في وقت الأزمات العصيبة والمنعطفات التاريخية التي تمر بها الشعوب ويصبح من اللازم والمحتم اتقان فن الأسئلة، أي تفتيق تلك النوعية من الأسئلة التي تجلو صدأ العادة، وغبار النمطي والمألوف وتقود نحو آفاق جديدة أكثر اتساعا وايجابية وقدرة على تفتيق الحلول الملائمة. لأن الأسئلة الجديدة التي تشتبك مع الأزمة بشكل متحد ومستفز من شأنها أن تخرج بحلول مبدعة وخلاقة.
وحتى لا يبدو كلامي مسرفاً في التنظير، أود أن أشير هنا إلى اللغة التي يوظفها الإعلام المحلي لدينا!! فبقدر ما هي لغة نمطية ومكرورة وباهتة من حيث استجلابها لكليشهات نشأت بصحبة الإذاعة والتلفاز السعودي ومازلنا نكابدها، هذه القوالب القديمة التي كانت تخدم مرحلة زمنية معينة ثم انتهت صلاحيتها، وظلت توظف مرارا وتكرارا حتى باتت حاجزا سميكا يمنع الطرح الإعلامي عن مسايرة النبض الإعلامي السريع في العالم من حولنا، بل انها أصبحت تمارس فعلا تضليليا لما هو واقع وحقيقة معاصرة.
وفي مقابلة أخيرة أجراها وإياي التلفاز السعودي (عبر الهاتف) سألتني المذيعة وكأنني طالبة نجيبة تسمع أنشودة:
ما رأيك بحوادث العنف التي تمت لدينا مؤخرا؟؟ لا سيما وانها أفعال دخيلة وطارئة على مجتمعنا؟ عندها أحسست بكومة كبيرة من الغبار أثارها هذا السؤال القادم من غياهب التاريخ، والعاجز عن صناعة لغة إعلامية جديدة وطازجة وشفافة وقادرة على أداء دورها المناط بها في ظل الأزمة العصيبة التي نمر بها، لغة تحاول أن تربت على الجرح وترممه:
ليس من مصلحة أحد الترويج لهذا النوع من التزوير، ولا أعتقد بأن ولاة الأمر أنفسهم الذين نظن بأننا نرضيهم بهذه الطريقة سيسعدون بإخفاء الحقائق خلف هذا التحليل البائد، في وقت بات فيه الجميع يدعو إلى الصراحة والشفافية والمكاشفة وتطبيب جراح الوطن، وأعتقد بأن التشخيص الأمين المخلص هو أول الحلول.
هناك طرفة ظهرت في بداية ظهور الفضائيات، فالذين كانوا لا يمتلكون صحنا فضائياً كانوا يقولون متذمرين نحن نكتفي (بغصب واحد وغصب اثنين) وأخشى بأننا صار لدينا اليوم (غصب ثلاثة).
|