماً إلى طلب الهلاك والدمار والخراب، والفناء والتشرد واليتم والترمل على حساب طلب الهداية والرحمة والمعاملة الحسنة، أصبح ضرورة ملحة وعاجلة لتجنيب أجيالنا القادمة شروراً، الله وحده عالم بها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved